العنوان هنا
تحليل سياسات 25 أبريل ، 2011

الخاص والعام في الانتفاضة الشعبية السورية الراهنة

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

ينشد الشعب العربي السوري الحرية والكرامة، ويتوق إلى المواطنة وحقوق المواطن، حاله في ذلك حال الشعوب العربية كافة. ورغم وجود فوارق بين دولها على مستوى بنية الأنظمة، فإنها ليست الفوارق الرئيسة، بل يكمن الفرق الرئيس في تبلور هوية وطنية تسمح بفصل المجتمع عن الدولة أو عدم تبلورها، وغياب أو وجود جماعات أهلية ما زالت تجمع بينهما وتخترقهما عموديا. إن ما يصعّب الفصل بين الدولة والمجتمع هو الرابط نفسه الذي يصعّب فصل الدولة عن النظام [*]، وهو الفصل الذي مكّن من خروج المجتمعَيْن المصري والتونسي ـ باعتبارهما مجتمعين موحّدين ـ للمطالبة بإسقاط النظام، وهو ما مكّن الجيش من الامتناع عن الوقوف إلى جانب النظام في حرب ضدّ الشعب.

دخلت سوريا مرحلة الانتفاضة الشعبية، وبات لها أيضا مسمى تاريخي، ثورة 15 آذار/ مارس، إسوة بتلك التي سبقتها في تونس ومصر بداية العام، ومن بعدها في اليمن وليبيا. وعلى الرغم من أنها أظهرت قدرة على الانتشار والتوسع كما حصل في يوم الجمعة 15 نيسان/ أبريل، ويوم الجمعة 22 نيسان/ أبريل، فإنها لا تزال في بدايتها، وما زالت تثير أسئلة كثيرة حول المسارات التي ستتّخذها. وترتبط الإجابة عن هذه الأسئلة بالخصوصية السورية، ومستوى وعي الحركة الاجتماعية، وطريقة فعل أو رد فعل النظام السوري تجاهها، فضلا عن المواقف الدولية والإقليمية، وأمور أخرى متعلقة.

 فهل ستسير سوريا مثلا على طريقة مصر في إصلاحات تقوم تحت ضغط الثورة الشعبية التي اتّخذت شكل احتجاجات شعبية سلمية متواصلة؟ وهل يضاف إليها رهان على أنّ رأس السلطة في سوريا قادر على القيام بها؟ أم أنها ستراوح مكانها مدةً أطول بين توازنات مجتمعية مختلفة كحال اليمن؟ وهل ستقدّم سوريا نموذجا آخرَ يغلب فيه منطق القوّة على منطق المساومة؟ أم أنّ الانتقال إلى الديمقراطية في سوريا لا بدّ أن يتخطى النظام كما هو قائم؟ فأحداث يوميْ الجمعة 15 و22 نيسان/ أبريل أظهرت أنّ طريق المساومة هو مجرد احتمال يشجّعه المحيطان الإقليمي والدولي، وأنّ النظام الحاكم ظلّ مُصرا على الخيار الأمني في قمع أعمال احتجاج شعبية سلمية. ولا تزال التساؤلات مطروحة وتستدعي النظر إلى الخصوصية السورية المحلية والإقليمية.

ويدور الحوار عمّا يجري في سوريا حول سؤالين يطرحهما النظام وإعلامه بطريقته الخاصة؛ أولهما: حول أهمية العامل الطائفي على ساحة الفعل السورية، وإمكانية استغلاله في مواجهة مضامين الاحتجاجات الشعبية من أجل الحرية والكرامة، وذلك في وضع قائم في المشرق العربي قد تفَعّل فيه الثورةُ الديموقراطية التي تجتاح الوطن العربي تبايناتٍ مجتمعيةً كامنة، عشائرية أو طائفية، لعبت الأنظمة العربية بعد الاستعمار دورا في تكريسها وفي استخدامها أحيانا. وثانيهما: حول ما إذا كان لاستدعاء نظريات المؤامرة ما يبرّره في وضع تتمايز فيه سوريا ضمن معادلات القوى الإقليمية، من خلال دعمها خيار المقاومة في لبنان وفلسطين، ومناهضتها مشاريع إمبريالية وإسرائيلية، وبتحالفها مع إيران أيضا. أمّا التساؤل الثالث الذي تطرحه هذه الورقة، فيخصّ مستقبل التغيير في سوريا واحتمالاته، على ضوء طبيعة السياسات المنتظرة من أصحاب القرار، وضمن حالة التحولات الإدراكية لدى الجمهور الفاعل بعد غياب مزمن للتفاعلات السياسية البنّاءة في الحيز العام.


[*] راجع: عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية، مع إشارة للمجتمع المدني العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997).