العنوان هنا
تقييم حالة 29 يوليو ، 2015

هجوم سوسة: قراءة في الخلفيات والتداعيات

الكلمات المفتاحية

أنور الجمعاوي

باحث تونسي، متحصّل على الجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة لعام 2011/2012. تحصّل على شهادة الدّراسات المعمّقة في اللّغة والآداب العربيّة من كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة عام 2003، وذلك في اختصاص حضارة. درّس في عدد من المؤسّسات الجامعيّة التونسيّة اللّغة والحضارة والآداب العربيّة وعلم المصطلح والتّرجمة. وهو عضو في عدد من الجمعيّات والهيئات الوطنيّة والعالميّة المتخصصة في مجال المصطلحيّة والتّرجمة. نشر له العديد من المقالات والدراسات، منها: "حوسبة اللغة العربية"، مجلّة العربي (نيسان/ أبريل 2011)؛ و"العقل العربي في منعطف الألفية الثالثة"، المجلّة العربيّة (آب/ أغسطس 2011)؛ و"المدارس المختصة في علم المصطلح وحدود المقاربة العربية" في الندوة العالمية: تعلّمية لغات الاختصاص تنظيرًا وتطبيقًا(نابل: تشرين الثاني/ نوفمبر 2005).

مدخل

في الوقت الذي آل فيه مسار الثورة في معظم دول الربيع العربي إلى الارتداد، أو الانتكاس أو الانسداد، وذلك باطاحة العسكر المسار الديموقراطي في مصر، ودخول سورية واليمن في حالة احتراب داخلي، وغياب الدولة والصراع على السلطة في ليبيا، خطت تونس خطوات مهمة على درب التأسيس الديمقراطي بعد الثورة، فاختار المواطنون ممثليهم في البرلمان عبر التوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية والرئاسية. وأفضى الحوار الوطني بين مكونات المجتمع المدني والفرقاء السياسيين إلى صوغ دستور تقدمي، توافقي يقر بحرية الضمير، وبالفصل بين السلطات وبالمساواة بين الجنسين، وعاش التونسيون بعد الثورة حالة من التعددية السياسية والحزبية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، مارسوا خلالها سنّة التداول السلمي على السلطة فتولت إدارة مقاليد الدولة سبع حكومات متتالية وصلت الحكم بطريقة سلمية نزيهة. غير أنّ النجاح النسبي للمشروع السياسي في تونس بعد الثورة لم يواكبه نجاح تنموي، واستقرار أمني، فما زالت البلاد تعاني من ارتفاع نسب البطالة والفقر ومن وطأة التضخم المالي، وتراجع الدينار التونسي، وتزايد المديونية، وما زال استتباب الأمن وتأمين السلم الاجتماعي مطلبًا عزيزًا عجزت الحكومات المتعاقبة على تحقيقه، فما فتئت تونس تعاني من تهديدات الجماعات المسلحة التي وجهت للسلطة الحاكمة ضربات موجعة، وقامت بعمليات استعراضية خطيرة تحدت الأجهزة الأمنية، وأرهبت المواطنين والمستثمرين والسياح، ومن أخطر تلك العمليات الهجوم المسلح الذي استهدف "فندق ريو امبريال مرحبا" بمنتجع القنطاوي السياحي بمدينة سوسة بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2015، وأدى إلى مقتل 38 سائحًا وجرح 39 آخرين. وقاد الهجوم سيف الدين الرزقي (23 عامًا) وهو طالب (درجة ماجستير)، ينحدر من مدينة قعفور (محافظة سليانة) ويحسب على التيار السلفي الجهادي، وقد تبنى الهجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي عدّ غزوة سوسة "نكاية في الكفار" و"المرتدين بتونس" وأثنى على منفذها الذي سمّاه بالفارس "أبي يحي القيرواني". الذي يعتقد أنه تلقى تدريبات على السلاح في معسكرات أنصار الشريعة والدولة الإسلامية بصبراته (ليبيا).

والواقع أنّ الهجمة على سوسة لم تكن الأولى من نوعها فقد سبقتها محاولة أحد المسلحين اقتحام فندق سياحي عام 2013 وفجّر نفسه على شاطئ البحر بعد أن تفطنت له قوات الأمن. وخاضت تونس صراعا مريرًا مع الجهاديين تزايدت وتيرته بعد الثورة، إذ قام هؤلاء باستهداف المؤسسات السيادية (مراكز الحرس الوطني، ومراكز الشرطة، والثكنات العسكرية...إلخ) وأقدموا على قنص الجنود التونسيين أكثر من مرة، ونقلوا معركتهم مع السلطة من الجبال (الشعانبي، وجبل السلوم، وجبل سمامة) إلى المدن وأصبحوا لا يجدون حرجًا في استهداف السياسيين والمدنيين (السياح). ويقدّر عدد العناصر المسلحة المتمركزة على الحدود وفي الجبال بـ 120 عنصرًا ويبلغ عدد الذين تم اعتقالهم من الجهاديين نحو 2700 عنصر، في حين يقدّر عدد الذين غادروا البلاد نحو بؤر الصراع (سورية، والعراق، والصومال) بـ3000 فيما يعتقد أنّ حوالى 1000 جهادي تونسي التحقوا بمعسكرات التدريب بليبيا. وقد أثّرت تلك العمليات التي قام بها التيار الجهادي في تونس سلبيًا في القطاع الاقتصادي، وألقت بظلالها على المشهد السياسي، وأربكت مسار الانتقال الديمقراطي على كيف ما.

تتناول هذه الورقة الخلفيات الخاصة بهجوم سوسة وتحاول التعرّف إلى دوافع الجهة المشرفة على تنفيذه وأهدافها، قبل أن تلقى الضوء على تداعيات الهجوم على تونس اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا