العنوان هنا
مراجعات 03 مايو ، 2012

مصر 2013

الكلمات المفتاحية

أنور محمود زناتي

كاتب وأكاديمي مصري، مشرف تنفيذي لمشروع تطوير قدرات أعضاء هيئة التّدريس في جامعة عين شمس، وعضو الجمعيّة المصريّة للدّراسات التاريخيّة، وعضو اتّحاد المدوّنين العرب. حاصل على دكتوراه في التّاريخ الإسلامي من كلّية التّربية في جامعة عين شمس، كما تحصّل على ليسانس آداب – فلسفة، وليسانس تربية، وليسانس تاريخ. صدر له العديد من المؤلّفات والكتب، منها: كتاب تهويد القدس، وكتاب اللّغة العربية ودورها في التواصل الحضاري بين الشّعوب، ومعجم مصطلحات التاريخ الإسلامي، وقاموس المصطلحات التاريخية ( إنكليزي – عربي). كما تولّى تحقيق عدّة مخطوطات، منها: مخطوط مناسك القدس الشريف للدنف الأنصاري، ومخطوط خريدة العجائب وفريدة الغرائب لابن الوردي. شارك في العديد من المؤتمرات الدوليّة والندوات، منها: المؤتمر الدولي عن "الحضارة الإسلامية في حوض البحر المتوسّط" الذي عقدته منظّمة المؤتمر الإسلامي بالتّعاون مع معهد البحوث الإســـلاميّة في حوض البـحر المتوسّــط في جـامعة الشّرق الأدنى (Near East University)، والمؤتمر الدولي عن "أثر الوقف الإسلامي في النهضة العلمية" الذي نظّمته كلّية الشّريعة والدراسات الإسلاميّة في جامعة الشارقة بالتّعاون مع الأمانة العامّة للأوقاف بالشّارقة وبرعاية مؤسّسة بيت الشارقة الخيري، والملتقى الدولي الأوّل عن "تعليمية اللغات وحوار الثقافات" الذي نظّمه مـعـهـد الآداب واللغـات في المركز الجامعـي غرداية في الجزائر.



العنوان: مصر 2013

المؤلّف: أحمد فهمي

الناشر: مركز البيان للبحوث والدّراسات -الرياض

السنة: الطبعة الأولى، 2012

عدد الصّفحات: 211


صدر عن مركز البحوث والدّراسات بالتّعاون مع مجلّة البيان، كتاب مصر 2013، للكاتب والمحلّل السياسي أحمد فهمي. ويتناول الكتاب المشهد السّياسي في مصر بعد الثّورة من خلال المفاهيم النظريّة المتعلّقة بالتحوّل الدّيمقراطي في دول الثّورات، فيقدّم تصوّرًا نظريًّا لعمليّة التحوّل وآليّاتها ومراحلها ومشكلاتها، مع تطبيق هذه المفاهيم على الواقع المصريّ.
وجاء الكتاب في سبعة فصول وخاتمة.


الفصل الأوّل: الدّولة والثّورة- مقاربة نظريّة

يتعرّض فيه الكاتب لعددٍ من المصطلحات من أبرزها مفهوم "الدّولة"، وذلك لطرح تساؤلات كثيرة عن "النّموذج" الّذي تسعى القوى السياسيّة الثوريّة في مصر إلى تطبيقه، ورؤيتها لتنفيذ ثلاثيّة التحوّل السياسي: الهدم، والتّعديل، والبناء.
وتناول هذا الفصل كذلك مفهوم الثّورة، وكيف اختلفت المداخل المستخدمة في تعريف المصطلح باختلاف المدارس الفكريّة، ويلاحظ في كثير من التّعريفات اعتماد "العنف" كسمة لازمة للثّورات، يرتبط بالفعل الثّوري ويمارسه الثوّار أنفسهم وليس كردّ فعل على الثّورة، لكن استعراض التاريخ يكشف عن عددٍ كبير من الثورات التي لم تستخدم العنف، واتّبعت طرقًا سلميّة من أجل التّغيير.
وأكّد الكتاب بصفةٍ عامّة على وجود خمسة عواملَ رئيسة تؤدّي إلى تنامي "قدرة اجتماعيّة" بإمكانها أن تتطوّر إلى ثورة في وقتٍ لاحق، وهي كما يلي:

التّنمية الداخليّة المعتمدة على أطرافٍ خارجيّة - دولة قمعيّة إقصائيّة شخصانيّة - تنامي ثقافات مقاومة النّظام ومعارضته- أزمة اقتصاديّة متنامية- ثغرة في السّياسة الدوليّة تؤدّي إلى ضعفٍ مؤقّت في السّيطرة الخارجيّة يسمح باندلاع ثورة دون قدرة القوى العالميّة على التدخّل المباشر.
ويستعرض الكتاب مقاربات نظريّة أخرى تسعى إلى تفسير حدوث التحوّل السّياسي، سواء بلغ مرحلة الثّورة أم لا، فمنها ""النظريّة البنيويّة"، ونظريّة النّخبة، ونظريّة الإحباط، ونظريّة "سيكولوجية الجماهير"، والتحليل الجيوسياسي.

أثبتت الثّورات العربيّة خطأ توقّعات كثير من علماء الاجتماع والسّياسة الغربيّين بانتهاء عصر الثّورات، ومن هؤلاء فرنسيس فوكوياما صاحب نظريّة "نهاية التّاريخ"، وجيف جودوين عالم الاجتماع في جامعة نيويورك، وكثيرون غيرهم.

وقد أسّسوا هذه الرّؤية على عدّة عواملَ، منها أنّ العولمة دمّرت الأساس المنطقي للثّورات، ومنها أيضًا انتهاء عصر الاستعمار.


الفصل الثّاني: من الدّولة إلى الثّورة

استعرض هذا الفصل حصيلة 30 عامًا من حكم مبارك، ولخصها في تكون نخبة حكم فاسدة، تحمي مصالحا بقبضة أمنيّة قويّة. فبحسب تصنيف دوريّة فورين بوليسي الأميركيّة، شغل مبارك المركز الخامس عشر في قائمة (أسوأ السيّئين) لعام 2010. واتّسمت الدّولة المصريّة في عهده بأنّها "دولة رخوة" بحسب نظريّة عالم الاقتصاد والاجتماع السّياسي، السويدي جنار ميردال. ويعني بالدّولة الرّخوة، تلك التي تصدر القوانين ولا تطبّقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنّه لا أحدَ يحترم القانون، فالكبار لا يبالون به لأنّ لديهم من المال والسّلطة ما يحميهم منه، والصّغار يتلقّون الرّشاوى لغضّ البصر عنه.

وساهمت سمات شخص الرّئيس المخلوع حسني مبارك في زيادة رخاوة الدّولة وفسادها، فكانت آراؤه سطحيّة، إضافةً إلى ضعف الثّقافة وافتقاد العمق وهزالة الخبرات والتّجارب السياسيّة.

وبحسب نظريّة "النّخبة"، نلاحظ  اتّسام الواقع السّياسي المصري في عهد مبارك بما يلي:

1. انقسام المجتمع المصري إلى فئتين، فئة قليلة تملك السّلطة والقوّة، وغالبيّة شعبيّة مجرّدة منهما، والفئة القليلة هي التي تتولّى تخصيص الموارد بمعزلٍ تامّ عن الغالبيّة.

2. تمثّل الفئة الحاكمة الشّريحة العليا من الطّبقة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ونفاذ أفراد الغالبيّة إلى هذه النّخبة عمليّة بطيئة وصعبة للغاية.

3. سياسات النّخبة لا تعكس مطالب الغالبيّة.

4. تأثير النّخبة الحاكمة في الغالبيّة أكثر من تأثّرها بها.

انعكس فساد النّخبة على آليّة اختيار المسؤولين الكبار في الجهاز التّنفيذي للدّولة، فلم تكن الجدارة هي الأساس أو المعيار الأهمّ، بل قفزت "العلاقات الشخصيّة" لتصبح العامل المحوري في تولّي المناصب الحسّاسة.

وتعمّقت بؤرة الفساد "النخبويّة" مع دخول ابني الرّئيس - علاء وجمال - في قلب الحاشية، ولم يكن مستغربًا أن يتحوّلا مع الوقت إلى مركز تجمّع وإدارة لمنظومة الفساد في مصر، بحيث يصعب أن تكون هناك قضيّة فساد كبرى دون أن تتوجّه الخيوط إلى أحدهما أو كليهما.

من سمات الفساد الأساسيّة، تمتّع الرّئيس بصلاحيّات غير عاديّة جعلته متحكّمًا إلى درجة كبيرة في السّلطة التنفيذيّة، فاستغلاله لأدواتٍ سياسيّة مثل" الحزب الوطني"، أو أدوات أمنيّة مثل" جهاز أمن الدّولة"، مكّنته من توسيع نطاق صلاحيّاته ونفوذه غير الرّسمي ليشمل السّلطات الثّلاث معًا: التنفيذيّة، والتشريعيّة، والقضائيّة.

وأصبحت السّياسات العامّة للدّولة تُصنع من خلال تبادل الآراء بين الرّئيس وحاشيته بعيدًا عن النّخبة السياسيّة التي هُمِّش دورها في صنع السّياسات إلى حدٍّ كبير.

أدّت سياسة مبارك إلى أن تحتلّ مصر مرتبة خطرة في مؤشّر "الدّول الفاشلة" حيث ظلّت ضمن دول الفئة الثّانية التي تُعرف بأنّها الدّول التي تتعرّض إلى خطرٍ يهدّد استقرارها السّياسي.

واستعرض الكاتب أيضًا القبضة الأمنيّة لحماية النّخبة الفاسدة. فعندما تخفق المؤسّسات الخدميّة في تلبية المطالب، ثمّ تخفق مؤسّسات التّمثيل السّياسي في التّعبير عنها وتبنّيها، يأتي دور المؤسّسة الأمنيّة في قمع هذه المطالب ومن يرفعها وينادي بها.

ولأنّ الأصل في "منظومة مبارك للحكم" عدم الاستجابة لأغلب المطالب الشعبيّة، خصوصًا في السّنوات الأخيرة، فقد تنامى الدّور الأمني حتّى بات غالبًا على السّاحة بصورة ملفتة.

ويبحث الكتاب إشكاليّة مهمّة تُعدّ ظاهرة متجذّرة في الواقع السّياسي العربي، وهي الخلط بين الدّولة والنّظام، أو بين الدّولة والسّلطة.
وبإمكاننا رصد أربعة مشاهدَ قويّة تلخّص القبضة الأمنيّة للدّولة التسلطيّة في مصر:

أوّلًا: استعراض القوّة واستخدامها.

ثانيًا: تطوّر مفهوم "أمن الدّولة".

ثالثًا: فلسفة "إهانة المواطن".

رابعًا: ظاهرة البلطجة السياسيّة.


الفصل الثّالث: من الدّولة إلى الثّورة

استعرض هذا الفصل الرّحلة التي تقطعها الثّورة والقوى الثوريّة من لحظة توقّف الفعل الثّوري وانهيار النّظام التسلّطي، إلى إتمام بناء النّظام الجديد، والتي يطلق عليها في الأدبيّات السياسيّة مصطلح "التحوّل"، وهي مرحلة بالغة الخطورة لأسبابٍ كثيرة، منها:

- انهيار النّظام يؤدّي إلى حالة "خمول ثوريّ".

- القوى التي سقطت مع النّظام تبدأ في إعادة ترتيب أوراقها.

- لا يعني سقوط النّظام هدم أركانه.

أخفقت ثورات كثيرة في اجتياز هذه المرحلة الصّعبة، وتمكّنت بعضها من ذلك في بضعة أشهر، واستغرق بعضها عقودًا لإتمام عمليّة التحوّل، والنّقطة الأهمّ في بداية هذه المرحلة هي أن يكون لدى الثوّار رؤية واضحة للقادم، وأبرز ما يجب أن تتضمّنه الرّؤية المستقبليّة هو حقيقة النّظام الذي يرغب الثوّار في التحوّل إليه.


الفصل الرّابع: الطّريق إلى الدّولة- المجلس العسكري والتحوّل السّياسي

يستعرض هذا الفصل مستوى التّغيير الذي نفّذه المجلس العسكري من ناحيتي القيادة والشرعيّة. وهنا يبرز الكتاب قضيّتين:

1- غموض منظومة اتّخاذ القرار داخل المجلس.

2- تضارب مصادر الشرعيّة التي يستند إليها المجلس.

وأكّد هذا الفصل على أنّ المجلس العسكري لا يملك إستراتيجيّة تغيير ثقافي واضحة المعالم، وإنّما هي إستراتيجيّة إعلاميّة مشابهة لما كان في العهد السّابق، كما اتّهم المجلس العسكري باتّباع سياسة بثّ "ثقافة الفُرقة" بين القوى السياسيّة بدلا من ثقافة الوحدة والتّعاون.

وبالإمكان التّركيز على البنية الهيكلية لأداء المجلس العسكري، في مجالين اثنين، هما:

أوّلًا: استمرار الثّقافة المؤسسيّة السّائدة والمستمدّة من النّظام السّابق، ومن منبعها الغربيّ الأوّل، والمتكيّفة أيضًا مع العولمة الاقتصاديّة.

ثانيًا: استمرار فلول النّظام السّابق في شَغل مناصبَ مهمّة في أجهزة الدّولة.


حصيلة التغيّر في السّياسات

يجب النّظر إلى السّياسات العامّة على أساس أنّها لا تشمل فقط كلّ ما تودّ الحكومة عمله، ولكنّها أيضًا امتناعها عن القيام بالعمل، وما يُعرف بالسّياسات السلبيّة، والتي لها تأثيرات مهمّة وخطيرة أحيانًا.

أمّا السّياسات الصّادرة، فيقيّمها بعض الباحثين بأنّها اتّسمت بـ: سوء النيّة، وسوء التّخطيط، وسوء الفهم، وسوء الظنّ.

وكان غموض صلاحيّات رئيس الوزراء وضبابيّتها ومحدودية تمتّعه بالاستقلاليّة في اتّخاذ القرارات، من أبرز ما يميّز الأداء التّنفيذي.
وتكشف السّياسات السلبيّة عن قصور -يرفعه البعض إلى مستوى التعمّد- من أجل إبطاء عمليّة التحوّل السّياسي.


الفصل الخامس: معوقات التحوّل السّياسي

على طريق التحوّل يتناثر كمٌّ هائل من المعوقات والصّعوبات في جميع المجالات، ومن جهاتٍ لا حصرَ لها داخليًّا وخارجيًّا، ومن هذه المعوقات:

1- صعوبة إنشاء البنى الديمقراطيّة الحقيقيّة إثر الثّورات ضدّ الأنظمة الديكتاتوريّة.

2- تمتّع التّنمية المعتمدة على الخارج بجذور تاريخيّة عميقة يصعب اقتلاعها.

3- سرعة إخفاق تحدّي إنشاء ثقافة سياسيّة ثوريّة لبناء مجتمع جديد، بسبب تعدّد التيّارات الفرعيّة.

4- قليلة هي الثّورات القادرة على تحمّل النّشاط المعارض للقوى الخارجيّة المسيطرة وحلفائها الإقليميّين.

5- نظرًا إلى ما ذُكر أعلاه، لم يعد بالإمكان الحفاظ على تماسك الائتلافات الواسعة النّطاق التي كانت شديدة الفاعليّة في صنع الثّورات، بسبب الآراء المختلفة حيال كيفيّة إعادة بناء المجتمع.

ومن المشكلات كذلك، حاجة القيادات السياسيّة إلى اتّخاذ قرارات حاسمة في مواجهة كمٍّ هائل من المشكلات، بينما تلقى معارضة ذات طابع ثوري جماهيري. ومنها أيضا، أنّ الأنظمة التي تحكم بعد الثّورات تميل إلى تقديم منح ماليّة لقطاعاتٍ كبيرة من الشّعب في صورة زيادة في الأجور أو إعانات البطالة أو تحسين بعض الخدمات، وهو ما يُحمِّل الحكومة أعباء ماليّة إضافية.
ويؤكد الكتاب أنه من الصعب تغطية جميع المعوقات المحتملة في الحالة المصريّة، واكتفى بالتشديد على اثنتين منها، لما لهما من أهمّية خاصّة، وهما: الفوضى الطبيعيّة، والفوضى المخطّط لها أو الثّورة المضادّة.


الفوضى الطبيعيّة

عندما تنجح الثّورة الجماهيريّة يعقبها انتقالٌ فوريٌّ مفاجئ من مناخ القمع واغتصاب الحرّيات السياسيّة والثقافيّة إلى مناخ الحرّية والانفتاح، وأنتج هذا الانتقال في مصر حالةً من الفوضى الشّاملة المتوقّعة، عمّت كلّ أركان النّظام وحياة المواطنين السياسيّة واليوميّة، وأخطأ البعض بنسبة هذه الفوضى إلى الثّورة كمصدر أصيل، بينما مصدرها الحقيقيّ هو النّظام السّابق.

وبرز الانفلات الأمني كسمة مؤثّرة للفوضى، ويمكن تحديد الخطوط العامّة للانفلات فيما يلي:

1- امتناع رجال الأمن عن مباشرة مهامّهم جزئيًّا أو كليًّا.

2- غياب جهاز الشّرطة عن ضبط تجاوزات العلاقات المجتمعيّة.

3- اتّساع رقعة الفوضى لتصيب الهيكل الإداري لوزارة الداخليّة نفسها.

4- تفاقم ظاهرة البلطجة.

5- تغيّرات سلوكية تمثّلت في تعدّد ملامح العنف في المجتمع، وانضمام شرائح جديدة من العاطلين إلى مهنة "البلطجة".

6- انتشار ظاهرة اقتناء الأسلحة وحملها واستخدامها.

على أنّ بعض المحلّلين يصف الفوضى الطبيعيّة بأنّها "تصحيحيّة" لأنّها تعيد صياغة معادلات التّوازن داخل المجتمع بمختلف أنساقه السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، بدءًا من قاع المجتمع وحتّى قمّة النّظام، لذا يجب أن يستعاض في هذه الحالة لتفسير السّياسات العامّة، عن نظريّة "النّخبة" واستخدام نظريّة "الجماعة"، حيث تتحدّد السّياسات بحسب التّدافع والتّنافس بين مختلف القوى في المجتمع.


الثّورة المضادّة

تواجه القوى الوطنيّة المعنيّة بحماية الثورة وإتمام عمليّة التحوّل السياسي مشكلة تتمثّل في النّخب الفاسدة التي تراكمت في مركز القرار السّياسي في مصر طوال عقود، فعندما انهارت أجزاؤها وتفكّكت بعد الثّورة، انضمّت إليها فئاتٌ أخرى حيث توافقت مصالح الجميع على ضرورة كبح الثورة وإعادتها إلى الخلف، أو ما يُطلق عليه مصطلح "الثورة المضادّة".

ويمكن تلخيص دوائر الثّورة المضادّة -بحسب الدّوافع- فيما يلي:

- الذين سلبتهم الثورة كلّ مكاسبهم ونفوذهم وأودعتهم السّجون.

- الذين سلبتهم الثورة قدرًا كبيرًا من نفوذهم دون أن يُسجَنوا.

- الذين يضرّ الزّخم الثوري بفرصهم وطموحهم، على الرّغم من أنّ الثورة مصدر تلك الفرص.

- الذين فتحت لهم الثّورة آفاقًا وطموحاتٍ تستلزم ركوبها وتغيير موجتها وتشكيل نظام جديد.

- المنافقون الجدد أو القدامى المتحوّلون.

تتداخل هذه الدّوائر، أي أنّ بعضها يصبّ في الآخر، ويتحكّم بعضها في عمل الآخرين، ويتحوّل بعضها إلى أوعيةٍ لتلقّي الدّعم والتّأثير والتّوجيه الخارجي من أجل تحويل مسار الثّورة...

بعضها له أهداف كلّية تصل إلى مستوى بناء نظام سياسيّ جديد، وبعضها أهدافه جزئيّة تنحصر في تحصيل مكاسبَ فرديّة. وتتلاءم الأهداف عادةً مع القدرة السياسيّة للمنتمين إلى كلّ دائرة.


خطّة الثورة المضادّة

تتلخّص خطّة الثّورة المضادّة في تفكيك المكوّنات التي ساهمت في إنجاح الثّورة عن بعضها البعض، ثمّ دفع كلّ منها للانحراف عن المسار الثوري لعرقلة اجتماعها مرّةً أخرى، وهذه المكوّنات هي: القوى السياسيّة، والنّخب المثقّفة، والمجموعات الشبابيّة، والشّعب الثّوري، والهدف الثّوري.


الفصل السّادس: طريق الإسلاميّين إلى السّلطة

بلغ عدد من يحقّ لهم التّصويت - بحسب البيانات الرسميّة - 50 مليون مصري في بداية انتخابات مجلس الشّعب، وبلغت نسبة المشاركة 60%، أي أنّ عدد المشاركين بلغ 30 مليون ناخب تقريبًا، وعدد من انتخبوا الإسلاميّين-70%- أي نحو 21 مليون ناخب.

ويرى مؤلف الكتاب أن من أهمّ دلالات فوز الإسلاميين في الانتخابات:

1- إطلاق صفة "الاعتدال" أو "التشدّد" وغيرها من الصّفات السلبيّة على التيّارات الإسلاميّة، لم يعد ذا قيمة.

2- قدرة الإسلاميّين على إحداث أيّ تغيير قانوني أو دستوري بأغلبيّةٍ تتجاوز الثّلثين.

3- ضرورة انعكاس هذه النّسبة بصورة تلقائيّة -تدريجيّة- في تأليف الحكومة القادمة.

4- أمام الإسلاميّين فرصة تاريخيّة لإعادة بناء الدّولة من جديد.

5- سيطرة الإسلاميّين المطلقة ستقلّل إلى درجة كبيرةٍ مظاهر الفساد.

6- تُمكّن النّسبة الكبيرة الإسلاميّين من إعادة صياغة العقليّة الأمنيّة والثّقافة العسكريّة.

7- نجاح الإسلاميّين في مصر في تقديم نموذج سياسيّ إيجابيّ للحكم، سوف يدفع الشّعوب في دول المنطقة إلى المطالبة بالتّغيير.

8- هذه النّسبة الكبيرة تضع القوى الخارجيّة أمام الأمر الواقع.

9- ارتباط تحقّق أغلب هذه الدّلالات والإنجازات المأمولة باستقرار العلاقة بين الإخوان والسلفيين.


أسباب الخلاف بين الإخوان والسلفيّين

يرى الكتاب أنّه بالنّظر في واقع العلاقة بين الإخوان والسّلفيّين، والتّجارب المباشرة والأدبيّات المنشورة، فإنّه بالإمكان تقسيم عوامل التّباعد والخلاف إلى خمس مجموعات متجانسة، هي:

1. المخالفات الشرعيّة.

2. إشكالات النّشأة.

3. تفسير الواقع ومنهج التّعامل معه.

4. القيادة والتّأثير.

5. التّنافس الميداني.


سيناريوهات التّقارب بين الإخوان والسلفيّين

يتحدث الكتاب عن سيناريو أول يصعب أن يتحقق في الواقع، وهو الذّوبان- الاندماج، فقد ذكر من باب "التدرّج الموضوعي" مع الإقرار باستبعاده عمليًّا، لكنّه لا يزال مندوبا من النّاحية الشرعيّة على الأقلّ. ويقدم في المجمل سبعة سيناريوهات، هي:

أوّلًا: سيناريو الذّوبان.

ثانيًا: سيناريو الاندماج.

ثالثًا: سيناريو التّحالف.

رابعًا: سيناريو الشّراكة.

خامسًا: سيناريو التّأييد.

سادسًا: سيناريو كفّ الأذى.

سابعًا: سيناريو احتواء النّزاعات.


ملامح عامّة عن إستراتيجيّة التّقارب المنشودة

1- لن يكتسب ما سبق ذكره من سيناريوهات للتّقارب بين الإخوان والسلفيّين أيّ قيمة إذا لم تتوفّر دوافع قويّة لدى التيّارين لتحقيقها.

2- تتوفّر إمكانيّة كبيرة لتبادل التأثير الإيجابي بين التيّارين بعيدًا عن تبادل العلاقات والتّواصل بصورة رسميّة.

3- يوجد بين السلفيّين من يقترب بفكره وأطروحاته التغييريّة من الإخوان المسلمين، كما يوجد في المقابل بين صفوف الإخوان من يقترب بخطابه وخياراته الشرعيّة من السلفيّين.

4- يصبّ تضاعف قوّة السلفيّين وقوّة حضورهم السّياسي في اتّجاه التّقارب وليس التّباعد.

5- يعطي التّواصل الفردي مع رموز الإخوان وقياداتهم نتائجَ أفضل من التّواصل الجماعي العامّ.

6- ضرورة وضع ضوابط عامّة وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها لضبط حملات التّراشق الإعلامي.


الفصل السّابع: السّيناريوهات المحتملة لبناء مصر 2013 الجديدة

توجد ثلاثة أنواع من السّيناريوهات: الحدسي الذي يعتمد على المعلومات المباشرة والتّحليل والخبرة، والنّظامي أو النّموذجي الذي يعتمد على النّماذج المنهجيّة والبيانات الكمّية، والتّفاعلي الذي يقرن بين الحدسي والنّظامي. ولا تسمح المساحة المتوفّرة للدّراسة ببناء سيناريو على الطّريقتين الثانية والثالثة، ولأسبابٍ أخرى أيضًا، مثل:

1- سيولة المشهد السّياسي في مصر، وصعوبة استخلاص بيانات دقيقة عن المتغيّرات الأساسيّة.

2- أغلب القوى المؤثّرة -بعد الثورة- إمّا جديدة على السّاحة، وإمّا أنّها تمارس دورًا جديدًا تمامًا.

3- التقلّبات الشّديدة في المواقف.

4- المتغيّر عظيم التّأثير، قليل الاحتمال.


العوامل المؤثّرة في سيناريوهات المستقبل:

1.دور الجيش

يكتنف دور المجلس العسكري غموضٌ كبير، فتوقّع خياراته المقبلة وتصرّفاته صعب بسبب حالة الارتباك الواضح في تكوين المجلس لتصوّراته وخياراته السياسيّة، وبسبب السّمة المميّزة للثّقافة العسكريّة التي تجنح نحو الغموض والسرّية، وبإمكاننا محاولة توقّع مسارات المجلس في المرحلة المقبلة من خلال أربعة أساليب:

الأوّل: التّاريخي مقارنة مع تجربة مجلس قيادة الثّورة عام 1954.

الثّاني: المقارنة مع تجربة الجيش الجزائري في إجهاض تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع تسعينيّات القرن الماضي.

الثّالث: النّظري، بالنّظر في أنماط الاحتفاظ بالسّلطة في العالم العربي.

الرّابع: الواقعي، باستخلاص أنماطٍ ثابتة من خلال متابعة الأداء العسكري خلال العام الماضي.

2.القوى السياسيّة

بعد انتخابات مجلس الشّعب، بإمكاننا القول إنّ في مصر حاليًّا أربع قوى رئيسة، هي: حزب الحرّية والعدالة، وحزب النّور، وحزب الوفد، والكتلة المصريّة، وتمثّل هذه القوى نحو 90% من البرلمان، وسوف تحدّد قدرتها على صوغ معادلة توازن وتوافقٍ مشتركة فيما بينها، ثمّ صوغ معادلة موحّدة للتّعامل مع المجلس العسكري، ملامح المرحلة المقبلة.
وأهمّ العوامل التي ستؤثّر في استقرار النّظام وصولًا إلى مرحلة الرّسوخ السّياسي، هو نجاح القوى السياسيّة في إقرار قواعدَ حاكمة للعلاقات بينها، تجري صياغتها على أساسٍ توافقي، وليس بحسب الأغلبيّة، وأوّل هذه القواعد أن تقرّ الأقلّية -أيًّا كانت- بحقّ الأغلبيّة في تمرير القوانين والتّشريعات، وهذا ما يبدو صعبًا بالنّظر إلى "حالة اليأس" -الواضحة- التي تُبديها بعض أحزاب الأقلّية العلمانيّة بشأن مستقبلها السّياسي في الحكم، ولذلك تصرّ على طرح مفاهيمَ بديلة عن "الأغلبيّة" مثل: التّوافق، وشرعيّة التّحرير، وهو ما يصبّ في اتّجاه "الديمقراطيّة النخبويّة" التي تسحب الخيار السّياسي من الشّعب.

3.الدّور الخارجي

التدخّل الخارجي هو الآفة التي تعصف بالثّورات، ويتبنى المدخل الجيوسياسي في تفسير اندلاع الثورات فرضيّة أساسيّة بأنّ الدّول التي تقع في مناطق النّزاع يسودها مناخ استقرار نسبيّ، بسبب التّرويج للـ"الخطر الخارجي"، أمّا الدّول التي تقع في مناطقَ جغرافيّة آمنة، فإنّ ذلك يدفع القوى الداخليّة إلى الانكفاء على الشّأن الداخلي، لذلك نجد كثيرًا من الأنظمة في ما يسمّى بـ "دول العالم الثّالث" تسعى بقوّة إلى زرع التوتّر في نطاقها الإقليمي لتضمن التّماسك الدّاخلي حولها.
وبالتّركيز على الحالة العربيّة (الرّبيع العربي)، فإنّ إستراتيجيّة المواجهة الإقليميّة يمكن أن تضاف إليها خطوتان أخريان: وقف تكرار سيناريو "عزل الحاكم" بالصّورة التي حدثت في تونس، ومصر، وليبيا (هرب- محاكمة- قتل) وذلك لأسبابٍ نفسيّة وسياسيّة. والسّعي بقوّة لمنع ظهور نموذج إسلامي-ناجح- للحكم في المنطقة العربيّة.

أمّا على الصّعيد الدّولي، فإنّ الدّول الغربيّة ترفض تمامًا العبث بـ"المنظومة" التي أحكمت صنعها في الدّول العربيّة في مرحلة ما بعد الاستقلال. هذه "المنظومة" التي اعتمدت أساسًا على شقّين: تكوين نخب حكم فاسدة "علمانيّة أو عسكريّة"، وضمان التبعيّة السياسيّة والهيكليّة والاقتصاديّة.
وتلك أهمّ الخطوط الحمراء التي يتوقّع أن تسعى واشنطن لتحديدها أمام أنظمة الحكم الجديدة:

1- التّفرقة بين"نظام ديمقراطي" يحكمه الإسلاميّون، وبين "نظام إسلاميّ".

2- التّحذير من عزل النّظام المصري عن المنظومة الاقتصاديّة الغربيّة.

3- رفض تغيير الثقافة العسكريّة للقوّات المسلّحة بما يهدّد التّوازن مع إسرائيل.

4- التّحذير من تهديد التّوازن الإقليمي بمحاولة "تصدير" الثورة أو تصدير "النّموذج الإسلاميّ".

5- ممنوع أسلمة القضيّة الفلسطينيّة.

وتبرز أهمّ الوسائل الخارجيّة لإحباط الثورة في:

-العولمة الاقتصاديّة، تدخّلات المجتمع المدني، دور الاستخبارات والعمل السرّي.


الخاتمة: مصر 2013

يشير مؤلف الكتاب إلى أن السّيناريو المفضّل الذي تتمنّى الأغلبيّة- على الأقلّ بحسب نتائج الانتخابات- حدوثه وصولًا إلى عام 2013، يتلخّص في أربعة محاور:

1- رئيس جديد منتخب يحظى بصلاحيّات كاملة ومدّة رئاسيّة مقيّدة.

2- التأكّد من عودة الجيش إلى ثكناته وعدم تدخّله في السّياسة.

3- تمتّع المجلس بأغلبيّته الإسلاميّة بصلاحيّات كاملة وممارسة دوره على الوجه الأكمل.

4- حكومة تشكّلها الأغلبيّة البرلمانيّة، ويحتلّ الإسلاميّون مكان الصّدارة والقلب منها.

تترافق مع هذه المحاور ملامح إيجابيّة في أداء النّظام ككلّ، مثل تحسّن حالة الاقتصاد، وتقدّم عمليّة تطهير المؤسّسات وإعادة هيكلتها، وتغيّرات إيجابيّة فيما يتعلّق بالبعد الثّقافي لعمليّة التحوّل السّياسي، وتنفيذ باقة من السّياسات العاجلة لتحسين الأوضاع المعيشيّة والاجتماعيّة وترميمها.