يُعدّ الاتّحاد الأوروبيّ فاعلا رئيسًا في السّاحة الدّوليّة، حيث يمارس دورا محوريّا ومتزايدا في العديد من القضايا الدّوليّة والإقليميّة، خاصّة في منطقة الشّرق الأوسط. وقد بدا دوره في كثير من الأحيان مختلفًا، من حيث الرّؤية والمضمون والأدوات، عن مواقف الولايات المتّحدة الأميركيّة.
ويلاحظ أنّ أوروبا تمكّنت من رسم معالم سياسة خارجيّة خاصّة تجاه الصّراع العربيّ الإسرائيليّ، منذ إصدار الجماعة الأوروبيّة إعلان البندقيّة لعام 1980، الذي كان أوّل بيان أوروبيّ رسميّ يحدّد موقفًا واضحًا من الصّراع. وتضمن اعترافًا بالحقوق المشروعة للشّعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره، إلى جانب "حقّ إسرائيل في الوجود". كما طالب بوضع نهاية لاحتلال إسرائيل للأراضي العربيّة، ودان بناء المستوطنات اليهوديّة في الأراضي المحتلّة.
ومثّل مؤتمر مدريد للسّلام في تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1991، أوّل ظهور لأوروبا كمشارك فاعل في عمليّة السّلام، بعد أن اكتسبت رسميًّا صفة المراقب داخل المؤتمر، عبر المساهمة الفاعلة في اللّجان متعدّدة الأطراف، والتي كُلّفت بتناول القضايا الفنّية وقضايا التّعاون المشترك في المنطقة. وقد وجدت أوروبا في عقد مؤتمر مدريد للسّلام عام 1991على أراضيها تغيّرًا مهمًّا في الدّور السّياسيّ الذي يمكن أن تلعبه في عمليّة السّلام. ورأت فيه تراجعا إسرائيليّا عن موقفها الرّافض لأيّ دور أوروبيّ. غير أنّ الولايات المتّحدة سرعان ما همّشت هذا الدّور.
صاغت معاهدة ماستريخت لعام 1992 سياسة خارجيّة وأمنيّة موحّدة لأوروبا مع الإعلان رسميّا عن تأسيس الاتّحاد الأوروبيّ. وأعقبها في عام 1996 تعيين ممثّل خاصّ للشّرق الأوسط لنقل مقترحاته وضماناته لجميع الأطراف الضّالعة في الصّراع. ومنذ ذلك الوقت، أصبح للاتّحاد الأوروبيّ منسّقٌ يقوم بجولاتٍ في الشّرق الأوسط على غرار المنسّق الأميركيّ.
وعلى الرّغم من بروز سياسة خارجيّة وأمنيّة مشتركة لدول الاتّحاد الأوروبيّ، وإنشاء منصب ممثّل عالٍ لتلك السّياسة؛ لم يؤدّ ذلك إلى اختفاء الدّيبلوماسيّة الوطنيّة، خاصّة ديبلوماسيّات الدّول الكبرى الأعضاء فيه كبريطانيا وفرنسا.
ومع ذلك، يبقى التّأكيد على أنّ تحليل موقف الاتّحاد الأوروبيّ من الصّراع العربيّ الإسرائيليّ لا يتمّ خارج إطار الجهد الذي يبذله الاتّحاد الأوروبيّ لينفرد بسياسةٍ خارجيّة حقيقيّة.
لم يصغ الاتحاد الأوروبيّ سياسة مستقلّة بذاتها تجاه القضيّة الفلسطينيّة، بل كان دوما ينظر إليها بوصفها جزءًا من سياسةٍ أشمل قد تتّسع لتشمل المنطقة العربيّة أو الشّرق الأوسط بشكل عامّ. ولكن للدّول العربيّة والاتّحاد الأوروبيّ مصلحة مشتركة في أن يلعب الاتّحاد دورًا متزايدًا في عمليّة التّسوية السّياسيّة للصّراع، عكس إسرائيل والولايات المتّحدة اللّتين لهما مصلحة مشتركة واضحة في تحجيم الدّور الأوروبيّ وتهميشه.