العلاقات الخليجية - الأميركية: هواجس السياسة والاقتصاد والأمن

يجمع كتاب العلاقات الخليجية - الأميركية: هواجس السياسة والاقتصاد والأمن، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بين دفتيه عشرة أوراقٍ بحثية قُدّمت في الدورة الخامسة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية المنعقد في الدوحة (1-2 كانون الأول/ ديسمبر 2018)، وقسمت في ثلاثة أقسام؛ إذ يقدم أولها قراءةً في خلفية العلاقات الخليجية - الأميركية وتحدّياتها، ويدرس الثاني العلاقات الخليجية - الأميركية في ظلّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، ويُعنى الثالث بدراسة الهواجس الأمنية والعسكرية والاقتصادية في العلاقات الخليجية - الأميركية.

يتألف الكتاب (368 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من 10 فصول موزعة في ثلاثة أقسام.

القوة المهيمنة المتردّدة

يشتمل القسم الأول من هذا الكتاب، "قراءة في خلفيات العلاقة وتحدياتها"، على ثلاثة فصول. وفي الفصل الأول، "الولايات المتحدة: القوة المهيمنة المتردّدة"، يعرض غاري سيك لتسارع وتيرة دخول الولايات المتحدة إلى منطقة الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت، وتشكيلها ائتلافًا غير مسبوق نجح في هزيمة القوات العراقية؛ ما مكّن القوات الأميركية من غزو أفغانستان والعراق، وشنّ الحرب اللاحقة ضد العناصر الإرهابية في المنطقة كلها. وتوصّل إلى أن الولايات المتحدة تنعم اليوم بحضور عسكري قوي في دول الخليج العربية، وتُعدّ على نطاق واسع القوة المهيمنة في المنطقة. ويقول سيك إن الولايات المتحدة الأميركية مهيمنة في دول الخليج العربية اليوم، "إلا أن تاريخ ارتباطها بالمنطقة موسومٌ بالنفور والريبة والسياسات المتقلّبة. أما التحول في سياستها تجاه دول الخليج فطرأ في خضمّ الركود الطويل الأمد الذي امتد إلى الحرب العراقية - الإيرانية، ولا سيما بعد كارثة مبيعات الأسلحة السرية إلى إيران. فبات بعض الدول العربية، مثل الكويت التي كانت تمانع تنامي الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، يُطالب بالحماية الأميركية لناقلاتها النفطية".

قصور أميركي تجاه الشرق الأوسط

يناقش روس هاريسون في الفصل الثاني، "قصور سياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط"، مفهوم توازن القوى التقليدي القائم على النزعة الواقعية، فيرى أنه مفهوم عفا عليه الزمن بسبب الحقائق السائدة في الشرق الأوسط اليوم. وبحسب رأيه، لا يملك التنافس بين القوى الإقليمية الرئيسة، أي السعودية وتركيا وإيران، طابع المواجهة المباشرة، بل يحدث من خلال المشاركة بالوكالة في الدول التي مزّقتها الحروب الأهلية؛ وبما أن الخطر الأكبر الذي يهدّد المنطقة يتمثل بحدوث تصعيد غير مقصود، "فإن حصيلة اللعبة النهائية يجب أن تكون الأمن الجماعي والاستقرار، لا توازن القوى. فحتى لو توافَر توازن حقيقي للقوة، فإن هذا لن يحمي المنطقة من خطر المزيد من عدم الاستقرار في النظام السياسي الإقليمي". يضيف المؤلف أن توازن القوى بالمعنى التقليدي غير واقعي؛ نظرًا إلى وجود تفوّق عسكري تقليدي كمّي ونوعي فعلي لدول مجلس التعاون، مقارنةً بقدرات إيران العسكرية. وفي حال استمرار قصور سياسة الولايات المتحدة، من المرجح موازنة هذا التفوق من جانب إيران التي لديها خيارات لتعزيز علاقاتها بقوى إقليمية ودولية وفواعل لادولتية، على نحو قد يولّد حالة غير مرغوب فيها بالنسبة إلى دول مجلس التعاون والمنطقة العربية والولايات المتحدة.

الولايات المتحدة وعُمان

تُرجع سعاد بنت عبد الله بيت فاضل في الفصل الثالث، "السياسة الأميركية تجاه عُمان خلال القرنين التاسع عشر والعشرين"، العلاقات العمانية - الأميركية إلى فترات سبقت تولّي ابن سلطان الحكم. لكن هذه العلاقات لم تتطور إلا في عهد السلطان ابن تيمور بتوقيعه المعاهدة الأميركية - العمانية. بحسب الباحثة، يأتي سعي الولايات المتحدة إلى إقامة علاقات تجارية مع عمان نتيجةً لتشجيع تجّارها؛ رغبةً منهم في الحصول على امتيازات تجارية في الأراضي التابعة لعمان التي تُعدّ من أهم الموانئ التجارية في المنطقة. وشجع هذا الأمر الحكومة الأميركية على تمتين العلاقات السياسية بين البلدين. وعلى الرغم من حدوث بعض الاضطرابات في العلاقات العمانية - الأميركية، فإن هذه العلاقات بقيت قوية. واستمر التبادل التجاري بين عمان والولايات المتحدة، فكان يزداد، أو يقل، بحسب الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يمر بها البلدان. ولم تكن الولايات المتحدة تشكل أي عائق بالنسبة إلى بريطانيا، إلى أن تغيّرت سياستها في المنطقة منذ ثلاثينيات القرن العشرين.

مخاطر واحتمالات

يضمّ القسم الثاني من الكتاب، "العلاقات الخليجية - الأميركية في ظل إدارة دونالد ترامب"، أربعة فصول. وفي الفصل الرابع، "العلاقات السعودية - الأميركية وتحولاتها بين المخاطر والاحتمالات"، يعرض محمد المنشاوي لطبيعة التحالف التاريخي بين السعودية والولايات المتحدة، ويبحث في استمرارية العلاقة وثباتها، على الرغم مما تعرضت له من أزمات كبرى كانت كفيلة بإنهائها، مع التركيز على صمود علاقة التحالف في وجه الهزات والأزمات، ومؤسسية العلاقات الثنائية ودور اللوبيات وجماعات الضغط السعودية في واشنطن، وآفاق التأسيس الثاني للعلاقات السعودية - الأميركية. يستنتج المنشاوي أن ما شهدته العلاقات السعودية - الأميركية من تطورات منذ وصول ترامب إلى سدة الحكم، وصعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد السعودي، انتقلا بهذه العلاقة، في جانب كبير منها، من كونها علاقات استراتيجية خاصة إلى علاقات خاصة شبه شخصية، وأن شخصنة العلاقات السعودية - الأميركية، وعدم اليقين، والشك في مستقبل علاقاتهما، عناصر جديدة في معادلة هذه العلاقات.

قطر والولايات المتحدة

يقول مروان قبلان في الفصل الخامس، "قطر والولايات المتحدة: تحولات العلاقة وحدود التوافق والاختلاف"، إنه على الرغم من أن لقطر علاقات استراتيجية وثيقة مع الولايات المتحدة، خصوصًا منذ أن استضافت القوات الأميركية في قاعدة العديد، فإن هذه العلاقة كانت أبعد ما تكون عن علاقة التبعية، "بل إنها كانت تخضع دائمًا لمدّ وجزر، بسبب اختلاف المصالح والاهتمامات والتحديات التي تواجه الطرفين. وبقيت المصالح المشتركة وحاجة كل طرف منهما إلى الآخر تمنع وصول اختلافهما بشأن مقاربة الكثير من قضايا المنطقة، مثل إيران وتيارات الإسلام السياسي والصراع العربي - الإسرائيلي وغيرها، إلى مرحلة الأزمة". ويضيف قبلان: "يمكن القول إن أزمة حصار قطر جعلت حاجة كل طرف منهما إلى الآخر تزداد، خصوصًا في ضوء حاجة الولايات المتحدة إلى الأدوار الفريدة التي تضطلع بها قطر والناتجة من رغبتها في الحفاظ على درجة من الاستقلالية وسعيها للاحتفاظ بعلاقات مع جميع الأطراف في المنطقة، خصوصًا تلك التي لا تستطيع واشنطن التواصل معها إلا من خلال وسيط".

موقف الولايات المتحدة من أزمة الخليج

يلفت أسامة أبو ارشيد الانتباه في الفصل السادس، "الموقف الأميركي من الأزمة الخليجية: الخلفيات والأسباب والآفاق"، إلى توافر جملة من الخطوات المتهوّرة التي أقدم عليها ولي العهد السعودي، ابن سلمان؛ إذ يقول: "عزّزت رأي دوائر أميركية كثيرة نافذة في واشنطن، سواء في المؤسسات التشريعية أم الدبلوماسية أم العسكرية أم الاستخبارية أم البحثية أم الإعلامية، أنه يمثل عبئًا على السياسة والمصالح الأميركية في المنطقة، وليس ذخرًا لها. ولعل في التقارير الصادرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، والتي أكدت ضغوطًا كبرى تمارسها إدارة ترامب على الرياض لإصلاح العلاقات مع قطر وإنهاء حرب اليمن، ما يؤكد ذلك. وبحسب تلك التقارير، تعتقد واشنطن أن لديها مزيدًا من النفوذ على الرياض، بعد جريمة اغتيال خاشقجي، خصوصًا في الوقت الذي تحاول المملكة إصلاح الضرر الذي لحق بموقفها العالمي وسمعة وليّ عهدها". مع ذلك، يستصعب أبو ارشيد التنبؤ بما ستفضي إليه جهود إدارة ترامب لحل الأزمة الخليجية مع تعنّت موقف محور الحصار، فـ "حجم الضرر الذي أوقعه ترامب بالسمعة الأميركية عالميًا، والفوضى التي أحدثها في السياسة الخارجية لبلاده، أثّرا كثيرًا في صدقيتها وسمعتها، وحتى في موثوقيتها".

أنماط جديدة لعلاقات قديمة

يقول أنتوني كوردسمان في الفصل السابع، "الأنماط الجديدة للعلاقات الخليجية - الأميركية وأزمات الشرق الأوسط في ظل إدارة ترامب"، إنه من الواضح وجود مصالح استراتيجية مشتركة قوية قائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها من دول الخليج العربية، ويضيف إلى ذلك قوله: "ومن الواضح كذلك أن الولايات المتحدة بصدد إجراء تحسينات كبرى في قدراتها على نشر قواتها في المنطقة إذا موّلت بالكامل الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدتها في عهد ترامب. وستحسّن صادرات الأسلحة إلى دول الخليج العربية بعض جوانب القدرات الدفاعية الإقليمية، على الرغم من ضعف التركيز على مهمات رئيسة والخلافات بين تلك الدول. ومن المحتمل أيضًا أن يقل مع مرور الوقت بعض المخاوف الحالية بشأن العلاقات الخليجية – الأميركية". ثمّ يضيف كوردسمان مستدركًا: "مع ذلك، تواجه هذه العلاقات تحديات خطرة؛ إذ لم يُظهر ترامب بعدُ أنه يستطيع اتباع استراتيجية ثابتة في أي مجال مهم، وأثار حديثه عن الانسحاب واقتسام الأعباء وخطواته المقبلة في سورية والعراق، مخاوف جدّية لدى بعض الشركاء العرب في المجال الأمني".

أمن الولايات المتحدة والخليج

نجد في القسم الثالث، "الهواجس الأمنية والاقتصادية للعلاقات الخليجية – الأميركية" ثلاثة فصول. وفي الفصل الثامن، "العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية: تطور الرؤى الإقليمية في عصر عدم اليقين"، يتتبع روري ميلر مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه؛ فَعلى مدى ثلاثة عقود، تقريبًا، تشكّلت المذاهب الاستراتيجية لجميع دول الخليج العربية، انطلاقًا من اعتقاد مفاده أن العلاقات الثنائية الوثيقة والواسعة مع الولايات المتحدة هي أفضل وسيلة لتعزيز الأمن والدفاع في المنطقة: "وهذا الاعتقاد بحماية الولايات المتحدة، باعتبارها ركيزة أساسية للأمن والدفاع، انتهى بهذه الدول جميعها، بدرجات متفاوتة، إلى إهمال بناء قدرة أمنية إقليمية مستقلة وإقامة علاقات أمنية واسعة مع أطراف خارجية أخرى غير الولايات المتحدة". بحسب الباحث، أدّى تطور الحوادث في فترة رئاسة باراك أوباما إلى تأكُّل كبير في ثقة دول الخليج العربية بدور واشنطن باعتبارها ضامنًا رئيسًا لأمن الخليج على المدى الطويل. وفي الأعوام الأخيرة من عهد أوباما، ثم بعد تولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، أدّت حالة الغموض في ميزان القوى إلى زعزعة الاستقرار في منطقة تُعدّ الأكثر استقرارًا في الوطن العربي، حيث تبحث الأطراف الفاعلة المحلية الآن عن وسائل جديدة للتعامل مع الفراغ الذي تواجهه.

الاتفاقات العسكرية العمانية - الأميركية

تبين بهية بنت سعيد بن جمعة العذوبية في الفصل التاسع، "الاتفاقات العسكرية العمانية - الأميركية وانعكاساتها الجيوستراتيجية على دول الخليج العربية (1942-1980)"، أن العلاقات الاقتصادية التي ربطت عمان بالولايات المتحدة تطوّرت في أثناء الحرب العالمية الثانية إلى علاقات عسكرية، من خلال التسهيلات التي قدّمها السلطان سعيد بن تيمور إلى الطائرات العسكرية الأميركية لاستخدام القواعد الجوية العمانية. لقد تطوّرت هذه العلاقات العسكرية بطلب السلطان الحصول على الأسلحة والذخيرة من الحكومة الأميركية لمواجهة القبائل في داخل عمان، وتطوّرت أيضًا بعد عام 1970 عند استخدام القوات الأميركية قاعدة مصيرة مركزًا لبعض العمليات العسكرية في الخليج العربي، من بينها تحرير الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران.

وأبرزت الباحثة الدور الجيوستراتيجي الذي قامت به عمان في إقليم الخليج؛ فـ "الاتفاقيات التي عقدتها مع الولايات المتحدة وموقعها الاستراتيجي المهم في مدخل الخليج وتحكّمها فيه، عوامل ساهمت على نحوٍ بعيد في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وأثّرت في توجهات دول المنطقة وعلاقاتها الدولية".

سياسة الطاقة الأميركية

يرى رابح زغوني في الفصل العاشر، "بين الثروة والقوة: الاقتصاد السياسي لسياسة الطاقة الأميركية في منطقة الخليج العربي"، أنه لا يوجد تعريف ثابت لسياسة الطاقة الأميركية؛ "إذ تتحكم الاعتبارات الاقتصادية في سياسة الطاقة الأميركية، ولا سيما مسألة الحصول على النفط، باعتباره سلعةً يرتكز عليها النمو الاقتصادي العالمي بأسعار معقولة وعلى نحو مستمر. كما أنه في ظل استمرار اعتماد الولايات المتحدة على الخارج لتوفير حاجاتها من الطاقة، لا بد من أن يُنظر إلى النفط باعتباره سلعة استراتيجية حيوية للأمن القومي الأميركي". بحسب الباحث، كثيرًا ما اعتبرت حقول النفط في منطقة الخليج العربي بمنزلة الضامن لاقتصاد عالمي مستقر؛ "ولهذا اعتمدت الولايات المتحدة على دول الخليج، ومن خلال الشركات النفطية الأميركية، من أجل صناعة النفط والتنقيب عنه وإنتاجه وتسويقه. غير أن أزمة النفط ساهمت في إخراج منطقة الخليج من دائرة السوق الاقتصادية، إلى دائرة الأمن القومي الأميركي، ولأجل ذلك تعزّز دور الشركات النفطية الأميركية في المنطقة بوجود عسكري مباشر منذ إعلان مبدأ كارتر".

اقــرأ أيضًــا

فعاليات