صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة ترجمان، كتاب منذر ماخوس الاقتصاد السياسي للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآفاق سوق الطاقة الدولية، بترجمة مونيك كامل ومراجعة ابتسام الخضرا. وقد ضم الكتاب مقدمة وأربعة فصول، جاءت عناوينها كالآتي: الفصل الأول: "نظرة استشرافية إلى سوق النفط: الاحتياطات والتنمية والأسعار والظروف الجيوسياسية"؛ الفصل الثاني: "الأسعار"؛ الفصل الثالث: "الأوضاع والاعتبارات الجيوسياسية"؛ الفصل الرابع: "آفاق تطور سوق النفط وسوق الطاقة الدوليتين"، واستنتاجات. ويشتمل الكتاب على قائمة ببليوغرافية وفهرس عام.
يعالج الكتاب في فصوله الأربعة سوق النفط ضمن بيئة المتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتناول الاحتياطيات والتنمية والاستثمار والطاقات البديلة والمستدامة الوافدة إلى سوق الطاقة وآفاق تطويرها بوصفها بديلًا من الطاقة النفطية الأحفورية، ولا سيما الطاقة الشمسية الحرارية. ويرى المؤلف أن سوق الطاقة تشهد اليوم مقدمات لإعادة هيكلتها، وخاصة بعد دخول دول، مثل الصين والهند والبرازيل، بوصفهم مستهلكين عمالقة إليها، ما قد يعيد التوازن إلى السوق النفطية على الرغم من الأزمات الضخمة التي تعانيها اليوم. كما يعتبر أن أسعار النفط القائمة على معادلة العرض والطلب وظروف الأمن والاستقرار والأزمات الدولية هي أيضًا على أبواب إعادة هيكلة نوعية بسبب دخول الطاقات البديلة على نحو مطّرد وتدريجي، وأن السعر الحقيقي للبرميل، وليس الاسمي، هو الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار لدى أيّ مقاربة تتعلق بالأسعار وسوق الطاقة.
تُراوح التحليلات والتنبؤات بشأن حجم الموارد النفطية وعمرها بين الافتراضات المفرطة في التشاؤم وتلك المبالِغة في التفاؤل. وعلى أي حال، فإن نضوب النفط لن يحدث غدًا، وإن كانت بوادره تلوح في الأفق البعيد.
تختلف الدراسات التي تهدف إلى تقييم الموارد النفطية العالمية اختلافًا شديدًا في ما بينها، وذلك بحسب ما إذا كانت تأخذ في الحسبان الزيوت الثقيلة، والنفط الصخري، ونفط أعماق البحار ومناطق القطب الشمالي، والغاز الطبيعي المكثف، وكذلك التقدم التكنولوجي بما يتيح تكاليف تقنية مقبولة لضمان ربحية الإنتاج. لذلك، تختلف التقديرات المتعلقة بالاحتياطي العالمي للنفط اختلافًا كبيرًا، كما يتضح من تنوع التوقعات من مختلف الخبراء وما يطرأ عليها من تعديلات مستمرة.
ببساطة، تنحصر وجهات النظر بين قطبين: قطب متشائم طوره كولِن كامبل، يرى أن الزيادة في الاحتياطيات الموجودة في الحقول المكتشفة ليست ذات أهمية كبيرة، ويقيّم المخزون غير المكتشف بأقل من 200 مليار برميل، وقطب آخر أكثر تفاؤلًا، يرتكز على تقييمات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية United States Geological Survey, USGS، ويأخذ في الحسبان تثمين الزيوت غير التقليدية، وأماكن وجودها، والتقدم التكنولوجي الذي يسمح بزيادة احتياطيات الحقول الحالية، وأيضًا باكتشاف احتياطيات جديدة وتطويرها، وهي التي لا يزال يتعذر الوصول إليها اليوم.
وفي ما يتعلق بتأثير عامل النفط في العلاقات الاقتصادية الدولية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تجدر الإشارة إلى أن إيرادات النفط المرتفعة لهذه الدول مكّنتها من الاندماج جيدًا في الاقتصاد العالمي. وعلاوة على وصفها أكبر مصدّر للنفط في العالم، فهي من أكبر مستوردي السلع الصناعية والمواد الغذائية والعسكرية. وفي ما يتعلق بالإنتاج الصناعي، فإن ما يعوق تطويره إلى حد بعيد هو عدم توافر اليد العاملة المحلية المؤهلة. ويضاف إلى ذلك أن ضخامة المستوردات العسكرية تفسّر حالة عدم الاستقرار، واحتمال اندلاع صراعات مسلحة في منطقة الشرق الأوسط.
حتى وقت قريب جدًا، كان الغاز الطبيعي عمومًا، والغاز الروسي خصوصًا، بوليصة تأمين ممتازة ضد مخاطر انقطاع إمدادات النفط القادمة من الشرق الأوسط تحديدًا. ثم قيل مرارًا وتكرارًا إن احتياطيات العالم من الغاز كانت أكبر من احتياطي النفط، وإنها كانت موزعة جغرافيًا توزيعًا أفضل، وخاصة أن الغاز الروسي كان يتمتع بميزة كبيرة كونه كان يصدّر بواسطة بلد أوروبي صناعي ذي موثوقية وقريب نسبيًا من الأسواق الأوروبية.
لقد تغيرت الأمور منذ كانون الثاني/ يناير 2006، عندما أوقفت شركة غازبروم Gazprom الروسية العملاقة شحناتها إلى أوكرانيا في منتصف الشتاء، لأن هذا البلد، الذي أصبح مستقلًا، كان يريد الاستمرار في الاستفادة من الأسعار التفضيلية الممنوحة للجمهوريات السوفياتية السابقة. ومع ذلك، فمن الواضح أن الانقطاعات القصيرة في إمدادات الغاز الروسي إلى أوكرانيا، ثم إلى جورجيا، قد أيقظت في الغرب سيلًا من الانتقادات ضد سياسة النفط والغاز التي يتبنّاها الرئيس فلاديمير بوتين. وسرعان ما امتدت هذه الانتقادات - التي كان محركها في الأساس ضرورة تأمين الاحتياطيات، بالمعنى الضيق للكلمة - لتشمل جميع التدابير التي اتخذتها السلطات الروسية من أجل إعادة السيطرة على قطاع الطاقة الروسية، إلى درجة أنها أثارت المخاوف بشأن صادرات النفط والغاز الروسيَّين، سواء أكانت تلك المخاوف حقيقية أم مفترَضة، فإنها صارت موضوعًا رئيسًا لاجتماعات الطاقة الدولية، وحافزًا للاتحاد الأوروبي في عام 2006 للإعلان المبكر قبل أسبوعين فحسب من انعقاد قمة مجموعة الثماني في سان بطرسبروغ في الفترة 15-17 تموز/ يوليو 2006 عن بناء شراكات جديدة، وهو ما لا يمكن فهمه إلا في ضوء الصراع الدائر بين الدول الغربية وروسيا حول احتكار شركة غازبروم للتصدير وسياسة الاتحاد الأوروبي المطالِبة بتنويع مصادر الإمدادات.
على أيّ حال، لم يتأخر الرد الروسي كثيرًا؛ فبعد خمسة أيام، صوّت مجلس الدوما بأغلبية ساحقة بلغت 355 صوتًا في مقابل 64 صوتًا لمصلحة مشروع قانون يكرّس احتكار شركة غازبروم فعليًا لصادرات الغاز الطبيعي الروسي. وقبل أسبوع واحد من الاجتماع في سان بطرسبورغ، لخّص كلود مانديل، المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة آنذاك، مظالم الدول الغربية ضد سياسة الطاقة الروسية؛ مبيّنًا أنه قد نتج منها أن نحو 40-60 مليار متر مكعب من الغاز لا تزال تُحرَق كل عام في روسيا؛ أي ما يقارب ربع الصادرات الروسية إلى أوروبا، وأنه بسبب نقص الاستثمارات ستكون روسيا غير قادرة على الوفاء بجميع التزاماتها المتعلقة بتصدير الطاقة.
وفي ما يتعلق بالغاز الطبيعي، فإن مخاوف الدول المستهلكة بشأن أمن إمداداتها تزداد مع تصاعد حاجتها إلى الغاز المستورد، وتوقّعت أنها سترتفع بين عامَي 2002 و2030، من 49 في المئة إلى 81 في المئة للاتحاد الأوروبي، ومن 0 في المئة إلى 18 في المئة لأميركا الشمالية، ومن 0 في المئة إلى 27 في المئة للصين، ومن 0 في المئة إلى 40 في المئة للهند. ولتغطية هذه الحاجات، ستبقى روسيا المورد الرئيس فترة طويلة، بحصة قد تُراوح بين 23 و27 في المئة من إجمالي الصادرات العالمية.
يرى بعض الخبراء أنه مع الطلب العالمي المتزايد باستمرار، يمكن أن يبدأ النقص في النفط تدريجيًا؛ فخلال ما يزيد قليلًا على قرن من الزمان، نكون قد استهلكنا بالفعل نصف احتياطيات النفط النهائية القابلة للاسترداد. أما النصف الثاني من هذه الاحتياطيات، فسيتمّ استهلاكه على نحو أسرع كثيرًا من الأول بسبب ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة. ومن المتوقع أن يُخفَف من وقع هذا السيناريو المقلق نظرًا إلى التقدم المستمر في مجال التكنولوجيا.
يجري الحديث منذ عقود طويلة في أوساط علماء الفيزياء والميكانيكا عن إمكانية استثمارٍ تقني لحركة الأمواج بأفق تأطيرها وتثمينها عبر آليات ميكانيكية تحرك عنَفَة مولد كهربائي لتحويل الطاقة الميكانيكية الكامنة في حركة الأمواج إلى طاقة كهربائية. ويفصّل الكتاب في هذه الآليات مبيّنًا أن المسألة تعود في النهاية إلى استنباط المركبات التي تستقبل الأمواج وتعميمها، وتحولها إلى طاقة كهربائية عبر توربينات خاصة متلائمة مع الطبيعة والمواصفات الفيزيائية والبيئية لحركة الأمواج.
وضمن الظروف ومستويات تطور التكنولوجيا في العصر الحالي، هناك، اليوم كما نعرف مصادر أسهل تقنيًا وأرخص اقتصاديًا لإنتاج الطاقة (الكهربائية) من الكُمون الذي تحويه طاقة الأمواج. هذه المصادر كما نعرف هي الطاقة الشمسية الحرارية وطاقة الرياح والطاقة الهيدروليكية والطاقة النووية وغيرها.
المسألة في النهاية هي مسألة وقت وتقنية اقتصادية في مرحلة تاريخية محددة لم تَحِن في ما يبدو بعدُ، لكنها آتيةٌ لا محالة، أخذًا في الاعتبار تطور التكنولوجيا والمعارف العلمية عبر التاريخ.
يبقى أن نشير إلى أن هذا الكتاب ثمرة خبرة أكاديمية علمية وعملية سياسية مركبة أيضًا، طويلة للمؤلف، وغنية بالمعارف والتجارب، وبانخراطه في الثورة السورية. وهو في هذا الكتاب يؤسس رؤيته على خبرته الطويلة والمتعددة المستويات في العلوم النفطية والاقتصاد السياسي.
أستاذ في العلوم البترولية والاقتصاد السياسي، يحمل خمس شهادات دكتوراه من جامعات أوروبية، منها ثلاث شهادات دكتوراه دولة واثنتان دكتوراه الفلسفة PhD، وهي من: جامعة باريس للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة ستراسبورغ، والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS، وجامعة السوربون، وجامعة موسكو الحكومية بدرجة دكتور في العلوم، وذلك في التنقيب والإنتاج النفطيين وطرائق الإنتاج المعزز للنفط والغاز Enhanced Oil Recovery، والعلوم الكونية والاقتصاد السياسي (السوربون). ويحمل أيضًا إجازة لإدارة البحث العلمي Enabling for Research Direction من وزارة البحث العلمي الفرنسية.
عمل المؤلف أستاذًا في جامعات أوروبية عدة، إلا أن عمله المهني تركّز على نحو خاص في البحث المخبري الأكاديمي إلى جانب العمل الهندسي في حقول النفط والغاز حول العالم مدة تزيد على 35 عامًا، وتحديدًا في الجزائر وحوض بحر قزوين (كازاخستان) وسيبيريا والإمارات العربية المتحدة ومالي والسودان والعديد من البلدان الأخرى. وعمل سنواتٍ مديرًا للبحث العلمي في شركات بحثية نفطية (سويسرية وإيطالية خاصة) في مجال تطوير تقنيات جيوفيزيائية بترددات الموجات تحت الصوتية لرصد Monitoring المخزونات البترولية ومتابعتها داخل الطبقات الجيولوجية. وهو صاحب براءة علمية مرجعية ومعتمدة في أهم مراكز البحث ذات الصلة، وعند الباحثين عمومًا، وذلك لمحاكاة Modeling المنظومات الحرارية الأرضية داخل الطبقات الجيولوجية بأفق الكشف عن تحقق الشروط الأساسية للمنظومات النفطية "الناضجة" لتَشَكُّل حقول النفط والغاز.
وقد شارك بوصفه منسقًا لمجموعات استكشافية جيولوجية في اكتشاف ما يزيد على 16 حقلًا نفطيًا حول العالم. ونتيجةً أولى لبداية أبحاثه النفطية في إطار أول أطروحة لدكتوراه الفلسفة في الفترة 1970–1974، فقد نُشِرَت معظم نتائجها في حوليات المعهد الجيولوجي الأميركي آنذاك في مقالات علمية حول الآفاق النفطية وما ينتج منها من معادن كفلزات الكبريت الحر في القسم الغربي لحوض ما بين النهرين والأراضي السورية على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار، كان المؤلف أول من أشار منذ ذلك الحين إلى وجود تشكيلات نفطية بمخزونات كبيرة ومؤكدة في منطقة دير الزور، وتحديدًا في موقع ديرو Derro. وفي الأطروحة المذكورة نفسها، جرت الإشارة أيضًا إلى آفاق نفطية واعدة جدًا على امتداد قوس جيولوجي يمرّ بالسلسلة التدمرية في سورية، وأيضًا على امتداد قوس جيولوجي آخر في الشمال الشرقي لسورية يمر عبر منطقة جبل البِشري وإقليم الحسكة. وقد مكّنه ذلك، إضافةً إلى خبرته العميقة في المجتمع السوري، من التعرف المباشر والمتجدد كثيرًا إلى تطور الوضع الاجتماعي – الاقتصادي السوري عن كثب، ومعرفة تحولاته كذلك.
نشر المؤلف ما يزيد على مئة بحث علمي في أهم الحوليات العلمية الدولية المختصة، ومعظمها ضمن الفئتين A وB، وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا. ونشر أيضًا ما يزيد على 12 كتابًا علميًا في العلوم والتكنولوجيا النفطية صدرت عن دور نشر مشهورة مثل Elsever, Springer, Technip, L’Harmattan وغيرها. وكان كل ما نُشر باللغتين الإنكليزية والفرنسية، وبدرجة أقل بالروسية. وفضلًا عن ذلك، فقد نشر ثلاثة كتب في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية، أحدها هذا الكتاب، وكتاب إرهاصات التنمية والثورات المجهضة في العالم العربي، ترجمهما المركز العربي عن اللغة الفرنسية.