Author Search
​أستاذ مشارك ورئيس برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا. 
Author Search
باحث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، 
Author Search
أستاذ الفلسفة في معهد الدوحة للدراسات العليا. له العديد من المؤلفات عن جون جاك روسو وفلسفة التنوير وتاريخ الفكر المقارن
Author Search
​أستاذ الأدب العربي الحديث والأدب المقارن في معهد الدوحة

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الثلاثاء 23 أيار/ مايو 2017، الدكتور إسماعيل ناشف، الأستاذ المشارك ورئيس قسم برنامج علم الاجتماع وعلم الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا، إضافةً إلى ثلاثة باحثين قدّموا ثلاث قراءاتٍ متقاطعة وعابرة للاختصاصات في الكتاب الأخير لإسماعيل ناشف طفولة حُزيران: دار الفتى العربي وأدب المأساة، وهم على التوالي: الدكتور عبد العزيز لبيب، الأستاذ ببرنامج الفلسفة في معهد الدوحة، والدكتور أيمن أحمد الدسوقي، أستاذ الأدب العربي الحديث والأدب المقارن في معهد الدوحة، والدكتور حيدر سعيد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

استهلّ عبد العزيز لبيب قراءته كتاب طفولة حزيران بتناول ثلاث قضايا أساسية، تتعلق أولاها بالبعد المونوغرافي للنص، وقدرة الكاتب الإبداعية على تناول غرض محدد وهو "أدب الطفل" معتمدًا على المأساة. وقدّم لبيب في هذا الصدد بعض المقارنات بين أدب المأساة العربي والتراجيديا اليونانية، محاولًا إبراز البعد التربوي في التجربتين. أما القضية الثانية، فيمكن رصدها وفقًا للباحث التونسي من خلال المقاربة المتعددة التخصصات التي وظّفها الكاتب في دراسة إشكالية بحثه، ذلك أنّه ينفتح على وجهات متعددة، من قبيل الأدب والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وعلم النفس، من دون أن يغفل عن تقديم نقد للأطروحات السابقة على شكل مناقشات وحوارات مع روادها، ما أضفى بعدًا هادئًا ورزينًا على مختلف فصول الكتاب. أمّا القضية الثالثة، فرصدها لبيب في التأطير الإبستيمي لنص طفولة حزيران، وهو ما يتجلى في هاجس الكاتب لفهم العلاقة بين الطفل والفضاء الرمزي والثقافي والسوسيولوجي؛ إذ جاء التركيز على "دار الفتى العربي" التي اتخذها الكاتب مثالًا للدراسة، لكونها تتبنّى فلسفة خاصة في مجال التربية، مقدِّمًا من خلالها نوعًا من الأخلاقية غير المعلنة التي يمكن للقارئ أن يكتشفها، وهو ما عبّر عنه لبيب باحترام الطفولة أو جعل الطفل يعيش طفولته الكاملة. كما قدّم لبيب إضافةً إلى هذه القضايا الثلاث، جملةً من الإشكاليات المحفِّزة على الانخراط في قراءة نقدية لأطروحة الكتاب، ومن ذلك عقده مقارنة بين ما ذهب إليه إسماعيل ناشف، من ضرورة منح الطفل الاستقلالية، بما ذهب إليه جون جاك روسو من أسبقية تحرير الطفل من المجتمع قبل منحه الاستقلالية؛ الأمر الذي يحيل على إشكالية ثانية تغري بالبحث والدراسة، تتعلق بالكيفية التي تسمح بالتوفيق بين الثقل الاجتماعي واستقلال الطفل؛ أي بمعنى آخر هل يمكن بناء ملكوت خاص بالطفل وفي الوقت نفسه الحفاظ على البعد الاجتماعي؟

من سيمنار قراءات متقاطعة لكتاب طفولة حزيران لإسماعيل ناشفوقد آثر أيمن الدسوقي في قراءته اجتراح مقاربة أدبية بالأساس، من خلال تأكيد أنّ الظاهرة موضع إعمال الفكر لا يمكن فهمها من دون نسق معرفي لا ينفصل عن اللغة. وإذ يؤكد الباحث النسق المعرفي واللغوي، فإنّه يربطهما في متن إسماعيل ناشف بكتابه السابق العتبة في فتح الإبستيمي الذي يعدّه تمهيدًا نظريًا لدراسة الحالة التي قدّمها في طفولة حزيران. ومن ثمّ تطرّق الدسوقي إلى بعدٍ معرفي غايةً في الأهمية، يتجلّى في التمركز معرفيًا حول فلسطين؛ إذ يؤكد من جهة أنّها تحتل فيطفولة حزيران مكانةً مركزية، غير أنّ طريقة تموقع الناظر قد تُغيّر النتائج التي ربما يتوصل إليها؛ فأنْ تنظر من العالم نحو فلسطين، يختلف تمامًا عن النظر نحو العالم من داخل فلسطين؛ ولا يقصد بذلك فلسطين بوصفها مجالًا جغرافيًا، وإنّما بوصفها مجالًا إدراكيًا، تصبح معه نسقًا معرفيًا في تحوّل كامل، يمكن من خلاله فهم العالم. بعد هذا المنعطف الإدراكي، ينتقل أيمن الدسوقي للحديث عن الطفل واللغة والأدب بوصفها ثلاثة محاور أساسية في الكتاب؛ فالتعامل مع الطفل بوصفه إمكانية معرفية متحولة، لا سيما في عقب حزيران/ يونيو 1967، يسمح برصد التحول من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية، ومن ثمّ فهم "جماعية الجماعة - الأم"؛ أما نسق اللغة، وتحديدًا أدب الطفل، فإنه يكشف أيضًا عن آليات تشكّل الجماعة؛ وأما الأدب، فهو منصة تتخلّلها محاولات الكبار تقديم أجوبة عن إشكالياتهم. تسمح إذًا هذه التقاطعات الثلاثة بفهم أدب الطفولة، كما أنّ تحول التجربة إلى موقف معرفي يمنح القارئ والباحث على حدّ سواء إمكانية الوصول إلى مفهوم المأساة كما يتجسّد في ثنايا طفولة حزيران؛ ولكن، حتى يتحول المفهوم إلى إمكانية معرفية، سيكون من المتعين إدراك الحدّ المعرفي بين المأساة وإمكانية التعبير عنها، أو بمعنى آخر، بين المأساة وفن المأساة؛ وهو ما حاول ناشف أن يبرزه في كتابه.

وقدّم القراءة الثالثة لكتاب طفولة حزيران حيدر سعيد عادًّا الأطروحة الأساسية للكتاب (وهي أنّ أدب الطفل العربي ما بعد 1967 إنما كان ترحيلًا لأزمة الجماعة - الأمة العربية) تتأسّس على فكرة تعامل معها المؤلف على أنّها "مسلّمة" غير قابلة للنقاش، وهي أنّ نكسة حزيران/ يونيو 1967 كانت هزيمةً حضارية، وكانت محتّمةً بسبب الأزمة البنيوية للثقافة العربية. في حين أنّ هناك رؤية عملت على إعادة تعريف هزيمة عسكرية محددة (على جسامتها) بوصفها هزيمة حضارية، وهي تعبير عن انهيار نظام القيم للثقافة العربية، والأزمة هي في الحقيقة أزمة تيار محدّد، هو "التيار القومي - اليساري" في الثقافة العربية. ولذلك، ترجع جذور الحديث عن هذه الأزمة، بحسب الباحث، إلى ما قبل تاريخ 1967، وتحديدًا إلى تعثّر التجربة الثورية العربية (وفشلها) التي بدأت تشهد منذ مطلع ستينيات القرن الماضي بوادر أنظمة تسلطية، وصراعات أيديولوجية دامية. وهكذا، يخلص سعيد إلى أنّ نكسة 1967 استُعملت بوصفها الاستعارة الأيديولوجية لهذا الفشل، ووُظّفت في سياق أزمة التيار القومي اليساري الذي فتح أزمته بوصفها أزمةً حضارية وثقافية عامة.

وفي عقب القراءات الثلاث، قدّم إسماعيل ناشف بعض الأجوبة والإضاءات بشأن جملة من الأسئلة والقضايا المثارة، تلاها نقاشٌ عام ساهم فيه الحاضرون.