نظمت دورية "سياسات عربية" التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، يومي 18 و19 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ندوة بعنوان "حال العلوم السياسية والعلاقات الدولية في العالم العربي". 

في الكلمة الافتتاحية، أشار حيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، إلى أن هذه الندوة تعدّ نواةً لعددٍ خاص بالموضوع نفسه، ستصدره الدورية في صيف عام 2022، جاء نتيجة اقتراح قدّمه عبد الوهاب الأفندي، محرّر العدد. وأضاف أنّ هذه الندوة تحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، أبرزها الملابسات التي تحكّمت في نشأة العلوم السياسية والعلاقات الدولية وتطورها في الثقافة والأكاديميات العربية، والعوائق التي تقف أمام تطور الحقل. وأشار سعيد إلى أنّ ذلك استدعى من الباحثين المساهمين في الندوة والعدد دراسة ما أنتجه هذا الحقل من معرفة، والمقررات الدراسية، وعلاقته بالدولة، وبالمجتمع وحركته في مفاصله الكبرى. وشدد على مجموعة من الأسباب التي أعاقت التطور النظري للحقل عربيًا، وأعاقت نموّه، مركّزًا على قلة الأدبيات السابقة التي تموضع الموضوع في خريطةٍ معرفية واضحة وتفسّر نشأةَ الحقل وتطوره، وقلة عناية المشتغلين فيه بالجوانب الإبستيمولوجية والميثودولوجية، وهيمنة الأنظمة السلطوية عليه مع تطور الدولة الوطنية، وتداخله مع حقول أخرى دون هامش من الاستقلالية واختلاطه بها، وتأثير المصادر والمرجعيات الغربية فيه، وغير ذلك.

وأشار عبد الوهاب الأفندي، في ورقته الافتتاحية بعنوان "حالة العلوم السياسية في العالم العربي: حفريات مهمة من أجل نهضة معرفية"، إلى أنّ التعمق في بحث تخصص العلوم السياسية في العالم العربي جاء نتيجة لعدة مؤثرات، أهمها مشروع بحثي يشارك به بعنوان "العلوم السياسية من منظور جديد"، يهدف إلى تناولٍ نقدي للتخصص، انطلاقًا من بعض أوجه قصوره في تناول قضايا المنطقة العربية، ومنها الفشل في استشراف معظم أحداثها. وأضاف أنّ التراجع الملحوظ في أوضاع بعض الجامعات العربية، إما بسبب التدهور السياسي والاقتصادي، وإمّا بسبب الاضطرابات، أو بهذه مجتمعة، يعدّ عاملًا مؤثرًا في تحفيز فكرة الحفر المعرفي لفهم حال الحقل. وشدد على وجود العديد من الأسئلة عن تأثّر التعليم والتعلّم والبحث في التخصص بالتقلبات السياسية في المنطقة، ومدى تأثير التدخلات السياسية في العملية الأكاديمية المتعلقة به. وأخيرًا، عرّج الأفندي على إشكالاتٍ مركبة، تتمثل بعدم توافر المواد التعليمية وهجرة الأساتذة، وغياب الدعم الرسمي للطلاب أو ضعفه، وغير ذلك. واختتم بالقول إن توفير المعلومات الدقيقة والمحدثة حول وضع تدريس العلوم السياسية والبحث فيها في الوطن العربي لا يمثل إضافةً علمية ومعرفية فقط، وبناء سجلّ قيم لتطور التخصص وإنجازاته، بل يساهم كذلك في تطوير التخصص والمعرفة، ويعين على التطوير والتحديث.

في نشأة العلوم السياسية في العالم العربي وتطورها: نماذج من مصر والجزائر وتونس

استهلت مروة فكري، أستاذة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، الجلسة الأولى بورقة عنوانها "تطور حقل العلوم السياسية في مصر: تجربة قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة" اهتمت فيها ببحث إدراك المتخصصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بدور علم السياسة في المجتمع والسياسة في مصر، وطبيعة تصورهم للتحديات التي تواجه تطور علم السياسة في مصر، وتصوراتهم عن الموضوعات الأهم في البحث والتدريس، واهتماماتهم البحثية، والمنهج الذي يستندون إليه في أعمالهم البحثية، ورؤيتهم للأحداث الإقليمية والعالمية الجارية والتطورات السياسية. وعملت الباحثة على تحليل محتوى مضمون المقررات الدراسية والتغيرات التي لحقتها في الكلية نفسها وتفسيرها، وذلك من خلال الاهتمام بالسياقات الأيديولوجية والسياسية التي أثرت في التدريس والبحث في العلوم السياسية في مصر وتوجهاتها، لا سيما لحظة ثورة 25 يناير.

وفي المداخلة الثانية، قدّم عبد القادر عبد العالي، أستاذ التعليم العالي بجامعة الدكتور مولاي الطاهر سعيدة، وقاسم حجاج، أستاذ باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة قاصدي مرباح في ورقلة، ولبنى جصاص، أستاذة محاضرة بقسم العلوم السياسية في كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باجي مختار في عنابة، ورقة عنوانها "أزمة تخصص العلوم السياسية في الجامعة الجزائرية: مفارقات طفرة ستة عقود من الاستقلال الوطني" ركزت على الأزمة التي يواجهها تخصص العلوم السياسية في الجزائر خلال العقد الأخير، مستندة إلى مجموعة من المؤشرات والدلائل، أهمها نقص إقبال الطلبة على التخصص بعد فترة شهدت إقبالًا غير معهود تزامن مع الطفرة النفطية الثانية في تاريخ الجزائر، وتغير نظام التعليم العالي في البلاد في الألفية الأولى من القرن الجاري بعد موجة من سياسات إصلاح التعليم العالي. وفي ختام المداخلة اقترح الباحثون مجموعةً من الحلول والبدائل لمواجهة الأزمة، وتحويل تخصص العلوم السياسية إلى تخصص ذي علاقة بقيم المجتمع ومصالحه، ومتفاعل مع متطلبات سوق العمل، ومنفتح على العالم، ومتكيف مع المستجدات العرفية العالمية لهذا التخصص.

وشدد شاكر الحوكي، أستاذ ومدير قسم العلوم السياسية، في كلية الحقوق والعلوم السياسية، بتونس، في ورقته "حال العلوم السياسية في تونس: محاولة لرصد مسار التجربة وتقييمها وفهم ماهيتها" على مراجعة تاريخ كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس التي تأسست عام 1960، قبل الثورة التونسية (كانون الأول/ ديسمبر 2010 – كانون الثاني/ يناير 2011) وبعدها، مشيرًا إلى أنّه بحلول الثورة التونسية وانخراط تونس في مسار الانتقال الديمقراطي كان من المنتظر أن تشهد العلوم السياسية تطورًا نوعيًا، إلا أن ما حصل هو أنها أزيلت من الكلية في خطوة غير منتظرة؛ فأول مرة في تاريخ كلية الحقوق والعلوم السياسية، يتحول قسم للعلوم السياسية إلى مجرد وعاء بلا اختصاص وبلا مدرسين في العلوم السياسية. وفي الشق الثاني من المداخلة ركز الحوكي على مجموعة من الإشكاليات التي واجهت الحقل، أهمها تبعية العلوم السياسية في تونس للقانون الدستوري، التي أسهمت في إفراغ التخصص من المحافظة على استقلاليته المعرفية منهجيًا وموضوعيًا، على نحوٍ أثّر لاحقًا في ضعف الإنتاج العلمي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

واقع حقل العلاقات الدولية عربيًا

استهل أحمد قاسم حسين، الباحث في المركز العربي، ومدير تحرير دورية سياسات عربية، الجلسة الثانية بورقة عنوانها "استقصاء حقل العلاقات الدولية في الوطن العربي: دراسة في الواقع والتحديات"، انطلق فيها بالقول بأن ضعف محاولات تقييم حالة الحقل وإسهامات الجماعة العلمية المختصة بدراسته حفزه لمحاولة استقصاء حال العلاقات الدولية في المنطقة العربية، سعيًا إلى توصيف الواقع القائم في الحقل أولًا، ثم النظر في الإشكالات والتحديات، مرورًا بتقصي التغيير الذي شهده. في ضوء ذلك، وبالاستناد إلى عينة قصدية مختارة من أساتذة العلاقات الدولية في الجامعات العربية، قدّم حسين جملة من النتائج المستخصلة عن واقع العلاقات الدولية في الجامعات العربية، من حيث التدريس، والمناطق التي ركز عليها أساتذة العلاقات الدولية في مقرراتهم، والقراءات في حقل العلاقات الدولية، وأهم نظرياتها، وتعريف الحقل ومستقبله. وفي القسم الثاني من مداخلته عرض حسين نتائجه عن الاهتمامات البحثية لباحثي العلاقات الدولية في الجامعات العربية، من حيث الاختصاصات التي تعكس انشغالهم البحثي، والمدرسة التي يتبعونها في دراسة العلاقات الدولية، والمنهج المتبع في أثناء عملية البحث. واختتم بتقديم نتائجه عن واقع المؤسسات الأكاديمية والإنتاج المعرفي في حقل العلاقات الدولية عربيًا.

أما سيد أحمد قوجيلي، الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا، برنامج الدراسات الأمنية النقدية، فقد ركّز في ورقة عنوانها "حقل العلاقات الدولية في العالم العربي: نصف قرن من التحوّل" على مجموعة من الأسئلة، أبرزها: لماذا لم يتغلّب الحقل على معضلاته المستديمة، الهيكلية والمعيارية، طوال الخمسين سنة الماضية؟ وما الذي يفسّر هذا الجمود؟ وهل "العودة إلى المستقبل" حتمية في ظل الحالة الراهنة للحقل؟ ورأى قوجيلي أن حقل العلاقات الدولية في العالم العربي ازدهر في سبعينيات القرن العشرين، وأن إسهام جيل الباحثين المبتعثين في تلك الفترة كان حاسمًا ساهم في الازدهار وفي توطين الحقل عربيًا وتأسيس استقلاله الأكاديمي. وأشار إلى أن مرور ما يناهز النصف قرن على تأسيس الحقل، لا ينفي وجود معضلات عدة يواجهها. وأضاف أن جيل الباحثين العرب في العلاقات الدولية، الذين يستقبلون العقد الثالث من القرن العشرين، لا يزالون يواجهون المعضلات نفسها التي واجهها الجيل الأول، لا سيما نظرة صنّاع القرار، وتحيز التعليم والبحث وتمركزه غربيًا، وغياب التعاون بين الباحثين في العلاقات الدولية، فضلًا عن معضلات التمويل وحرية البحث والنزاهة العلمية.

ثم اختتمت مكية نجار، أستاذة محاضرة بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد بن أحمد، الجلسة بورقة عنوانها "لماذا لا توجد نظرية عربية في العلاقات الدولية؟ أسباب تعطل التنظير للعلاقات الدولية في العالم العربي"، ركزت فيها على تفكيك حال العلاقات الدولية في العالم العربي معرفيًا وسياسيًا، لا سيما بعد أحداث ثورات الربيع العربي نهاية عام 2010، التي أثرت في الأعمدة النظرية الرئيسة في الحقل، لا سيما النظريات التي اعتاد الباحثون الغربيون استعمالها في تحليلهم ظواهر المنطقة العربية وتفسيرها. ورصدت الباحثة، أيضًا، تجاهل الباحثين في الأكاديميا الغربية الأنساق المعرفية المنتجة حول العلاقات الدولية في دول وبلدان الجنوب، لا سيما دول المنطقة العربية، وتغييبها. وطرحت أنّ واقع العلاقات الدولية في التحليل والتفسير يقوم على التجريد والاختزال والإقصاء، لا سيما حذف جذور العنف الذي انبثق منها؛ ما ترتب عليه هشاشة العالم العربي في تبنّيه مفاهيم السياسة والسيادة وارتباك معياري حول القوة والشرعية داخليًا وخارجيًا.

تدريس العلوم السياسية والعلاقات الدولية في العالم العربي

في اليوم الثاني من الندوة، استهل الجلسة الثالثة باسل صلوخ، أستاذ مشارك في العلوم السياسية، ورئيس برنامج السياسات والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، ومي درويش، أستاذة مشاركة في العلاقات الدولية بجامعة برمنجهام، بورقة عنوانها "سياسات تدريس العلاقات الدولية في بلدان العالم العربي"، ناقشا فيها طرق التدريس والقراءات والنظريات التي يعتمد عليها أساتذة العلاقات الدولية في تدريس مساق العلاقات الدولية في الجامعات العربية. وأشارا إلى أنّ دراسة أصول التدريس وطرقه تعدّ وسيلة رئيسة لمعاينة السياقات المختلفة لفهم تأثير نظريات العلاقات الدولية واستخدامها تربويًا في تحليل ظواهر المنطقة وأزماتها.

أمّا الورقة الثانية التي قدّمها حسن الحاج علي أحمد، أستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، وياسر عوض عبد الله الطاهر، عميد كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في جامعة الخرطوم، وعنوانها "تدريس العلوم السياسية في الجامعات السودانية"، فقد ركزت على تطور التعليم العالي في السودان، لا سيما تطور تدريس العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، واهتمت بتفكيك التوجهات الفكرية التي أثّرت في تدريس العلوم السياسية والمناهج وطرق التأهيل وتطوّر المقررات. وأوضحت العلاقة الوثيقة بين تطوّر قسم العلوم السياسية في جامعة الخرطوم وارتباطها بالسياسات العامة في السودان، ما عكس تأثير السياسة والسياسات العامة في تدريس العلوم السياسية.

البحث ومناهجه في العلوم السياسية عربيًا

أعدّ عبد الكريم امنكاي، أستاذ مساعد في برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بمعهد الدوحة، مع آلان الأوسكان، طالب ومساعد باحث في برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة، ورقة عنوانها "تهميش المناهج الكمية في العلوم السياسية العربية بين التوجس الإبستيمولوجي والفرص البحثية الضائعة"، شخّصا فيها واقع الأبحاث الكمية في العلوم السياسية العربية. واستعانا بعينة من الأبحاث المنشورة في ثلاثين دورية عربية محكّمة متخصصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية على مدى الإحدى عشرة سنة الأخيرة، وأظهرا المكانة الهامشية للتحليل الإحصائي الاستدلالي في العلوم السياسية العربية. وطرحا أنّ توظيفًا أكبر للطرائق الكمية سيفتح المجال للباحث السياسي العربي، ليتعامل، ولو جزئيًا، مع أهم التحديات التي يواجهها البحث في العلوم السياسية في المنطقة العربية، والمتمثّلة في ضعف التقيد بالمنهجية العلمية.

أما خليل العناني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المشارك بمعهد الدوحة، والباحث في المركز العربي بواشنطن، في ورقة عنوانها "معضلة عبور التخصصات في العلوم السياسية في العالم العربي"، فقد ركز على عبور التخصص بوصفه إحدى الطرائق البحثية المهمة في مقاربة الظواهر الاجتماعية والإنسانية، والتي تساعد في الخروج من الضيق المعرفي للتخصصات الفرعية، ومحدودية تفسيراتها، ويساهم في إنتاج معرفة أصيلة تتجاوز التفسيرات النمطية والسطحية للظواهر، ويساعد في تقديم تفسيرات مركبة تتماشى مع طبيعة الظواهر.

ثم قدّم لقمان مغراوي، أستاذ محاضر بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية في الجزائر، ورقة عنوانها "واقع الكتابة العلمية في حقل العلوم السياسية في الجزائر والعراق: دراسة بيبليومترية للمنصة الجزائرية للمجلات العلمية والبوابة العراقية للمجلات العلمية في الفترة 2010–2020" أعدّها مع هجيرة بوزيد، مديرة المكتبة بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، في الجزائر. عرضت الورقة مسحًا موضوعاتيًا لكل ما كُتب ونُشر في حقل العلوم السياسية على المنصتين العراقية والجزائرية للمجلات العلمية، خلال الفترة 2010-2020، وفسرت أسباب تزايد الكتابة في فرعَي العلاقات الدولية والسياسات المقارنة، في مقابل تراجع الكتابة في فرع النظرية السياسية والمنهجية.

اختتمت الجلسة بورقة قدّمتها أمل حمادة، أستاذة مساعدة في العلوم السياسية، ومديرة وحدة دراسات المرأة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، عنوانها "تطور علاقة حقل الجندر بالعلوم السياسية في مصر: قراءة في خلفيات العلاقة وتحولاتها"، أوضحت فيها أنّ عجز العلوم السياسية عن تفسير الأحداث والتطورات السياسية الراهنة يمكن رده إلى ضعف العلاقة بين علم السياسة بشكله التقليدي والعلوم والمناهج البينية؛ إذ لا يزال علم السياسة في الجامعات العربية، وخصوصًا الجامعات المصرية، يركز على الدولة، بصفتها فاعلًا أوحدَ أو الأهم في مجتمعاتها المختلفة، من دون النظر إلى المجتمع وقواه وتفاعلاته التي تتأثر وتؤثّر في الدولة ومؤسساتها.