بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الثامن والعشرون (ربيع 2019) من دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية. جاء هذا العدد ضمن محور بعنوان "الحداثة الهجينة في الخليج العربيّ: أسئلة الدولة والمجتمع". وقد تضمّن مجموعة من المقالات الأكاديمية المرجعيّة، ومراجعات الكتب، التي عالجت زوايا مختلفة متعلقة بالتحوّلات السياسية والاجتماعيّة والثقافيّة في مجتمعات الخليج العربي وعلاقاتها بتطوّر دولة الرعاية وبروز أنماط من التمدين الهجين أنتجت شكلًا خاصًا من المدن العربية. واحتوى العدد، كذلك، ترجمةً لمقالة وليم ه. سيول الابن التي باتت نصًّا شهيرًا يزاوج بين نظريّات البنية والفعل الاجتماعي إضافة إلى أربع مراجعات لكتب حديثة عن تطوّر النظم السياسية والأسواق في دول الخليج. وقد عرضت "عمران" في هذا العدد لوحات الفنان التشكيلي القطري سلمان المالك.

مساهمات في دراسة أنماط التمدين الخليجي

تصدّر هذا العدد دراستان مرجعيتان تدرسان تحوّلات أنماط التمدين الخليجي في مدنِ المنامة ودبي وأبوظبي والدوحة والكويت. فقد تناولت دراسة أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة البحرين نادر كاظم العوامل السياسية والاقتصادية والتاريخية التي ساهمت في إعادة تشكيل الهندسة العمرانية والاجتماعية لمدينة المنامة في البحرين منذ منتصف السبعينيات، بداية من كساد تجارة اللؤلؤ واكتشاف النفط إلى الطفرة النفطية التي رافقتها مجموعة من التدابير السياسية. وقد بيّنت الدراسة التي جاءت بعنوان "التحولات الاجتماعية التاريخية لمدينة المنامة: معادلات الديموغرافيا والأسلمة والتسويق"، أنّ سياسات التمدين هناك فتحت الباب واسعًا أمام قدوم أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية الفقيرة وغير المدرّبة ومن أبناء الطبقة الوسطى، راحت "تزحف فارضة وجودها المهيمن على الجزء الأكبر من المدينة القديمة وضواحيها"، على نحوٍ أدّى إلى تداعياتٍ غير مسبوقة تتمثل في نمو تيارات الإسلام السياسي، وبروز تحديات ثقافية تتعلق بالهوية البحرينية، ومحاولة تحويل المنامة القديمة إلى وجهة أساسية للسياحة الداخلية والخارجية.

وقد تصدّى هارفي مولوتش، الأستاذ الفخري في علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، ودافيد بونزيني، أستاذ مشارك في تخطيط المدن في جامعة البوليتكنيك في ميلانو، في دراسة بعنوان "التوسع المديني الخليجي الجديد: حلبات الاختبار، والحلول الالتفافية، وحدود المدن المستحدثة" لدراسة الحداثة الهجينة في مدن دبي وأبو ظبي والدوحة. وقد فنّد الباحثان التصورات الثقافوية، ذات الطابع الاستشراقي، التي تلمّح إلى "التخلّف الاجتماعي والسياسي وانعدام المساواة فضلًا عن التبعية الثقافية للغرب"، مؤكدَين على إمكانية اعتبار مدن الخليج نماذج جديدة لفهم الاتجاهات التمدينية الصاعدة، في عبورها الحدود الوطنية، وفي كيفية تفاعلها مع البنى المادية والاجتماعية المحلية، التي تفرض عليها تطوير حلول التفافية مؤسسية، تفضي إلى أشكال مختلفة من التهجين.

الدولة الريعيّة في الكويت والمجال الافتراضي في قطر

أما لؤي علي، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية، في معهد الدوحة للدراسات العليا فقد سعى في دراسته المعنونة بـ "مدخل إلى فهم الصراع الاجتماعي في الكويت من خلال التصويت على القوانين الاقتصادية في مجلس الأمة الكويتي (2006-2012)" إلى بناء نموذج تفسيري يدرس فيه إستراتيجيات توزيع الريع من خلال التصويت داخل مجلس الأمّة الكويتي. وقد قدّم علي في دراسته قراءة للصراعات الاجتماعية في الدول الريعية، تتعدى الصور الاختزالية التي تفترض انتفاء أي صراع طبقي أو اجتماعي في هذه الدول، أو تختزلها في الصراع على الريع، وذلك من خلال تحليل كميّ لأنماط التصويت داخل البرلمان الكويتي.

اختتم الباحث في الاتصال الإعلامي أحمد عتيق هذا الملف بمقالة تدرس الأدوار التي قامت بها التكنولوجيا الرقميّة في تطوّر المجال العمومي في دولة قطر، عنوانها "شبكات التواصل الاجتماعي والثقافة التواصلية في مجتمعات هجينة: قراءة في دور منصة تويتر في قطر". سعى عتيق، مستندًا إلى نظريات الاتصال، إلى فهم الأثر العميق لتحول الفضاء العمومي الاتصالي في دولة قطر في عصر الرقمنة والتشبيك، ودوره في تغيير الثقافة التواصليّة، مبينًا أهمية هذه الشبكات بوصفها مجالًا عامًا يتجاوز العوائق البنيوية التي ينتجها نمط التمدين في الخليج العربي.

ترجمة وأربع مراجعات كتب

واصلت "عمران" ترجمة المقالات النظريّة المرجعيّة المهمّة في العلوم الاجتماعيّة، وفي هذا العدد ترجم ثائر ديب مقال السوسيولوجي الأميركي المعروف وليم ه. سيول الابن بعنوان "نظرية في البنية: الثنائية والفاعلية والتحوّل" التي تُعتبر من أهمّ المحاولات التي تجمع بنقديّة بين تصور أنطوني غيدنز لثنائية البنية وتصوّر بيير بورديو للهابيتوس، مستنتجةً أنّ إمكان التغيير هو جزءٌ لا يتجزّأ من مفهوم البنية.

أمّا في قسم مراجعات الكتب، فقد اشتمل العدد على أربع مراجعات كتب تناولت جوانب مختلفة من تطوّر النظم السياسية والاجتماعية إضافةً إلى الأسواق خلال السنوات الخمسين الماضية. فقد راجع عبده موسى كتاب "الحداثة الممتنعة في الخليج العربي: تحولات المجتمع والدولة" من تأليف باقر النجار الذي حاول فيه دراسة تجاور الحداثة والتقليد في الخليج، في حين راجعت كورتني فرير كتاب "من بدو إلى برجوازيين: إعادة تشكيل المواطنين في العولمة"، من تأليف كالفيرت جونز الذي درس فيه تطوّر علاقات الدولة والمواطن في دولة الإمارات العربية المتحدة.

واشتمل هذا العدد على كتابين حديثين درسا الاقتصاد السياسي لدول الخليج العربيّ؛ حيث راجعت فرير أيضًا كتاب "مال وأسواق وأنظمة ملكية: مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط المعاصر"، من تأليف آدم هنية، الذي يدرس مؤشرات النفوذ المتنامي للدول الست لمجلس التعاون لدول الخليج العربية طوال العقدين الماضيين، وتأثيرها في تشكيل الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط الكبير. بينما قدّم باقر النجّار مراجعةً نقديةً لكتاب "تصدير الثروة واغتراب الإنسان: تاريخ الخلل الإنتاجي في دول الخليج العربية" من تأليف عمر الشهابي، الذي تتبّع تطور أشكال الإنتاج التي نمت وتطورت مع اكتشاف النفط وتوظيف عائداته في "الاندماج القسري" لمجتمعات المنطقة في النظام الاقتصادي العالمي.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.