بدون عنوان

عبد الله حمودي​

استهلّ مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، لمدة ثلاثة أيام، أعمال اليوم الأول (السبت 23 آذار/ مارس 2019) بمحاضرة عامّة قدّمها عالم الأنثروبولوجيا الدكتور عبد الله حمّودي، الأستاذ في جامعة برينستون الأميركية، في موضوع "سؤال المنهج في راهنيتنا: اجتهادات في تصور علوم اجتماعية وإنسانية عربية". وقدّم فيها إشكالية منهج العلوم الاجتماعية والإنسانية بالتركيز أولًا وقبل كلّ شيء على "الموضوع" بوصفه موضوعًا، محاولًا تحديد طبيعته من حيث هو موضوع.

في مقاربة حمّودي، يبدو المنهج لصيقًا بالموضوع، إذ يشتغل في قلبه النابض وكُنهه. ذلك أنه، وفي أول وهلة، لا يعني موضوع المنهج أكثر من الكلام والكتابة في مسائل أسس المعرفة وقواعدها، وتكون هذه الكتابات بهدف تعريف تلك المسائل وبسطها؛ بمعنى متعارف عليه هو موضوع البحث والكتابة في المنهج. وقد يكون المنهج في الكتابات والتدوين، ولكنه أيضًا يكون خارجها. وقد يُكيّف أي بحث جدي منهجه مع طبيعة الظواهر التي يخوض في تشخصيها.

وأكّد المحاضر على أنّ المنهج مفارقٌ في العلوم الاجتماعية التي اقتُبس منها على الاجتماع العربي بصفة عامة؛ وهي العلوم الأورو-أميركية. فالعلوم الاجتماعية العربية مقتبسة، لكن يسكنها على الدوام هاجس الخروج من تلك التبعية، وهو ما تمثَّل في النداءات من أجل نزع الاستعمار في ميدان المعرفة، ومشاريع نقدية معروفة في المغرب الكبير والمشرق، أتى بعدها مشروعٌ أكثر راديكالية، على إثر التيار الذي نشأ بفعل كتابات إدوارد سعيد في الاستشراق، وفي غيره من المعارف.

وقد تمثّلت النقطة المحورية في مقاربة عبد الله حمّودي لسؤال المنهج في ما أسماه "النقد المزدوج"، الذي لا يتمثّل في نقد المعرفة الأورو-أميركية فحسب، وإنما بالرجوع النقدي أيضًا، وبنفسٍ طويل، إلى مقارنة ونقد الموروثَيْن معًا، أي الموروث العربي - الإسلامي والموروث الأورو-أميركي الذي انتشر عندنا بفعل الاستعمار وبفعل عوامل شتى، ومنها اليوم العولمة.

وتعد إحدى الخلاصات الأساسية التي خرج بها المحاضر هي أنّ سؤال المنهج يوجد في دينامية البحث، وليس في الكتابات المنهجية فحسب. ففي تلك المساحة ما بين تجربة البحث وما هو كلام عن البحث ومناهج البحث في التدوينات المكتوبة، يوجد الفضاء الذي يتمظهر فيه المنهج أيضًا، ويُطرح فيه سؤال المنهج باستمرار؛ سواء كانت تلك المناهج مقتبسةً، كما لاحظ، أو في محاولاتٍ لإيجاد البديل فيما بعد في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات في الكتابات العربية. على كلّ حال، هنا يظهر الشيء الذي يلحّ عليه، وهو "الهوّة" التي تمكّن المحاولات جميعها، وذلك من جرّاء الاقتباس، وحتمية الاقتباس، سواء كان هناك شعور بها من حيث إنها مشكل، أم لم يكن كما في التجربة المصرية الأولى.

والخلاصة أنّ تموقع المنهج في كتب المنهج وغيرها هي الظاهرة الأساسية لسؤال المنهج في الآن نفسه، وربما يكون هذا السؤال أكثر إبداعًا في الهوّة التي تتموقع كثيرًا بالصدفة خارج الكتابات المنهجية.