بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الثلاثون من الدورية العلمية المحكّمة سياسات عربية التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. وتضمّن باب الدراسات في هذا العدد خمس دراسات سلطت الضوء على قضايا نظرية وتطبيقية مهمة. ناقش عزمي بشارة في دراسته "في تطوّر مفهوم الديمقراطية التوافقية وملاءمتها لحلّ الصراعات الطائفية" "نموذجًا نظريًا" إشكاليًا يُعَرف بـ "الديمقراطية التوافقية" مستعرضًا البدايات الأولى لنشأة المصطلح، مع الماركسية النمساوية، مرورًا بنضوج معالمه التفسيرية عام 1969 في سياق نقاش عالم السياسة الهولندي الأميركي آرنت ليبهارت تصنيفات غابرييل ألموند للأنظمة السياسية الديمقراطية الغربية، قبل بلورته بوصفه "نظرية" يمكن تطبيقها على المجتمعات المنقسمة. كما قدم بشارة نقدًا بنيويًا للمصطلح واستعمالاته محاججًا بأن "الديمقراطية التوافقية" بدأت بوصفها سياسات عملية أملتها الضرورة قبل أن تصبح نموذجًا نظريًا، وأن إسهامات ليبهارت اللاحقة لا تعدو عن كونها عملية استقراء لتجارب عينية من دون أن تكون "نظرية"، ومن ثم، لا يعني مصطلح "تشارك السلطة" Power Sharing، بالضرورة، تحقيق الديمقراطية. وفي نهاية الدراسة، صاغ الباحث مجموعة ملاحظات نظرية عدة من شأنها أن تساعد في التمييز على نحو كافٍ بين التوافقية والديمقراطية التوافقية قبل أن يقارن مدى ملاءمة هذا "النموذج النظري" في حالتين؛ أوروبية (إيرلندا) وعربية (لبنان).

وكتب سلطان بركات وغسان الكحلوت دراسة مشتركة بعنوان "دروس مستفادة من تجارب الإنعاش ما بعد النزاعات المسلحة: نحو عمل عربي موحد" عرضت مراحل تطور مجال إعادة الإعمار بعد انتهاء النزاعات المسلحة والحروب؛ بدءًا من نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد حاول الباحثان استخلاص مجموعة من الدروس والعبر التي يمكن أن تفيد صناع القرار في العالم العربي الذي يشهد مجموعةً كبيرةً من النزاعات المسلحة. ولفتت الدراسة الانتباه إلى أن سياسة إعادة الإعمار لا بد من أن تكون وفق منظور عربي داخلي مختلف عن المنظور الغربي نظرًا إلى الاختلافات الجذرية بين الحروب القديمة والحرب الجديدة كتلك التي تشهدها دول عربية عدة. وطرحت ورقة مولدي الأحمر المعنونة بـ "النشاط النقابي وتحديات المرحلة الانتقالية في سياق ’الربيع العربي‘: مثال الاتحاد العام التونسي للشغل" موضوع تحديات المرحلة الانتقالية في تونس من منظور موقع الاتحاد العام التونسي للشغل وخصائصه ودوره في هذه العملية. ولأن النقاش في هذا الموضوع يستدعي بالضرورة بعض المفاهيم والفرضيات لنظريات المراحل الانتقالية في التحولات الثورية، فإن الباحث اختار الاشتغال بمفهوم المجتمع المدني، وذلك بعدما عرى بعض نقاط ضعفه ووسع سوسيولوجيًّا وأنثروبولوجيًّا، عن طريق بولياني وهابرماس، من مجال فاعليته الكشفية. في سياق موازٍ، تندرج دراسة عبد الرزاق المختار "في الهندسة الانتخابية للمراحل الانتقالية: انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس مثالًا" ضمن الاهتمام الذي حظيت به الظاهرة الانتقالية لدى مختلف الباحثين في حقل دراسات الانتقال، وتتناول ذلك من زاوية تركّز على المسألة الانتخابية غداة الثورة التونسية عام 2011. وتعتمد الدراسة مزاوجة منهجية بين المعطيين القانوني (النصوص الكبرى للمرحلة الانتقالية (و(السياسي) الحدث والفعل والخطاب السياسي، وتحلل مثالًا محددًا، هو انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، ساعيةً لتفعيل أداة مفهومية مستحدثة، هي مفهوم "الهندسة الانتخابية"، وإعمالها في التجربة الانتقالية في تونس. وتخلص الدراسة إلى أن الهندسة الانتخابية في تونس عبرت من الهندسة الانتخابية التسلطية إلى الهندسة الانتخابية الديمقراطية، وأنه كان ثمة خصوصية للهندسة الانتخابية للمرحلة الانتقالية الأولى، تأتّت من طبيعة مدخلاتها المجتمعية القائمة على نوعية الاستحقاق الانتخابي وتغيّر الفاعلين السياسيين والتحوّلات الطارئة على الحقل السياسي. وعلى غرار الأعداد الثلاثة السابقة له، تضمن العدد دراسة أخرى عُنيت بمعالجة أحد أبعاد الأزمة الخليجية. لذلك، سعى أحمد قاسم حسين في دراسته "الاتحاد الأوروبي والأزمة الخليجية: السياق ومواقف الفاعلين" إلى تحليل العلاقات الأوروبية - الخليجية، انطلاقًا من حالة الاعتماد المتبادل التي أوجدها اتفاق عام 1988، وما تبعه من تحولات في العلاقة. كما حاول الباحث اختبار تأثير الأزمة الخليجية في تأسيس سياسة خارجية فرعية أوروبية تجاه منطقة الخليج، مع تحليل سلوك الفاعلين الأساسيين في الاتحاد الأوروبي )ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا على الرغم من خروجها من الاتحاد(  إزاء الأزمة.

اشتمل العدد في باب الترجمة على ترجمة أعدّها الحسن مصباح لدراسة "الدولة العميقة: المفهوم الناشئ في علم السياسة المقارن" لباتريك أونيل. و"الدولة العميقة" مفهوم جديد برز خلال العقدين الماضيين في النقاش حول الأنظمة الاستبدادية والمضادة لليبرالية. وعلى الرغم من استخدامه المتزايد، بقي هذا المفهوم محدودًا بسبب افتقاره إلى الوضوح. لذلك تحاول هذه الدراسة المترجمة تحديد المفهوم أولًا، ومن ثم ربطه بعدد من المفاهيم الأخرى في حقل السياسة المقارنة، وتلقي بعد ذلك نظرة على حالات الدولة العميقة في تركيا وباكستان وإيران. وأخيرًا، تناقش الدراسة التحوّل السياسي والدولة العميقة، وكيف يمكن أن تتجلّى هذه الدولة عقبةً أمام التحول الديمقراطي.

وإلى جانب البابين المعتادين، وهما: توثيق أهمّ محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي، والوقائع الفلسطينية خلال المدة 1 تشرين الثاني/ نوفمبر – 31 كانون الأول/ ديسمبر 2017، تضمن العدد أيضًا في باب المؤشر العربي ورقة أعدّتها دانا الكرد بعنوان "التدين وتأثيره السياسي" واستخدمت فيها بيانات المؤشر العربي لعام 2016 لدراسة تأثير التدين الفردي في الرأي العام والسلوك السياسي. وبينت الباحثة بعد تحليل كمي عدم وجود أي صلة بين زيادة نسبة التدين الفردي والآراء السلبية نحو الديمقراطية، بل خلصت الدراسة إلى نتيجتين معاكستين؛ تتمثل الأولى في أن التدين على المستوى الفردي مرتبط بآراء أكثر إيجابية نحو الديمقراطية. أما الثانية فتتمثل في عدم وجود صلة بين التدين والمشاركة السياسية.

واحتوى العدد أيضًا مراجعتين لكتابين مهمّين، هما: مراجعة محمود عبد العال كتاب "’داخل الإخوان المسلمين‘: الدين والهوية والسياسة" لخليل العناني، الصادر عام 2016 عن Oxford University Press؛ ومراجعة خليل فضل عثمان كتاب "الانهيار: الآمال العريضة والفرص الضائعة في العراق" للمؤلفة إيما سكاي الصادر عام 2015 عن Atlantic Books, London. 


تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" دراسات ومراجعات مختارة متاحة للتنزيل من العدد الجديد (30) والعددين (29) و(28)، كما يمكنكم شراء باقي محتويات هذه الأعداد الثلاثة، فيما تتوافر محتويات الأعداد السابقة جميعها مفتوحة ومتاحة للتنزيل.