بدون عنوان

الدكتور سلام كواكبي مفتتحًا الندوة العلمية
الحضور المشارك في الندوة العلمية
عدد من المتحدثين في الندوة
جانب من الحضور المشارك
الدكتور برتران بادي محاضرًا في الندوة

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس ندوة علمية بعنوان العلاقات العربية - الأوروبية في الوقت الراهن، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بالعاصمة الفرنسية باريس، شارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب والأوروبيين. ويأتي ذلك في إطار نشاطات المركز الفكرية والأكاديمية الهادفة إلى تسليط الضوء على القضايا العربية الراهنة والعلاقات بالآخر، وضمن رؤية المركز وأهدافه التي تقوم على اهتمامه بالقضايا العربية من منطلق بحثي علمي، ودراسة علاقات العالم العربي ومجتمعاته بمحيطه، وتعزيز المعرفة وانفتاح الإنتاج الفكري العربي على أوروبا.

بدأت أعمال الندوة بكلمات افتتاحية ترحيبية ألقاها مدير المركز العربي في باريس، سلام كواكبي، الذي أكد أهمية هذه الندوة في هذا التوقيت حيث نحن أحوج ما نكون فيه إلى التقارب العلمي والأكاديمي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وتعريف الأوروبيين بالإنتاج العربي في مجال العلوم الإنسانية العربية والعكس.

وبدوره شكر فرانسوا بورغا المركز العربي على الثقة التي منحه إياها؛ باختياره رئيسًا لمجلس إدارة فرع باريس، وأشار إلى أهمية هذه الندوة في تعزيز المعرفة الفكرية والعلمية المتبادلة بين الدول العربية والأوروبية. وأكد في هذا السياق أهمية الخطوة التي قام بها المركز العربي بوضع العلاقات الأوروبية - العربية على أجندته البحثية؛ فهي خطوة مهمة وضرورية وتسهم في ردم الهوة في العلاقات الأوروبية - العربية، خاصة مع صعود الشعبوية والتطرف اليميني. كما أكد أهمية الدور الذي سيضطلع به المركز في عملية نقل الوعي والمعرفة الحقيقية بالمجتمعات العربية على اختلافاتها.

وجاءت كلمة طارق متري التي استعرض فيها تاريخ العلاقات الأوروبية - العربية التي بدأت مع مبادرة الحوار العربي - الأوروبي في سبعينات القرن الماضي، مستندةً أساسًا إلى السياسة التي انتهجتها فرنسا تجاه المنطقة العربية، وتبلورت بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، والأزمة النفطية التي صاحبتها. وأشار إلى أن هذا الحوار انطلق بمبادرة من الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو (1911-1974)، وكان طرفاه جامعة الدول العربية والمجموعة الاقتصادية الأوروبية. لقد استندت هذه المبادرة إلى مراجعة عميقة لطبيعة العلاقات العربية – الأوروبية، وإعادة تأسيسها على قاعدة المساواة واحترام مصالح. بالمقابل، كان لهذا الحوار بعد إستراتيجي مشترك يستند إلى محاولة إقامة تعاون عربي - أوروبي في وجه السياسة الأميركية في الشرق الأدنى. ثم عرج متري على التحول في مسار العلاقات الأوروبية - العربية من خلال مشاريع الشراكة، كعملية برشلونة وسياسة الجوار الأوروبية، وتأثيراتها في المنطقة العربية.

أوروبا والانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية

عالجت الجلسة الأولى من الندوة دور الاتحاد الأوروبي في الانتقال الديمقراطي الذي شهدته المنطقة العربية، وقد تناولت البحوث دور الاتحاد في عمليات التحول الديمقراطي؛ إذ استعرض الباحثون مسارات برشلونة 1995، وسياسة الجوار الأوروبية 2004، وسلطوا الضوء على دور الاتحاد في الانتفاضات الشعبية العربية التي اندلعت ابتداء من أواخر عام 2010، ولا سيما أنها كانت مفاجأة بالنسبة إلى أوروبا. وقد قارن الباحثون بين مواقف الاتحاد الداعمة للتحول الديمقراطي في شرق القارة ووسطها بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، ومواقف الدول الأوروبية من الانتفاضات الشعبية العربية؛ فقد كانت المواقف الثانية أشدّ تحفظًا، وأرجعها الباحثون إلى أسباب منها ما هو ثقافي، ومنها ما كان مرتبطًا بالمصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. فقد أدت هذه العوامل دورًا مهمًا في تحديد المواقف الأوروبية من قوى الثورة المضادة. وتطرقت البحوث المقدمة إلى تأثير العامل الأميركي ومكانة حقوق الإنسان في أجندة السياسة الخارجية للاتحاد. كما شملت الجلسة عرضًا لنتائج المؤشر العربي حول الديمقراطية، وتوجهات الرأي العام العربي نحو السياسات الخارجية للقوى الغربية.

وفي السياق ذاته، تناولت البحوث المقدمة في الجلسة الثانية دراسات حالة حول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في كل من تونس ومصر وسورية، وتأثيرها في العملية السياسية في هذه البلدان.

الأبعاد التنموية والاقتصادية الهجرة

تناولت الجلسة الثالثة الأبعاد الاقتصادية للعلاقات الأوروبية - العربية، وقد جادل الباحثون المشاركون بأنه لا توجد سياسة أوروبية مشتركة لإدارة العلاقات في بعدها الاقتصادي مع دول الجنوب؛ فهي سياسات تحركها وتوجهها مصالح الدول الأوروبية. كما ركزت البحوث على دراسة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع دول جنوب المتوسط، وخاصة اتفاقية الشراكة المميزة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بعد عشر سنوات من توقعيها. وتناولت البحوث عمليات إعادة الإعمار في سورية، ومسألة الأبعاد الديموغرافية للهجرة غير القانونية، ولوجود المهاجرين العرب في أوروبا؛ وقد فندت الأفكار المسبقة حول هذا الموضوع، وخلصت إلى تخبط النماذج التنموية التي اقترحها الاتحاد.

الاتحاد الأوروبي والقضية الفلسطينية

 خصصت الجلسة الرابعة من أعمال الندوة لدراسة القضية الفلسطينية التي تقع في صلب العلاقات العربية - الأوروبية. وقد أكد الباحثون المشاركون أن القضية الفلسطينية تبقى عاملًا مهمًا في صياغة العلاقات العربية – الأوروبية، وفي تشكيل وجهات النظر العربية نحو أوروبا، آخذين في الاعتبار الدور المحوري الذي أداه بعض الدول الأوروبية في مسار القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق في نظرة أوروبا إلى القضية الفلسطينية، فإن هذه النظرة لم تتحول إلى سياسات فعلية لدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، مقابل تعمق الشراكة الاقتصادية الأوروبية - الإسرائيلية. كما عالج الباحثون العوامل التي أعاقت تحول النظرة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية إلى سياسات فعلية، تعكس هذا التغير أو توازي مواقف الرأي العام الأوروبي المتقدم على حكوماته كثيرًا في هذا الشأن؛ وهو ما يحتاج إلى دراسة ومراجعة معمقتين توفرهما مثل هذه الندوات العلمية.

واختتمت أعمال الندوة بمحاضرة ألقاها برتران بادي؛ وأشار في بدايتها إلى أنه من غير الممكن تحليل النظام الدولي من خلال الاكتفاء بالنظريات التي صاغها الغرب، والتي تشكل ركيزة أساسية في تفسير القوى المحركة الخاصة بالسياسة الدولية في فهم النظم الإقليمية وتشكل الهوية، خاصة بعدما دخلت المجتمعات في اللعبة الدولية، وباتت الظاهرة الدولية ظاهرة اجتماعية بفعل العولمة. وفي هذا السياق، طالب بادي بضرورة طي صفحة الماضي في العلاقات الأوروبية – العربية، والبدء بتأسيس علاقات جديدة بعيدة عن التصورات السابقة التي استندت إلى نظريات العلاقات الدولية التي صيغت في الشمال من أجل فهم الجنوب. وأكد أهمية أن تتم دراسة مشكلات الجنوب وأزماته، انطلاقًا من الواقع الذي تعيشه شعوبه، لا انطلاقًا من رؤى الشمال ومصالحه.