بدون عنوان

عقد المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، فرع بيروت، ندوة إعلامية في العاصمة اللبنانية، عن نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2015 الذي نفّذه المركز في 12 بلدًا عربيًّا، شملت موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، والكويت. وقدّم العرض الدكتور محمد المصري، منسق وحدة الرأي العام في المركز العربي، وحضره جمهرة من الأكاديميين والباحثين وأساتذة الجامعات، ومندوبون من وسائل الإعلام المحلية. وتميزت الندوة بتفاعل المشاركين ومداخلاتهم ومقترحاتهم لتطوير آلية عمل المؤشر في المستقبل.

في بداية عرضه أشار الدكتور المصري إلى أنّ هذا هو رابع استطلاع ينجزه المركز العربي في الوطن العربي، ورأى أنّ أهم إنجاز للمؤشر العربي هو استمراره للسنة الرابعة على التوالي، وتنوّعه في تناول حوادث الساعة التي تهمّ المواطن العربي، سواء التطرف الديني المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والثورات العربية التي اندلعت في المنطقة العربية في عام 2011... إلخ. ودعا الدكتور المصري الباحثين إلى الإفادة من نتائج استطلاع الرأي الأوسع في المنطقة العربية، مؤكدًا استعداد المركز لتقديم المعلومات والبيانات التي يرغب فيها أيّ باحث، متمنيًا أن يجري الانتقال من مرحلة جمع البيانات وتصنيفها وترتيبها إلى مرحلة استخلاص الدارسين النتائج والتوقعات منها. كما أشار في معرض ردّه على مداخلات المشاركين واستفساراتهم إلى الصعوبات الجمّة التي واجهت الباحثين الميدانيين في جمع البيانات، وتنقّلهم مسافات طويلة لإنجاز أعمالهم. وشرح آلية التأكّد من هذه البيانات التي انخرط فيها القيمون على الاستطلاع، وشرح بإسهاب كيفية صوغ أسئلة الاستطلاع والآلية التي اتّبعت في ذلك؛ فالأسئلة لم تكن عشوائية وليدة لحظة أو هوى، بل خضع كلٌ منها لمعايير عدة.

أشار الدكتور محمد المصري في تقديمه إلى أنّ هذا الاستطلاع الجامع شمل 18311 مستجيبًا أجريت معهم مقابلات شخصية وجاهية ضمن عيّناتٍ ممثّلة لتلك البلدان، وبهامش خطأ يتراوح بين ± 2-3 في المئة. ويعادل مجموع سكّان المجتمعات التي نُفّذ فيها الاستطلاع 90% من عدد السكّان الإجمالي لمجتمعات المنطقة العربيّة. وأوضح الدكتور المصري أنّ هذا الاستطلاع الميداني أُجري بين شهرَي أيار/ مايو 2015 وأيلول/ سبتمبر 2015، ويعدّ أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربيّة، وتمثّل بياناته مصدرًا مهمًا لصنّاع القرار والباحثين والمهتمين بشؤون المنطقة العربية.

د. محمد المصري
أظهرت نتائج المؤشر العربيّ أنّ الرأي العام العربي شبه مجمعٍ (89%) على رفض تنظيم الدولة (داعش)، مقابل قلة (7%) أفادت بأنّ لديها نظرةً إيجابيةً جدًا أو إيجابيةً إلى حدٍ ما تجاهه. وبيّن الدكتور المصري أنّ الأخيرين لا ينطلقون من اتفاقهم مع ما يطرحه التنظيم من موقفٍ وآراء ونمط حياة؛ إذ إنّ نسبة المتدينين جدًا من هؤلاء شبه متطابقة مع نسبة غير المتدينين بينهم، ومتطابقة بين الذين يعتبرون أنّ الممارسات الدينية هي ممارسات خاصة يجب فصلها عن الحياة العامة ومن يعارضون ذلك. في حين أكّد نحو ثلث المستجيبين أنّ العوامل الدينية (التزام ديني، أو إعلان الخلافة) هي عناصر قوة داعش بين مؤيديه، في مقابل اعتقاد نصف المستطلعة آراؤهم أنّ العوامل السياسية هي عناصر قوة هذا التنظيم بين مؤيديه. على أنّ 22% يرون أنّ الاحتقان الطائفي في العراق وسورية هو السبب في نشوء هذا التنظيم، في حين يرى 11% أنّ السبب يعود إلى وجود أفراد متطرفين، و10% عزوا ذلك إلى التدخل الأجنبي في شؤون البلدان العربية، و10% إلى رواج تفسيرات وتأويلات متطرفة للإسلام.

أما في ما يتعلق بالأزمة السورية، فلا يزال الرأي العربي منحازًا إلى أنّ تغيير نظام الأسد هو الحل الأمثل في سورية بنسبة 62%، بينما رأى 12% أنّه يجب القضاء على الثورة والمعارضة كحلٍ أمثل، في حين رأى 8% أنّ الحل الأمثل هو حلٌ سلمي يشارك في التوصل إليه جميع الأطراف، و9% في القضاء على داعش ثم الحل السلمي بين أطراف الأزمة (معارضة، ونظامًا).

في ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، أظهرت النتائج انقسام الرأي العام بين 40% أيدوا الاتفاق، في مقابل 32% عارضوه. وينطلق المواطنون العرب في تأييدهم الاتفاق أو معارضته من تقييمهم سياسة إيران في المنطقة؛ إذ اتخذ 31% من المستجيبين مواقفهم المعارضة أو المؤيدة للاتفاق من موقفٍ رافض لسياسات إيران التدخلية في المنطقة وتهديدها أمن بعض الدول العربية. وجدير بالذكر أنّ 16% عارضوا الاتفاق بوصفه خضوعًا إيرانًيا للولايات المتحدة ويصبّ في مصلحة إسرائيل.

أما في ما يتعلق بالثورات العربيّة والربيع العربيّ، فأشار الدكتور المصري إلى أنّ النتائج أظهرت أنّ 34% من الرأي العامّ اعتبروها تطوّرات إيجابيّة، في مقابل 59% قيّموها تقييمًا سلبيًا بسبب الخسائر البشرية الكبيرة التي نجمت عنها، وعدم تحقيقها أهدافها، إضافةً إلى ما تسببت فيه من استقطاب سياسي حادّ وتدهورٍ للأوضاع الاقتصادية. غير أنّ 90% من هؤلاء لم يربطوا تقييمهم بالثورات نفسها، إنما بما أعقبها من الفوضى، والخسائر البشرية الفادحة، وانهيار مؤسسات بعض الدول.

جانب من الحضور في الندوة الإعلامية

على الرغم من ذلك، أشارت النتائج إلى أنّ الرأي العام لا يزال يحدوه التفاؤل بخصوص مستقبل الثورات العربية التي جرت عام 2011. إذ رأى 48% من المستجيبين أنّ الربيع العربي يمرُّ بمرحلةِ تعثرٍ، لكنّه سيحقق أهدافه في النهاية، في مقابل 34% يرون أنّه انتهى وأنّ الأنظمة السابقة عادت إلى الحكم. وفي هذا السياق، اعتبر أصحاب الرأي الأول أنّ التدهور الأمني في بعض البلدان، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والتدخّل الخارجي، وظهور الحركات المتطرفة، وتحريض قوى الأنظمة السابقة، وتحريض وسائل الإعلام، عوامل رئيسة أسهمت في تعثّر الربيع العربي.

وفي ما يتعلق بما يمكن اعتباره حالة "الاستقطاب" في المنطقة العربية، عبّر 57% من المستجيبين عن مخاوف محدودة أو كبيرة من زيادة نفوذ الأحزاب الإسلامية السياسية، في مقابل 36% لا تساورهم أيّ مخاوف منها، في حين أفاد 61% من المستجيبين بأنّ لديهم مخاوف من الحركات العلمانية في مقابل 33% نفوا وجود أيّ مخاوف منها.

كشفت نتائج المؤشر العربي أنّ الأوضاع الاقتصادية لمواطني المنطقة العربية أوضاع غير مرضية على الإطلاق؛ إذ رأى 48% من المستطلعة آراؤهم أنّ دخول أسرهم تغطّي نفقات احتياجاتهم الأساسية ولا يستطيعون أن يوفّروا منها (أسر الكفاف)، في حين أكّد 29% منهم أنّهم يعيشون في حالة حاجةٍ وعوز، ولا تغطي دخولهم نفقات احتياجاتِهم.

أمّا على صعيد اتّجاهات الرأي نحو الديمقراطية، فإنّ هنالك شبه إجماع؛ إذ عبّر 72% من المستجيبين عن تأييدهم النظام الديمقراطي، في مقابل 22% منهم عارضوه، في حين أفاد 79% منهم بأنّ النظام الديمقراطي التعدّدي هو نظام ملائم ليطبَّق في بلدانهم، في حين توافَق ما بين 61% إلى 75% على أنّ أنظمة مثل النظام السلطوي، أو نظام الأحزاب الإسلامية فقط، أو نظام قائم على الشريعة الإسلامية، ونظام الأحزاب الدينية، هي أنظمةٌ غير ملائمة لتطبَّق في بلدانهم.

على صعيد المحيط العربيّ، أظهرت النتائج أنّ 79% من الرأي العام العربيّ يرى أنّ سكّان العالم العربيّ يمثّلون أمّةً واحدةً، وإنْ تمايزت الشعوب العربيّة بعضها عن بعض، في مقابل 18% قالوا إنّهم شعوب وأمم مختلفة.

كما قيّمت أكثرية الرأي العام سياسات الولايات المتحدة وروسيا وإيران تجاه المنطقة العربية بأنّها سلبية، وكان تقييم هذه السياسات في هذا الاستطلاع أكثر سلبية من نتائج استطلاع 2014. بينما كان تقييم سياسات تركيا والصين أكثر إيجابية.

أمّا بالنسبة إلى الأمن القومي العربيّ، فأفاد 67% بأنّ إسرائيل والولايات المتّحدة هما الأكثر تهديدًا للأمن القومي العربيّ. ورأى 10% أنّ إيران هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن الوطن العربيّ. ومن الجدير بالذكر أنّ السعوديين، والأردنيين، واللبنانيين، والعراقيين، والكويتيين رأوا أنّ إيران هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن بلدانهم. وأظهرت النتائج أنّ 85% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل.

مع أنّ أغلبية المستجيبين هم من المتديّنين، ترفض أغلبية الرأي العامّ تكفير من ينتمون إلى أديان أخرى أو من لديهم وجهات نظر مختلفة في تفسير الدين. كما تشير النتائج إلى أنّ أكثريّة المواطنين ليس لديها فرقٌ في التعامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مع المتديّنين وغير المتديّنين. كما أنّ أغلبية الرأي العامّ ترفض أن يؤثّر رجال/ شيوخ الدين في قرارات الحكومة أو في كيفية تصويت الناخبين. وترفض الأكثرية أن تقوم الدولة باستخدام الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها، كما رفضت أن يستخدم المترشّحون للانتخابات الدينَ من أجل كسب أصوات الناخبين. وكشفت بيانات المؤشّر العربيّ أنّ الرأي العامّ في المنطقة العربيّة منقسمٌ بخصوص فصل الدين عن السياسة.