بدون عنوان

جانب من أعمال الندوة

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع تونس، بالتعاون مع مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية في المتوسط في كلية الآداب والفنون والإنسانيات - منوبة، ندوة دولية تحت عنوان "السياسي في البلاد الإسلامية: الفكر، الأنماط، الأماكن" خلال الفترة 08 - 10 تشرين الأول / أكتوبر 2015. وقد شهدت أعمال الندوة مشاركة نوعية لباحثين من الجامعات العربية والغربية، وتناولت المحاضرات العديد من المسائل المهمة في سياق فهم موقع "السياسي" في مسار الوقائع التاريخية للبلاد الإسلامية وفي الإنتاج الفكري لفلاسفتها ومفكريها.

مهدي مبروك

على امتداد ثلاثة أيام شملت عشر جلسات علمية، قدّم أزيد من أربعين باحثا متخصصا أوراقًا أثارت نقاشات عميقة بين المشاركين في الندوة، وتناولت محاور: المفاهيم والمصطلحات، جذور الفكر السياسي في البلاد الإسلامية، السلطة بين التنظير والواقع، الأخلاق والممارسة السياسيّة، الإرث الفكري الإسلامي وتنظيم الدولة، النخب والسياسة، الإسلام على مشارف الحداثة، عناصر النهضة، الإسلام واللّائكيّة، والإسلام والديمقراطيّة والحداثة.

ومثلما أوضحه الدكتور مهدي مبروك، مدير فرع تونس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في كلمة افتتاح الندوة، فإن الندوة سعت إلى "مساءلة العلاقة الملتبسة والمركبة بين الدين والسياسة في وقت أصبحت فيه بلاد الإسلام استثناء يثير الكثير من الغرائبية في ظلّ العنف المتصاعد وإضفاء غطاء الدين عليه".

محمد مختار الشنقيطي

من بين الأوراق التي قدمت في الندوة، ورقة "الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية» التي قدّمها الدكتور محمد مختار الشنقيطي، ولخّص فيها الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية في "تلك المفارقة الأخلاقية بين القيم السياسية التي جاء بها الإسلام والتجربة الإمبراطورية الإسلامية التي ابتعدت كثيرا عن تلك القيم. وقد خلَّفت هذه المفارقة ألماً ظاهرا على الجسد الإسلامي، وتشاؤما مُضمَرا في حنايا الضمير المسلم عبر القرون. وليس من المبالغة القول إن جميع مظاهر الحضارة الإسلامية، بما في ذلك وعْيها بذاتها وعلاقتها بالغير، اصطبغت بصبغة هذه الأزمة الدستورية».

 

ومن جانبه، طرح الباحث سالم العيادي سؤال «الملة والتدبير المدني في فلسفة المعلم الثاني أبي نصر الفارابي»، مناقشا إشكاليّة: كيف أمكن للفارابي الوصل بين البعد اللاّهوتيّ للملّة والبعد السّياسيّ للتّدبير المدنيّ؟ وفيم تتمثّل القرارات الفلسفيّة الأساسيّة الّتي اتّخذها الفارابي إنقاذا للعقل من كل توتر ممكن بين الأساس النّظريّ لوجود المدينة (الميتافيزيقا) وأساسها الملّيّ (اللاّهوت)؟

سالم العيادي

وقد اعتمد المحاضر على منهجيّة الشّرح الفلسفيّ للمتن الفارابي بناءً على المناقشة المباشرة لأهمّ القراءات الحديثة للفلسفة السّياسيّة وفلسفة الدّين عند الفارابي.

وناقش الباحث ياسين كرامتي أحد روافد "السياسي" في التراث الإسلامي وهي السلطة التي تنشأ للولي بفعل اتساع قاعدة المريدين. ركزت محاضرته التي كانت بعنوان: "الولي والفقيه والسلطان. مقاربة أنثروبولوجية لعلاقة الولاية بالسياسة" على دراسة نموذج الولي سيدي بوعلي الذي عاش في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ميلادي، ويحتل مكانة هامة لدى سكان الجنوب التونسي؛ وقد ذاع صيته حتى أن لزاويته الرئيسة في مدينة نفطة أتباعا كثيرين يأتونها من خارج تونس. وأضحى لسيدي بوعلي - الذي يطلق عليه لقب سلطان الجريد - مكانة مركزية في الثقافة الشعبية وفي تاريخ نفطة والجنوب التونسي.

 ياسين كرامتي

وانطلاقا من هذا المعطى، قدمت الورقة تحليلًا لتركيبة الأبعاد الثلاثية المعقدة التي كونتها هذه الشخصية وهي: الولي والفقيه والسلطان. وأظهر الباحث إعادة الإنتاج الجماعية لهذه الأبعاد الثلاثة لدى والتي تجمع بين النماذج الأولى للتصوف الإسلامي والفقه والسلطة من جهة، وبين إبداعات المخيال الاجتماعي من جهة ثانية، وذلك من خلال دراسة حالة سيدي بوعلي.

وقد أثنى الدكتور مهدي مبروك، مدير فرع تونس للمركز العربي، على علاقة التعاون والشراكة والتفاعل التي ربطت المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس بمخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط التابع لكلية الآداب والفنون والإنسانيات منوبة، متمنيا لهذا التعاون أن يتعمق ويتواصل مع مؤسسات التعليم العالي.

إبراهيم جدلة

ومن جانبه، أكد الدكتور إبراهيم جدلة رئيس مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط التابع لكلية الآداب والفنون والإنسانيات منوبة على أهمية الشراكة التي جمعت المخبر بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس وعن التعاون للامحدود الذي وجده عند التحضير لهذه الندوة، مشيرا إلى الثراء الذي ميز الأوراق المقدمة في جلسات الندوة والتي انتقتها اللجنة العملية للندوة من بين أزيد من 100 مقترح بحثي تلقته.