بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثاني والستون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، التي تعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كل شهرين. استُهل العدد بملف خاص بعنوان "الدبلوماسية المائية والنزاعات المائية العابرة للحدود: مقدمات نظرية وحالات عربية"، اشتمل على تقديم لمحرر الملف محمد السعيدي، وضمّ ست دراسات نظرية وتطبيقية. وتضمّن توثيقًا لأهم محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز محطات التحول الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، ومراجعة كتاب.

افتُتح العدد بتقديم لمحمد السعيدي بعنوان "المياه العابرة للحدود في المنطقة العربية: من النزاع إلى تقاسم المنافع والتعاون الإقليمي"، أشار فيه إلى أن هذا العدد الخاص يجمع إسهامات تهدف إلى فهم تحدّيات التعاون في ملف المياه العابرة للحدود وآفاقها في المنطقة العربية، مؤكدًا أن تعاون المنطقة العربية على مستوى المياه أمرٌ لا غنى عنه، عبر استراتيجيات أكثر انخراطًا في مجال دبلوماسية المياه والتعاون الإقليمي. مع ذلك، يرى السعيدي أن دبلوماسية المياه وحدها لا تكفي لحلّ مشكلات المياه المتعدّدة الأوجه في المنطقة، فكثيرٌ من هذه المشكلات نتجت من عقود من الفشل في تطوير الإدارة المستدامة للمياه، وتنميتها على المستوى المحلي.

وبيّن حسام حسين وزوي كامبل وجوزفين ليذر وباتريك رايس، في دراستهم بعنوان "دبلوماسية المياه: ما أهميتها؟ وكيف تعمل؟"، أنّ مشاركة 153 دولة في الموارد المائية العابرة للحدود تحتم على الدول إدارة هذه الأنهار والبحيرات وطبقات المياه الجوفية على نحوٍ تعاوني. وأكد الباحثون ضرورة اتباع نهج منسق من خلال دبلوماسية المياه لتجنب تفاقم الصراعات بين الدول حول قضايا المياه، مشيرين إلى أن هذه الدبلوماسية تتجاوز مفاهيم التعاون التقليدي بين الدول في مجال تنظيم قضايا المياه العابرة للحدود. وتعتمد دبلوماسية المياه، وفقًا للباحثين الأربعة، على أربعة عناصر: فهم متفق عليه للبيانات، وبنية إدارة فعالة، ومشاركة عامة ومشاركة أصحاب المصلحة، ودعم طرف ثالث.

ورأى جوني عاصي في دراسته بعنوان "دور محكمة العدل الدولية في تطور القانون الدولي للمياه" أنّ عددًا متزايدًا من الدول في العالم يلجأ إلى محكمة العدل الدولية لحل نزاعاته المائية؛ وهذا تطور إيجابي يُحسب للمحكمة، لأنه يسمح لها بوضع معايير عادلة لاستخدام الممرات المائية وتحسينها والمساعدة في حل النزاعات المائية بين الدول. وأشار عاصي إلى أنه من المهم عدم تحييد القانون الدولي ومبادئه من أجل إيجاد حلول لمشاكل المياه المتفاقمة بين الدول، فمحكمة العدل الدولية لا تستند إلى المبادئ فحسب، بل تستند أيضًا إلى قرارات الجمعية العامة، أي إلى القانون الليّن إذا أرادت تطوير القانون الدولي.

وأوضح عبد الكريم داود، في دراسته بعنوان "النزاع العراقي – السوري – التركي على مياه دجلة والفرات: قراءة جيوبوليتيكية"، أنّ النزاع العراقي – السوري - التركي حول مياه نهرَي دجلة والفرات، له جذور تاريخية وسياسية طويلة، ولا يرتبط بحجم ما يتوافر طبيعيًّا من مياه في النهرين بقدر ارتباطه بتباين سياسات الدول الثلاث في إدارة الموارد المائية. وخلص الباحث إلى حتمية التفاوض بين الدول الثلاث من أجل إدارة الموارد المائية المشتركة لدجلة والفرات، لأنّه ليس من مصلحة تركيا أن تتجاهل مصالح دول المصبّ، ثمّ إنّه ليس في قدرة سورية والعراق تحقيق أيّ نتائج عملية تخصّ حقوقها المائية من دون التفاوض ومن دون الدبلوماسية المائية.

أما محمد السعيدي ومحمد بشير فقد اعتمدا، في دراستهما بعنوان "نحو فهم للصراع المائي في شرق النيل: قضية سد النهضة والمفاهيم الخاطئة الشائعة"، على النزاع في شرق النيل، لتحديد مفاهيم خاطئة شائعة ترتبط بالنزاع الدائر حول بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير. ويرى الباحثان أن هذا النزاع المائي يتجاوز القضايا التقنية الخاصة بتشغيل السد، وينطوي على قضايا أكبر ترتبط بحقوق استخدام المياه والتنمية الوطنية وتقلّب المناخ وتغيّره، وهو جزء من السياسات المائية الإقليمية المعقّدة التي تشارك فيها جهات فاعلة جديدة. وتُظهِر الأدلّة الأكاديمية الحديثة أنّ مصر والسودان وإثيوبيا تواجه حقائق تفاوضية فريدة، وتأثيرات بيئية متفاوتة للنزاع في سد النهضة.

وركّز غسان كحلوت، في دراسته بعنوان "ملف المياه في مصر: أزمة مركّبة واستجابة قاصرة"، على خمس مشكلات تساهم في تفاقم الأزمة المائية في مصر، برزت منذ بدء إثيوبيا في بناء سد النهضة، وهي الزيادة السكانية، واستهلاك المحاصيل كميات كبيرة من المياه، وعدم نجاعة نظم الريّ، والهدر المائي، والتلوث بأنواعه. وأوضح أنّ استجابة الحكومة المصرية لتلك المشكلات لا تحقق الهدف المنشود بدرجة كافية، ويرجع ذلك إلى خلل في السياسات وتصميمها ونقص في التنسيق بين الجهات المختلفة المعنية في الدولة، والتنسيق مع أصحاب المصلحة أيضًا، وعدم مراعاة التأثير المتبادل أو الممتد بين قطاع المياه وعدة قطاعات أخرى، مثل الغذاء والبيئة والطاقة والاقتصاد والقانون.

وبيّن حسين عبد المنعم عميري، في دراسته بعنوان "الليطاني نهرًا جامعًا بين الطوائف: نحو إعادة بناء فضلى في لبنان"، أنّ الهشاشة السياسية والاستجابة الحكومية غير الكافية في لبنان، مع النظام الطائفي والحرب الأهلية والفقر المدقع، عوامل أسهمت في تعزيز عدم التوصل إلى صيغة لحل أزمة لبنان المائية. وأكّد على الحاجة الملحّة لتنمية مستدامة وإعادة إعمار متوازنة في لبنان، من خلال تطبيق حلول متكاملة وحوكمة فعّالة للماء والأرض. وأشار إلى ضرورة تبنّي سياسات لتعزيز الاستخدام الفعّال للموارد الطبيعية وإيجاد تقنيات مبتكرة لبناء مرونة تجاه تغير المناخ، مثل خدمات الاستشعار عن بعد وتحسين جمع مياه الأمطار وتعزيز رطوبة التربة.

وفي باب "التوثيق" اشتمل العدد على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 آذار/ مارس - 30 نيسان/ أبريل 2023. وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّ خالد تركي الخالدي مراجعة لكتاب "القرن الأفريقي عمقًا استراتيجيًا خليجيًا" لمدوخ عجمي العتيبي.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.