بدون عنوان

المحاضرة
المحاضرة
الدكتور غسان أبو ستة
الدكتور غسان أبو ستة
من المحاضرة
من المحاضرة
الدكتور أحمد حسين مقدما المحاضر
الدكتور أحمد حسين مقدما المحاضر
الدكتور عزمي بشارة، مدير المركز العربي والدكتور عبد الوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا وعدد من الأساتذة الحضور
الدكتور عزمي بشارة، مدير المركز العربي والدكتور عبد الوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا وعدد من الأساتذة الحضور

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، في مقر المركز في الدوحة، يوم الثلاثاء 5 كانون الأول/ ديسمبر، الطبيب والجرّاح الفلسطيني غسان أبو ستة، الأستاذ المشارك في علم الجراحة، وأحد الأطباء الذين عملوا في مستشفيات قطاع غزّة خلال الحروب الأربع الأخيرة، الذي قدّم محاضرة بعنوان "تدمير القطاع الصحي في غزة: مواجهة الكارثة والتهجير"، وأدارها أحمد قاسم حسين، الباحث في المركز.

استهلّ أبو ستة محاضرته بالإشارة إلى أن ما يجري اليوم في فلسطين من حرب إبادة، أو كما سمّاها بـ "حرب بيني موريس الثانية"، التي تهدف إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه، يقابله مجهود خارق تبذله الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف والتمريض الفلسطينية، مشيرًا إلى ارتباط النضال الفلسطيني بالعمل الطبي، فمقاومة الطواقم الطبية خلال الحرب الجارية، تُعدّ امتدادًا لمسيرة طويلة بدأت بعد نكبة عام 1948.

ثمّ أشار أبو ستة إلى أنّه يمكن قراءة هدف الحروب الإسرائيلية على قطاع غزّة من خلال الإصابات التي تُحْدثها آلة الحرب. ففي حرب عام 2008-2009، جُرّب جيل جديد من القنابل الفسفورية، وفي حرب عام 2014، جرى استهداف العديد من الأبراج السكنية لتباد عائلات بأكملها. وباسترجاع أنواع الإصابات التي شهدها الجسد الفلسطيني خلال الثلاثة وأربعين يومًا الأولى من عمر الحرب الجارية، يلاحظ أبو ستة، بناءً على خبرته الميدانية، أنّ إلقاء قنابل ثقيلة يصل وزنها إلى ثلاثة أطنان على مبانٍ سكنية تكثّف خلال هذه الحرب. وفي وقتٍ لاحق، لوحظ وصول إصابات بحروق بليغة تزيد نسبها على حرق 50 في المئة من الجسم من دون وجود أيّ شظايا أو كسور، ما يدلّ على استخدام قنابل حارقة Incendiary Bombs. وإضافةً إلى هذين النوعين من الأسلحة، لاحظ أبو ستة عودة إسرائيل إلى استخدام قنابل الفسفور الأبيض في استهداف أبراج الكرامة ومخيم الشاطئ. وشهدت الحرب أيضًا استخدام جيل جديد من الصواريخ الأميركية الموجّهة هيلفاير Hellfire، التي تتفتت عند انفجارها إلى شرائح حديدية تؤدي إلى بتر الأجسام الموجودة في المكان، والتي استُخدمت أوّل مرة خلال هذه الحرب في مجزرة المستشفى المعمداني. ثم ظهر استخدام المسيّرات القاتلة (كوادكابتر Quadcopter) في الأسواق وباحات المستشفيات.


أما بخصوص استهداف المستشفيات فبيّن أبو ستة أنّ استهداف القطاع الصحّي يأتي جزءًا من سياسة خلق الكارثة بتفكيك كل مفاصل الحياة، من منظومات الصرف الصحي ومحطات تحلية المياه وخلايا الطاقة الشمسية والمخابز، ومن ثمّ استهداف سيارات الإسعاف والطواقم الطبية عمدًا، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 280 طبيبًا ومسعفًا وممرضًا، سواء خلال تأديتهم الخدمة أو عند عودتهم إلى منازلهم. وهو أمر يرتبط بالمساعي الإسرائيلية لخلق كارثة تجعل آلة التطهير العرقي مستمرةً حتى بعد انتهاء الحرب؛ فقتل أكثر من عشرين ألف فلسطيني، ثم إصابة أكثر من أربعين ألفًا آخرين وتركهم يموتون ببطء، يعملان على ابتزاز عائلاتهم بعد وقف إطلاق النار، لدفعهم إلى مغادرة قطاع غزّة. ويرى أبو ستة أنّ ظهور السردية الإسرائيلية عن احتواء مستشفى الشفاء على أنفاق ومقارّ القيادة والسيطرة للمقاومة الفلسطينية، دلَّ على قرار إسرائيل استهداف القطاع الصحّي. وقصف المستشفى المعمداني كان بمنزلة اختبار لتجاوب المجتمع الدولي مع الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي، وتبعه استهداف أربعة مستشفيات للأطفال، ومحاصرة مستشفى الشفاء والتمثيل بالأطفال الخُدّج.

وفي ختام المحاضرة، أشار أبو ستة إلى أنّ هذه الحرب، بيّنت تأييد المجتمع الإسرائيلي الذهاب نحو الحل النهائي Final Solution للقضية الفلسطينية، من خلال القضاء على الفلسطينيين في قطاع غزّة، بالقتل والتدمير أولًا، ثم بالتهجير لمن نجا، وتكرار ذلك مع فلسطينيّي الضفّة الغربية والداخل، وهو ما تُفشله مقاومة الغزيّين وصمودهم. فرغم عالم الموت الذي تخلقه إسرائيل، هناك مقاومة يومية للإجرام والموت المستمرَّين، ليست عسكرية فقط بل مدنية، من خلال التعاضد المجتمعي المتمثل في استضافة الناس لأقربائهم وحتى لغرباء في بيوتهم، ورفض الغزّيين ذلّ اللجوء، وهو ما يفسّر بقاء نحو 800 ألف فلسطيني في شمال القطاع. وحتى أثناء الهدنة المؤقّتة، عاد عدد من الغزّيين من مصر إلى داخل قطاع غزّة، وحاول الفلسطينيون النازحون من شمال القطاع إلى جنوبه، العودة إلى بيوتهم. وختم أبو ستة بأنّ قطاع غزّة سيتعافى من آثار الحرب في الأعوام القادمة، إذا أتيحت له الفرصة.

وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، إضافةً إلى الجمهور الحاضر في قاعة الندوة، وعن بُعد، عبر منصات التواصل الاجتماعي.