تواصلت يوم الاثنين 29 نيسان/ أبريل 2024 في الدوحة أعمال مؤتمر "المؤسسات والتنمية في الدول العربية: التحديات والفرص" الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. بالشراكة مع المعهد العربي للتخطيط. وانعقدت في اليوم الثاني من المؤتمر أربع جلسات ضمن جدول أعمال المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام.
في الجلسة الرابعة من المؤتمر، بعنوان "حوكمة المؤسسات في سياق الصراعات"، قدم رئيس الجلسة، موسى علاية، الأستاذ المشارك في معهد الدوحة للدراسات العليا ومدير تحرير دورية "حكامة" الباحثين المشاركين. بدأت العروض بورقة لربى محمد علي العكش، مديرة مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية بجامعة اليرموك في الأردن، كتبتها بالمشاركة مع صالح محمود علي بازي ونادين الصادق ونور تيسير، بعنوان "من المنزل إلى المأوى: إعادة تقديم المبادرات الإنسانية في الشرق الأوسط من أعلى إلى أسفل"، بحثت في طبيعة المبادرات الإنسانية التي تهدف إلى تمكين مجتمعات اللاجئين، بالتركيز على السياق الأردني. واستعرضت الصعوبات الهيكلية في هذا السياق، ومنها ضعف الحساسية الثقافية. وباعتماد منهج البحث الأرشيفي، بيّنت الفجوة بين مزوّدي الخدمات الإنسانية واللاجئين؛ ما يؤثر في فعالية المبادرات الإنسانية. وأوصت بإعادة النظر في الاستراتيجيات المستخدمة في الدعم الإنساني وإعطاء الأولوية للحساسية الثقافية، والتعاون مع المشاركين، آملةً أن يُتّبع نهجٌ أكثر فعاليةً واستدامة لتمكين اللاجئين.
ثم قدّم محمد مصطفى العبد الله، الباحث بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ورقته "مدى تطبيق مؤسسات التمويل الأصغر لقواعد الحوكمة المؤسسية في البلدان المتأثرة بالنزاعات: حالة سورية"، تتبع فيها مسألة تطبيق مؤسسات التمويل الأصغر لقواعد الحوكمة المؤسسية، مبرزًا المعوقات التي تحول دون التزام هذه المؤسسات بذلك، وقدم تقييمًا لتأثير الامتثال لهذه القواعد في استدامة تمويل المؤسسات. وقد كشفت نتائج الدراسة انخفاض مستوى تطبيق قواعد الحوكمة عمومًا لدى هذه المؤسسات، وأرجع ذلك إلى عدة تحديات داخلية تواجهها. وأظهر تحديات خارجية تؤثر في الاستقرار النسبي لبيئة عمل المؤسسات في مناطق النزاعات، منها تراجع دعم المانحين؛ ما يحد من استدامة أنشطتها في المستقبل.
وعرضت آراء الجرماني، الباحثة في المعهد الهولندي متعدد التخصصات لدراسات الديموغرافيا، ورقتها "نقد مؤسسات ومنظمات الإعمار المجتمعي: العواقب غير المرئية للحرب، الأسرة السورية نموذجًا". وبتقييمها لتناسب سياسات المنظمات الناشطة في إعادة الإعمار الأسري والمجتمعي، تساءلت الباحثة عن قدرة المنظمات الأهلية العاملة على الأرض المدعومة من المنظمات الغربية على تأمين الاحتياجات المجتمعية والأسرية في سورية. وبينت أن الأسرة السورية قد عانت إشكالات هدّدت بنيانها. ودعت الباحثة لإنشاء المزيد من المؤسسات القادرة على إنجاز مشروعات تناسب السياق المجتمعي السوري، وأوصت بإيجاد مراكز ونقاط دعم أسري ثابتة، تعمل مع المدارس المحلّية والأسر، بما يدعم القيم الإيجابية في المجتمعات.
وفي الجلسة الخامسة، التي ترأستها عائشة البصري، الباحثة بالمركز العربي، حول "المؤسسات وتحدي التغيير المناخي في الدول العربية"، قدم نصر الدين مزاري، الأستاذ بجامعة زيان عاشور الجزائرية، ورقته "التحول الرقمي بوصفه خطوة استراتيجية لتعزيز الحوكمة المؤسساتية"، طرح فيها قراءة نقدية للتوجهات الحديثة لتحسين ممارسات الحوكمة المؤسساتية باعتماد الذكاء الاصطناعي، وتنظر في التحديات والفرص التي تتيحها الحوكمة المؤسساتية القائمة على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، مرّكزة على جوانب التنمية المؤسساتية القائمة على التحول الرقمي في حالتَي قطر والإمارات. وقد أظهرت الورقة أهمية تعزيز آليات الشفافية والمساءلة المتعلقة بقرارات المؤسسات. وأوصت بضرورة تقييم المخاطر الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
تبع ذلك تقديم سفيان الطيب محمد عبد القادر، الأستاذ المشارك بجامعة السلطان قابوس العمانية، ورقةً بعنوان "تغير المناخ، وخفض الكربون، والتحول للطاقة النظيفة في الدول العربية". استعرض فيها التقدّم المحرز في خفض الكربون في 13 حالة من الدول العربية، كاشفًا عن ملامح التفاعل بين العوامل الاقتصادية والعوامل المؤسسية المتصلة بالحوكمة. وبيّن وجود تباين كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والمتغيرات الرئيسة الأخرى؛ ما يشير إلى الحاجة إلى تحليل شامل. وقدّم رؤية عن العلاقات المعقّدة بين العوامل الاقتصادية، والحوكمة، واستهلاك الطاقة، والتحضّر، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الدول العربية، آملًا أن يسهم في بلوغ تقدّمٍ في جهود خفض الكربون، تحقيقًا للنموّ الاقتصادي المستدام وحماية البيئة.
واختتمت الجلسة الباحثة منارة بابكر حسن الطيب، بورقة "آليات حوكمة المناخ ودورها في تعزيز الهجرة النسوية في السودان: شمال كردفان نموذجًا". وركزت فيها على أثر التغير المناخي في أوضاع المرأة السودانية في المجتمعات الريفية، وإن كان للحوكمة المناخية المنبثقة من آليات الأمم المتحدة أثر في تمكين المرأة ومعاونتها على التصدي لتداعيات التغير المناخي، وتحقيق الأمن الغذائي وإرساء السلام في مناطق النزاع. وخلصت إلى عجز المشروعات عن طرح حلول جذرية لمشكلات التغيرات المناخية، وأن الظروف التي مرت بها النساء قد طورت وعيهن، وعززت تطلعهن إلى حياة أفضل بالنأي عن الصراع وإيثار الهجرة. وأشارت إلى وجود عوامل أخرى عززت هجرة النساء، من أهمها الصراع في السودان وتبعاته على الأوضاع القانونية للمهاجرات في بلدان المقصد.
وفي الجلسة السادسة حول "دور المؤسسات في استدامة الموارد وحوكمتها"، والتي ترأسها عبده موسى البرماوي، الباحث بالمركز العربي، بدأت العروض بورقة "الأمن المائي العربي بين الإدارة المؤسساتية والإرادة السياسية: حالة سورية"، استعرض فيها أحمد حج أسعد، مدير منظمة جيو إكسبرتيز بجنيف، أوضاع الموارد المائية في منطقة سهل الغاب في سورية الوسطى كحالة دراسة. وعبر عمل ميداني، أظهر الباحث تأثير الإرادة السياسية في عمل المؤسسات الفنية والتشريعية ذات الصلة بالموارد المائية. وقد تتبع أوجه القصور السياسي في المؤسسات، ومنها تجاوز أصحاب المناصب التشريعات المائية، لتكوين قاعدة شعبية لهم، فضلًا عن ممارسات الفساد. وقد كشفت حالة الدراسة عن تقلب الإرادة السياسية للأنظمة المتعاقبة في إدارة تلك الموارد. وأظهرت أيضًا التأثير السلبي لرأسمالية المحاسيب واستخدامها الموارد المائية أداةً لتعزيز السلطة السياسية في البادية السورية. وأوصى الباحث بضرورة إيجاد آلية تضمن استقلالية إدارة الموارد المائية عن الإرادة السياسية.
وقدّم هيوا علي عمر، مدرّس في كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، في جامعة صلاح الدين بأربيل، ورقته "التحليل السوسيولوجي لعدم المساواة المؤسسية في إقليم كردستان العراق"، وكشف أن عدم المساواة في المنطقة الكردية في العراق ظل يتشكل من خلال ديناميات مؤسسية، وأن عدم المساواة القائم في داخل مؤسسات حكومة الإقليم جاء نتاجًا لتدخلات من الأحزاب الحاكمة؛ إذ أثّرت في الهياكل التنظيمية، وعمليات صنع القرار، والإجراءات القانونية. فكان استغلال الأحزاب السياسية المؤثّرة في المنطقة الكردية في العراق وهيمنتها على المؤسسات يرسّخ أوضاع عدم المساواة. وأوصى الباحث بضرورة ضمان الامتثال للّوائح والقوانين، مع تشجيع السلوك الأخلاقي داخل تلك المؤسسات.
ثمّ قدم منير بن محمد الجراية، الأستاذ المساعد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صفاقس، تونس، ورقته "أزمة المياه في سياق مناخي واقتصادي صعب بالبلاد التونسية: التبعات والتحديات المستجدة". استعرض فيها الأزمة، كاشفًا عن تداخل تأثيراتها مع استفحال تردّي الواقع الاقتصادي والاجتماعي. واستعرض من خلال المعطيات الرقمية ما رآه مسؤولية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه عن هذه الأزمة؛ بسبب وضعيتها والتدابير التي اتخذتها في إدارتها، وبما أثر في حياة السكان وأحدث خللًا في الأمن الغذائي، وزاد من هشاشة الأوضاع الاجتماعية.
واختتم الجلسة، الباحث عبد الرحمن سليمان رشوان، الأستاذ المساعد بقسم العلوم الإدارية والمالية، بالكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا بغزة، بتقديم ورقته عبر الإنترنت، وقد تناول فيها "دور استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تعزيز إطار الحوكمة الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة الخضراء". فبين، استنادًا إلى آراء المستجيبين، تأثير استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تعزيز إطار الحوكمة الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة الخضراء. وأظهرت الدراسة أن الشركات الصناعية المدرجة في بورصة فلسطين قد عملت على تعزيز الحوكمة الرقمية، رامية من ذلك إلى تحقيق غايات التنمية المستدامة وبخاصة ترشيد استخدام الموارد الطبيعية والمحافظة على المحيط البيئي.
في الجلسة السابعة، التي ترأستها العنود آل خليفة، الباحثة بوحدة دراسات الخليج بالمركز العربي، طُرحت ثلاث أوراق تعالج موضوع الحوكمة والاستدامة في إطار المشكلات الحضرية. بدأت الجلسة بورقة لعلي عبد الرءوف، أستاذ العمارة والعمران وتخطيط المدن، بعنوان "نحو نموذج تنموي مستدام في المدن الخليجية: التحول إلى الاقتصاد المعرفي وتحدياته". حاول فيها طرح قراءة جديدة لمستقبل مدن الخليج تتجاوز الاعتماد على النفط والتحضر غير المسبوق. واستعرض الدور المعاصر للاقتصاد القائم على المعرفة في الأداء التنموي من خلال طرح مقارن لدول الخليج العربية، وبيّن توجهات التنمية الحضرية القائمة على المعرفة في هذه المدن وتأثيرها في إعادة صياغة أولويات التنمية والاستثمار والتنافسية وحوكمة منظومة التخطيط.
أما محمود زايد عبد الله زايد، المدرس بقسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، فتناول في ورقته "الحق في المدينة بين النظرية والتطبيق: الإسكان البديل نموذجًا". واستعرض فيها استراتيجيات مصر نحو تحقيق عدالة السكن، من خلال أنماط السكن البديل، والتحديات التي تواجه السكان في المشروعات السكنية ببعض مناطق القاهرة. وخلص إلي وجود أنماط ثلاثة صمّمتها الدولة بغية تحقيق عدالة السكن. وبيّن ارتفاع مستوى رضا السكان عن السكن البديل، وإن بقيت عدّة تحديات ، منها التحديات الأمنية، وتدهور الحالة البيئية داخل النمط التقليدي من السكن البديل.
واختتمت عروض الجلسة بورقة لمروة صبحي محمد منتصر، مدرِّسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، عن "تأثير حوكمة المناخ المتعددة المستويات في الصين في سياسات الاستدامة المحلية الحضرية: دراسة حالة برنامج المدينة المنخفضة الكربون (شنتشن نموذجًا)". استعرضت فيها الباحثة طبيعة الحوكمة المتعددة المستويات، وكيف أفرز تطبيقها مفاهيم تحليلية جديدة: كالاستبدادية المجزأة والاستبدادية المرنة. وخلصت إلى أن حالة مدينة شنتشن استطاعت أن تحقق مستوى عاليًا من السياسات البيئية وخفض انبعاثات الكربون، في ظل الالتزام بعدم الانفصال عن الحكومة المركزية في اتخاذ القرارات وتنفيذها. وشهدت مستوى عاليًا من المشاركة الجماعية، في مسعى لإنجاز التنمية الحضرية منخفضة الكربون.