بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الرابع والأربعون (ربيع 2023) من دورية عُمران للعلوم الاجتماعية، الذي تضمّن دراسات متنوعة المواضيع، تتعلق بالثقافة السياسية لدى الشباب النوبي في مصر، والثقافة السياسية والتصدعات الاجتماعية في الجزائر، واتجاهات البحث السوسيولوجي واستخدامات بخور اللُبان في سلطنة عمان، إضافة إلى دراسة مترجمة عن السوسيولوجيا النقدية والسوسيولوجيا التداولية للنقد، ومراجعتَي كتابين.

استُهِلّ العدد بدراسة لأحمد عبد الموجود الشناوي، عنوانها "الثقافة السياسية لدى الشباب النوبي في مصر: الحراك النوبي نحو قضية العودة نموذجًا"، تسعى لمعرفة الدور الذي أدته الثقافة السياسية للشباب النوبي في إثارة الحراك النوبي تجاه العودة إلى النوبة القديمة، ومدى تحقيق هذا الحراك أهدافه، وإن كانت المشاركة فيه قد ارتبطت بمستوى الوعي والثقافة السياسية، وتحاول الوصول إلى تصور الشباب النوبي لكيفية تنفيذ العودة. وهي دراسة تعتمد على أدوات البحث الأنثروبولوجي في جمع مادة كيفية، وتعتمد في تحليل بيانات تلك المادة على مدخل تأويل الثقافة عند كليفورد جيرتز. وقد خلصت إلى أن القيم السياسية التي نشرتها ثورة 25 يناير أدت إلى بزوغ بوادر ثقافة سياسية جديدة لدى الشباب النوبي، أسهمت في إحياء قضية العودة، لكنها توصلت إلى أن هؤلاء الشباب لا يملكون حاليًّا من الأدوات ما يسمح لهم بإدارة هذه القضية.

أما دراسة عبد القادر عبد العالي، وعنوانها "الثقافة السياسية، والتصدّعات الاجتماعية، والديمقراطية: دراسة حالة الجزائر"، فتبحث في كيفية تأثير توجّهات الثقافة السياسية في العلاقة بين التصدّعات الاجتماعية والتحوّل الديمقراطي في الجزائر، معتمدةً على معالجة المعطيات الإحصائية لمؤشّرات مسح القيم في العالم WVS، وعلى تقارير مؤشّرات الديمقراطية العالمية. وتجادل الدراسة بأنّ بنية التصدّعات الاجتماعية القائمة في الجزائر ضعيفة في جانبها التراكمي وهي ذات طابع متقاطع، ولا تعكس التوجّهات نحو تأييد الديمقراطية، أي القبول بالتمايز الثقافي والاجتماعي بين المجموعات، بحيث يكون هناك ميل وتقارب نسبي في تأييد الديمقراطية، بوصفها نظامًا مناسبًا للتعايش ولإدارة الشأن السياسي أكثر من رفضها. ذلك لأنّ الاصطفاف الحزبي في الجزائر حول ثلاث عائلات سياسية رئيسة: الوطنيون، والإسلاميون، والديمقراطيون، يميل إلى تعزيز تصدّع تراكمي حول الهوية الدينية واللغوية، وله أثره الملموس في التأثير الظرفي في تراجع بعض مؤشّرات الطلب على الديمقراطية.

وانشغلت دراسة عثمان محمد عثمان علي والطاهر سعود وحسني إبراهيم عبد العظيم، بعنوان "اتجاهات البحث السوسيولوجي في سلطنة عُمان: حالة رسائل الماجستير"، بالرصيد البحثي المشكَّل من رسائل الماجستير التي جرت مناقشتها في مجال علم الاجتماع في قسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي بجامعة السلطان قابوس في سلطنة عُمان، خلال الفترة 1993-2022، بهدف التعرّف إلى اتجاهات البحث السوسيولوجي في السلطنة من زاوية المقاربات المنهجية، والاتجاهات النظرية الأكثر استخدامًا وتوظيفًا في دراسة الموضوعات البحثية ذات الصلة. ومن خلال فحص واقع البحث السوسيولوجي في هذه الجامعة، عملت الدراسة على رصد اتجاهاته المستقبلية الممكنة، في ضوء بعض المؤشرات التي صُمّمت لتحليل البيانات المجمَّعة وتفسيرها من عمل مسحي شمل 76 رسالة ماجستير قُدّمت في القسم خلال الفترة المذكورة.

يُختم باب "دراسات" في هذا العدد بدراسة لهاجر حراثي بعنوان "بخور اللّبان في سلطنة عمان: دراسة أنثروبولوجية"، هدفت إلى البحث في الثبات الظاهري لبعض الممارسات الموروثة في المجتمع العماني، تلك التي حافظت على حضورها على الرغم من مظاهر التغيّر الاجتماعي والثقافي الذي شهدته أنظمة المجتمع وأبنيته. وقد اتخذت الدراسة مثالًا لذلك عادة التبخير اليومي والاحتفالي الفردي والجماعي باللبان العماني. وقد اعتمدت الدراسة على الملاحظة الميدانية، وعلى عشرات المقابلات العفوية، وعلى مجموعة أخرى من المقابلات الموجهة مع العمانيين والعمانيات. وقد اتصلت الدراسة بمجال جغرافي - اجتماعي محدود شمل ولايات شمال الباطنة، واستهدف الأهمية الكبيرة التي يوليها المجتمع العماني لهذا البخور، وبحثت في استخداماتهم المختلفة له، وتصوراتهم الاجتماعية والثقافية والدينية التي توجه ممارساتهم اليومية والاحتفالية بهذه المادة الطبيعية، التي كانت تجارتها - إلى جانب العود والصندل والعنبر وكثير من المواد الأخرى - أساس علاقات المدن الساحلية العمانية بالدواخل وسلطنة عمان بالعالم الخارجي.

وفي باب "ترجمة"، تضمّن العدد ترجمة محمد مرشد لدراسة سيمون سوزن "هل يمكن التوفيق بين بيير بورديو ولوك بلطنسكي؟ من أجل حوار بين السوسيولوجيا النقدية والسوسيولوجيا التداولية للنقد"، التي تبرز أهم نقاط التوافق ونقاط الاختلاف بين مشروعَين سوسيولوجيَين فرنسيَين: يتعلق الأول بالسوسيولوجيا النقدية، كما تطورت مع بيير بورديو، أما الثاني فيرتبط بالسوسيولوجيا التداولية للنقد، التي اشتهر بها لوك بلطنسكي. وعلى الرغم من وجود تعارضات بين المشروعين، تخلص الدراسة، اعتمادًا على مقارنة نسقية، إلى وجود أرضية مشتركة تسمح بتطوير إطار فكري جديد، يُسعفنا في تحقيق فهمٍ أفضل لتَعَقُّد الحياة الاجتماعية. لذلك، تقترح الدراسة في الخاتمة ثماني فرضيات، يمكن من خلالها إرساء قواعد مشروع خاص باندماج السوسيولوجيا النقدية والسوسيولوجيا التداولية للنقد.

وأخيرًا اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة عثمان لكعشمي لكتاب ما قبل الحداثة: اجتهادات في تصوّر علوم اجتماعية عربية لعبد الله حمودي، ومراجعة حسن احجيج لكتاب مفهوم المجتمع في العلوم الاجتماعية: قراءة جينيالوجية لميغيل كابريرا.

جاءت لوحة غلاف العدد واللوحات ضمن صفحاته من أعمال الفنان التشكيلي السوري تمام عزام، التي تركّز على مأساة مشهد المدينة المدمَّرة التي كانت موطنًا لكثير من الناس.

* جميع محتويات أعداد دورية عُمران مفتوحة ومتاحة للتنزيل المجاني في موقع الدورية.