اختُتِمَت في الدوحة يوم الإثنين، 4 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أعمال
الدورة العاشرة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة 2-4 كانون الأول/ ديسمبر 2023. وانتظمت هذه الدورة في محورين، هما: "علاقات دول الخليج العربية بالصين: استمرارية أم تحوّل؟" و"السياسات الثقافية لدول الخليج العربية". وتزامنت مع المنتدى أعمال ندوة دورية "أسطور" بعنوان "الكتابة التاريخية في بلدان الخليج العربية"، وقد اختتم بها المنتدى في اليوم الثالث أعماله.
عُقدت ندوة دورية أسطور استكمالًا لسلسلة ندوات الكتابة التاريخية في العالم العربي، وقد ناقشت تيارات التأريخ الخليجي ومساراته، ووقفت عند سير مجموعة من المؤرخين الخليجيين وتجاربهم، إضافةً إلى عرض محاولات نقدية جديدة في كتابة تاريخ بلدان الخليج العربية. واستُهلّت الندوة بجلسة افتتاحية رحّب فيها كلٌّ من رئيس هيئة تحرير أسطور، عبد الرحيم بنحادة، ورئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية، حيدر سعيد، بالباحثات والباحثين المشاركين والحضور.
افتتح عبد الرحمن الإبراهيم، الباحث والأكاديمي الكويتي، الجلسة الأولى التي ترأستها الدكتورة حياة عمامو. وتناول الباحث إحدى الإشكاليات المنهجية السائدة في التأريخ لبلدان الخليج العربية، ألا وهي التركيز المفرط على الجوانب السياسية ومؤسسة الحكم على حساب الأبعاد الاجتماعية والثقافية، وأشار إلى أن هذا التوجه أدى إلى تهميش عناصر اجتماعية مهمة، مستشهدًا بنموذج دولة الكويت والتطور التاريخي لكتابتها منذ عام 1926، مؤكدًا على أهمية البحث في دوافع كتابة التاريخ وضرورة إعادة النظر في المنهجيات المتبعة لتصحيح هذا الخلل، ومشيرًا إلى أن غياب التاريخ النقدي يُعد أحد الأسباب الرئيسة لهذه المشكلة. ومن جهته، سلَّط ناصر بن سيف السعدي، الأستاذ بجامعة نزوى في عُمان، الضوء على تطور الكتابة التاريخية في عُمان، منذ أول مدونة عمانية للتاريخ الاجتماعي والسياسي في القرن الثاني عشر (الأنساب)، وناقش التباين في المدونات التاريخية من حيث المنهجيات وخلفيات المؤرخين، مؤكدًا على تنوع الأساليب الكتابية والفوارق بينها.
وفي سياق متصل لنقد الكتابة التاريخية في بلدان الخليج، ناقشت الباحثة أمل غزال، أستاذة التاريخ، وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا، والباحث عبد الرحمن الباكر، الباحث المتعاون في وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وعضو هيئة التدريس في كلية القانون في جامعة قطر، "انتفاضة 5 آذار/ مارس" في البحرين، مشيرين إلى أن الكتابات التاريخية المتعلقة بهذه الانتفاضة تركزت على سرديات المشاركين من الحركات اليسارية، متجاهلة الأبعاد الإقليمية للحركة. وفي هذا النقاش، جرى لَفْت الانتباه إلى أن هذه السردية اليسارية حصرت الانتفاضة في إطار وطني ومحلي، متجاهلة الهويات والارتباطات العابرة للحدود. وفي إثر ذلك، تناولت أولريكه فريتاغ، المؤرخة المتخصصة في الشرق الأوسط، دور الذاكرة الجمعية في الكتابة التاريخية في الخليج العربي.
وترأست الباحثة العنود عبد الله آل خليفة الجلسة الثانية لندوة أسطور. وفي هذه الجلسة، قدّم الباحث في قسم الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، صالح عبد الله الخليفي، ورقةً أكّد فيها على حاجتنا إلى فهمٍ أعمق للكيفية التي نظر من خلالها المؤرخون المعاصرون في الخليج إلى الإمارات العربية الناشئة بين العامين 1750 و1820، مستخدمًا كتاب الشيخ عثمان بن سند حول الزبارة
سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد مثالًا لتوضيح التطور السياسي والتجاري في هذه المنطقة، وما يمكن أن تمنحنا إياه من تفسيرات بديلة من التصورات الأوروبية السائدة.
أما خالد بن غانم المعاضيد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فتناول موضوع الذاكرة الجمعية، ونبَّه إلى أنها تؤدي دورًا مهمًّا، على الرغم من صفتها الانتقائية في إعادة بناء الماضي. وقد استخدم المعاضيد في بحثه حملة فيصل بن تركي على قطر والبحرين عام 1851 مثالًا لدراسة حالة متعلقة باستكشاف تأثير الذاكرة الجمعية في التأريخ وتأثيرها في الكتابات الأكاديمية اللاحقة، مؤكدًا على أهمية النقد الدقيق للنصوص التاريخية لتقريبها أكثر فأكثر من الحقيقة التاريخية. واختتمت الجلسة الثانية بورقة لعبد الرحمن المري، وهو باحث في مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة قطر، تناول فيها إشكالية الكتابة التاريخية في قطر من زاويتين اثنتين: الأولى مرتبطة بمحددات تلك الكتابة، والثانية تدور حول بنية الكتابة نفسها. وسعى الباحث لتحديد ماهية تلك المحددات وطبيعتها، واستكشاف بنية الكتابة التاريخية في قطر وعلاقتها بالتغيرات الاجتماعية والسياسية، معتمدًا على نصوص تاريخية متنوعة تعكس تطور قطر منذ الستينيات.
أما الجلسة الثالثة (الأخيرة)، "قضايا وتقاطعات"، فترأستها الباحثة آيات حمدان، وفيها ناقشت المؤرخة العراقية، هالة فتاح، تطور حقل دراسات الخليج العربي. وقد اقترحت الباحثة نموذجًا جديدًا لهذه الدراسات يركز على ثلاثة موضوعات مترابطة: توسيع تقدير تاريخ الخليج بمنظور داخلي وإقليمي، وربط الخليج بمحيطه الإقليمي مع التركيز على العراق بوصفه جزءًا حيويًّا من هذا التاريخ، وتعميق البحث في تاريخ المحيط الهندي بوصفه مجالًا أكاديميًّا ذا صلة. وفي موضوع متصل، اهتمّ الباحث فهد بشارة، الأستاذ المشارك في قسم التاريخ بجامعة فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية، بتاريخ تجارة التمور في القرنين التاسع عشر والعشرين من الخليج إلى مناطق حول غرب المحيط الهندي، مشيرًا إلى التنوع اللغوي والثقافي الذي رافق هذه التجارة، ومؤكدًا على أهمية النهج المايكرو في دراسة التاريخ التجاري. وقد استخدم في بحثه أرشيف التاجر الكويتي محمد بن عبد الله المتروك مثالًا لتوضيح الكيفية التي يمكن أن يستكشف المؤرخون من خلالها تاريخًا ثريًّا عابرًا للأقاليم، وركَّز على البنى التحتية النصية التي سهلت تداول السلع ورؤوس الأموال وتحويلها، مقترحًا طريقة تفصيلية وشاملة لكتابة تاريخ الخليج تربط بين الجزئي والكلي والمحلي والعالمي.