بدون عنوان

المحاضرة
المحاضرة
سعد البازعي
سعد البازعي
حيدر سعيد مقدما المحاضر
حيدر سعيد مقدما المحاضر
المحاضر ورئيس الجلسة
المحاضر ورئيس الجلسة
من المحاضرة
من المحاضرة

استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن برنامج محاضراتها الشهرية، سعد البازعي، أستاذ الدراسات المقارنة بجامعة الملك سعود، عضو المجلس الاستشاري للوحدة، الذي قدّم محاضرة بعنوان "أزمة الإنسانيات في الخليج"، يوم الأربعاء 6 كانون الأول/ ديسمبر 2023، في مقر المركز العربي، وأدارها حيدر سعيد، رئيس الوحدة.

استهل الباحث محاضرته بقوله إنّ أزمة العلوم الاجتماعية والإنسانية كبيرة وواضحة المعالم، وإنّ من يعمل في الكليات والأقسام التي تُدرّس هذا المجال، وكذلك الباحثون في مراكز الدراسات، يدركون هذه الأزمة؛ وهي أزمةٌ عالمية قد تتفاوت من بلدٍ إلى آخر، ومن حقلٍ إلى آخر، ومن مؤسسةٍ إلى أخرى، إضافة إلى أنّها ليست ظاهرة جديدة، بل قديمة ومتجذرة.

وسرد الباحث شواهدَ شخصية عايشها ولمس منها أزمة الإنسانيات في الخليج، منها الصورة السلبية التي تُضفى على دارسي العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ ذلك أنّ المجتمع أكثر تقديرًا لطلاب المسار العلمي، وكأنّ العلوم الإنسانية ليست علومًا في ذاتها. ورأى أنّ معاناة العلوم الاجتماعية والإنسانية ازدادت اليوم مع تضاؤل أعداد الطلاب وتزايد ضعفهم، وإغلاق تخصصات في هذه العلوم، وتضاؤل دعم صانعي السياسات التعليمية لها.

وأشار إلى إصرار السياسات الحكومية الحديثة على ربط الناتج التعليمي بسوق العمل والطلب الاقتصادي؛ فوجّهت التعليم في العلوم الاجتماعية والإنسانية على هذا الأساس. ثمّ إنّ مراكز البحث تواجه أزمة خاصة بها؛ فهي على الرغم من كونها قوة فكرية وعلمية قادرة ضمنًا على صنع السياسات وتوجيهها، وقدّمت إضافتها إلى المعارف عامة، فإنّها أمام حقيقة اتساع الفجوة بين الفكر الذي تصنعه هذه المراكز ودوائر صنع القرار. ولذا، فإنّه من الطبيعي في هذه الحالة أن تظهر الأزمة. وذهب إلى أنّ مراكز البحث في المنطقة العربية تواجه تلك الأزمة، ليس بسبب اتصالها بدوائر صنع القرار فحسب، وإنما أيضًا بالتعليم الجامعي الذي يُنتج الباحثين الملتحقين بهذه المراكز. ولأنّها مراكز ترتبط بالدعم الحكومي، فهي تتأثر تلقائيًا بما يتّصل بالسياسات العامة والاستراتيجيات المتبناة على كل المستويات.

ورأى الباحث أنّ المطلوب ليس تشخيص الأزمة، فهي واضحة، ولكن قول ما يمكن فعله تجاهها؛ فجانب من الأزمة يمكن اقتراح مخارج منه تخفف من حدتها، ولكن ليس الانعتاق التام منها. وهي مخارج تربوية ومنهجية بيداغوجية، وفي كل الحالات، لا يجب أن يذهب التركيز إلى زيادة الدعم، فهذا حل مؤقت لا يحل المشكلة، بل يجب أن يتّجه التغيير إلى الداخل، وكيفية تدريس هذه العلوم، وإجراء الأبحاث فيها. وفي هذا السياق، طرح إمكانية إصلاح المسارات التي يمكن أن تُسهم في تطوير تلك العلوم، وتكون جاذبة للدراسين في سوق العمل في الآن نفسه.



وعرض الباحث ما يمكن عدّه أحد حلول الأزمة، وهو يتمثل في "الإنسانيات الرقمية"، واستثمار منجزات العالم الرقمي في تطوير البحث في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ فهو مجال يطرح رؤية مغايرة على عدّة مستويات، مثل ربط هذه العلوم بالعلوم الطبيعية، ومساءلة معنى الإنسانيات نفسه، وغيرها. وفي الإنسانيات الرقمية، تصبح وسائل الإنتاج نفسها جزءًا من المعرفة، وذلك بالتحول عن مركزية الكتاب إلى الوسائل البصرية والرقمية، كالمواقع الإلكترونية، والفيديو، وتصميم الصور، وغيرها.

ويجد الباحث أنّ في مختبرات العلوم الاجتماعية والإنسانية، التي بدأت في الجامعات الغربية، يكون العمل بصيغة جماعية، كما العلوم الطبيعية، وهي صيغة لم تعتد عليها العلوم الاجتماعية، أو ليست هي السمة السائدة أو الأكثر حضورًا في هذا المجال. ثمّ إنّ التعليم الرقمي يجذب الدعم من المؤسسات على مستويات متعددة، لكون البحث يصبح أكثر مواكبة لمتطلبات العصر؛ ولذا فإنّ الإنسانيات الرقمية تقنع دوائر صنع القرار بجدوى الاستثمار في البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية. وأشار الباحث إلى ضرورة التنبُّه إلى مشكلات مهمة تواجه الإنسانيات الرقمية أيضًا، تتمثّل في حرص الباحثين على التقدُّم الذاتي في المهنة، والعناية بالوظيفة، والحصول على الممولين قدر الإمكان، وإعطاء ذلك أهمية تفوق حتى صناعة المعنى.

واختتم الباحث محاضرته بالعودة إلى التحديات التي تواجهها العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقال إنّ المناهج الثابتة من أخطر التحديات أمام الإنسانيات، إضافة إلى كثرة الخطوط الحمراء، كما يغيب التفكير النقدي عندما ينشغل الباحثون بما هو عملي وخفيف، وعندما يتركز الدعم في الجوانب الخدمية، وعندما تعلو اللسانيات التطبيقية على اللسانيات النظرية، ويسود التطبيق على حساب النظرية، والممارسة على التفكير، وعندما يتجنب الباحثون القضايا الإشكالية، وحين ينخفض سقف المساءلة والنقاش، وهو مكمن ضعف العلوم الاجتماعية والإنسانية.

شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعين، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة من المحاضرة، شملت قيود صناعة المعنى والفكر، وتاريخ العلوم والأزمات التي مرّت بها، وإصلاح منظومة التعليم، وإشكاليات إنتاج المعرفة، وغيرها.