صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الستون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية" التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. استُهلّ العدد بملف خاص بعنوان "حال العلوم السياسية في العالم العربي (1): المناهج والسياسة المقارنة في بلدان عربية"، ضمّ خمس دراسات نظرية وتطبيقية في العلوم السياسية إضافةً إلى تقديم لمحرر الملف عبد الوهاب الأفندي. وتضمن توثيقًا لأهمّ محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، ومراجعة كتاب.
افتُتح العدد بتقديم لعبد الوهاب الأفندي بعنوان "العلوم السياسية عربيًا" بيّن فيه نشأة تخصص العلوم السياسية عربيًا ودوافع التركيز على تخصيص ملف أكاديمي يصدر في جزأين يدرس حال العلوم السياسية في المؤسسات الأكاديمية العربية ويقيّمها، مع التركيز على طرح أسئلة عن تطور التخصص في العموم، والمدارس والمناهج والمراجع التي اتُّبعت في التدريس والبحث، وأهم المؤلفات التي نشرت. وأوضح أن الثورات العربية طرحت على مجتمع العلوم السياسية عربيًا ودوليًا أسئلة عدة تعبّر عن حجم حضور المساهمات العربية في تخصص العلوم السياسية. ورأى أن تجربة المركز العربي ومعهد الدوحة في البحث والتدريس بيّنت ثغرات عديدة في واقع العلوم السياسية عربيًا. وخلص الأفندي في تقديمه إلى أن تخصص العلوم السياسية في العالم العربي، وإن حقق بعض الإنجازات المهمة فإنه لا يزال يواجه بعض التحديات، أبرزها غياب جماعة علمية عربية في المنطقة، وفي كل بلد على حدة.
وتناولت مروة فكري في دراستها بعنوان "حال العلوم السياسية في مصر: تجربة قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة" حالة حقل العلوم السياسية في مصر، وبحثت في ما إذا كانت الجماعة المصرية للعلوم السياسية في حالة أزمة. وانطلقت من أسئلة رئيسة، أبرزها: هل يمكن الحديث عن جماعة أكاديمية مصرية للعلوم السياسية؟ وما خصائصها؟ وما المحطات الأساسية في تطور حقل العلوم السياسية في مصر؟ وما الصعوبات التي تواجهه؟ وركزت فكري على تجربة قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في جامعة القاهرة، باعتبارها أول كلية مخصصة لهذا الحقل الدراسي في مصر، ونظرًا إلى الأدوار المتزايدة التي يقوم بها خريجو الكلية في السياسة وتقلّدهم المناصب العامة. وخلصت إلى أن أزمة علم السياسة في مصر مزدوجة، يتعلق شقها الأول بأزمة الحقل بصورة عامة، بينما يرتبط الشق الثاني بالواقع المصري تحديدًا.
ثم ناقش حسن الحاج علي أحمد وياسر عوض عبد الله في دراستهما بعنوان "تدريس العلوم السياسية في الجامعات السودانية: النشأة والتطور" التوجهات الفكرية التي أثّرت في تدريس العلوم السياسية في الجامعات السودانية، والمناهج وطرق التأهيل المستخدمة وتطوّر المقررات، وتأثر التخصص بالسياسة والسياسات العامة. وركز الباحثان على وجه التحديد على تطور تدريس العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، بوصفها أقدم الجامعات السودانية، وقسم العلوم السياسية فيها هو أقدم الأقسام وله تأثير مهمّ في نشأة أقسام العلوم السياسية الأخرى وتطورها. وخلصا إلى أن تدريس العلوم السياسية في السودان شهد تحديات عدة أبرزها هجرة العقول، وضعف الموارد، وغياب قدرة الجامعات في إنتاج علم يفسر قضايا الواقع المحلي والإقليمي، وضعف المناهج المستخدمة في تدريس العلوم السياسية والبحث. وأوضحا أن مجهودًا كبيرًا ينتظر العلوم السياسية في السودان، ليس من أجل مواكبة التطورات العالمية فحسب، بل من أجل تطوير علم يدرس الواقع السياسي السوداني ويفيه حقه.
أما عبد القادر عبد العالي ولبنى جصاص وقاسم حجاج فقد ركزوا في دراستهم بعنوان "أزمة تخصص العلوم السياسية في الجامعة الجزائرية: مفارقات طفرة ستة عقود من الاستقلال الوطني" على مضامين الأزمة التي يعانيها تخصص العلوم السياسية في الجزائر، على مستوى الأقسام العلمية ووضعية التدريس ومكانته في سوق العمل، وكيفية ارتباط ذلك بتوجهات السياسات الحكومية تجاه التخصص. وتطرقوا إلى جوانب أخرى من الأزمة، أبرزها تخطيط الخريطة الجغرافية لأقسام العلوم السياسية، ونمط الهيكلة الإدارية لتخصص العلوم السياسية، وطرائق تدريس هذا التخصص، وماهية التخصصات المعتمدة في مختلف أقسام العلوم السياسية، والبرامج والهياكل البحثية المعتمدة، والتوجه الموضوعاتي للأبحاث المنجزة. وخلصت الدراسة إلى أن تخصص العلوم السياسية في الجزائر يعاني أزمة هوية وانتشار ومخرجات. وفقًا لذلك، اقترح الباحثون حلولًا لمواجهة الأزمة وجعْل هذا التخصص يرتبط بسوق العمل وبالواقع الاقتصادي والاجتماعي للجزائر، وينفتح على العالم ويتكيف مع مستجداته العالمية.
ووضع شاكر الحوكي في دراسته بعنوان "تحولات العلوم السياسية في الجامعة التونسية: مفارقة المسارات وأزمة الموضوع، كلية الحقوق والعلوم السياسية نموذجًا" تخصص العلوم السياسية في هذه الكلية موضع نظر وتحقيق في كل ما يتّصل باستقلاليته وحِرفيته وتأثيره، فضلًا عمّا يتّصل بتطوره وتدويله. ورأى أن هذا التخصص في الكلية له دورٌ في إثراء تكوين طلبتها من حيث فتْح آفاقهم على مناهج العلوم السياسية. مع ذلك، شدد الحوكي على أن أزمة العلوم السياسية في تونس عمومًا لم تكن في حقيقتها إلا صدى لأزمة ظلّت تخترق التعليم الجامعي برمّته، وانعكاسًا لحالة من الارتباك السياسي بقيت تعيشها تونس منذ فترة الاستقلال إلى فترة ما بعد الثورة. ورأى أنه على الرغم من ارتباط اسم "كلية الحقوق والعلوم السياسية" بالعلوم السياسية، فإنّ مكانة هذه العلوم فيها بقيت مهمشة إلى حد بعيد، وظلّت أسيرة مفهوم كلاسيكي لم يواكب التطور الهائل الذي شهده هذا التخصص.
وشخّص عبد الكريم أمنكاي وآلان ألوسكان في دراستهما بعنوان "هامشية المنهج الكمّي في العلوم السياسية العربية: الإحصاء الاستدلالي نموذجًا" واقع المنهج الكمّي في أبحاث العلوم السياسية العربية، بالوقوف على مدى توظيف أدوات الإحصاء الاستدلالي. وبيّنَا أنّ الحضور الهامشي للمنهج الكمّي يؤثّر سلبيًا في قدرة العلوم السياسية العربية في فهم القضايا والظواهر وتفسيرها، ويسهم في الحدّ من قدرة الإنتاج العلمي العربي على الاشتباك بفاعلية مع الأبحاث التي يحضر فيها هذا المنهج بقوة أو يغلب عليها. واقترح الباحثان عددًا من التوصيات لتجاوز هذا الوضع، على رأسها وجود جماعة علمية قادرة على توظيف الأدوات الإحصائية الاستدلالية في أبحاثها، وتوافر الحدّ الأدنى من الموارد المادية التي تتطلّبها الأبحاث الكمّية في كثير من الحالات. ورأت الدراسة أنه يصعب تصوّر العنصرين السابقين في غياب الدعم المؤسسي، سواء في الجامعات العربية أو في المراكز البحثية.
وفي باب "التوثيق" اشتمل العدد على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 تشرين الثاني/ نوفمبر - 31 كانون الأول/ ديسمبر 2022. وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّ أحمد قاسم حسين مراجعة لكتاب صدر عن المركز العربي بعنوان "بعض قضايا المنهج: في علوم السياسة والتاريخ والقانون والديموغرافيا".
جدير بالذكر أن قسمًا ثانيًا لهذا الملف الخاص سيصدر في العدد 61. ويركز هذا القسم بالخصوص على حقل العلاقات الدولية، حيث يضمّ الملف الدراسات الآتية: "حقل العلاقات الدولية في العالم العربي: بحث في التاريخ الاجتماعي لنشأته وتطوّره وحالته الراهنة" لسيد أحمد قوجيلي؛ و"استقصاء حقل العلاقات الدولية في الوطن العربي: دراسة في الواقع والتحديات" لأحمد قاسم حسين؛ و"لماذا لا توجد نظرية ’عربية‘ في العلاقات الدولية؟ أسباب قصور المساهمة العربية في نظريات العلاقات الدولية" لمكية نجار؛ و"تدريس العلاقات الدولية في العالم العربي: الإشكاليات المعرفية والنظرية" لباسل صلوخ ومي درويش. وسيضم العدد أيضًا شهادات من علماء متخصصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.