بدون عنوان

انطلاق أعمال مؤتمر
انطلاق أعمال مؤتمر "فلسطين وأوروبا: ثقل الماضي والديناميات المعاصرة"
الدكتور عزمي بشارة خلال إلقاء كلمته الافتتاحية
الدكتور عزمي بشارة خلال إلقاء كلمته الافتتاحية
الدكتور عزمي بشارة
الدكتور عزمي بشارة

​​​​​​​​​​​​انطلقت يوم الخميس 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أعمال مؤتمر "فلسطين وأوروبا: ثقل الماضي والديناميات المعاصرة" الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس CAREP Paris​، بمشاركة باحثين وأكاديميين من جامعات ومراكز أبحاث أوروبية وعربية وأميركية، لمناقشة أبعاد العلاقة التاريخية والسياسية بين أوروبا وفلسطين، ودور القوى الأوروبية في تشكّل المسألة الفلسطينية وتحوّلاتها المعاصرة.

واستُهلّ اليوم الأول بكلمة ألقاها سلام كواكبي، مدير المركز العربي في باريس، تطرّق فيها إلى أهمية عقد هذا المؤتمر الذي يتناول إحدى القضايا المحورية اليوم، وهي العلاقة بين أوروبا وفلسطين، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين المختصين في العلاقات العربية - الأوروبية من أوروبا والعالم العربي. وتناول قرار إدارة كوليج دو فرنس إلغاء تنظيم المؤتمر والحملة التي رافقت هذا القرار من اليمين المتطرف وحملات منصّات التواصل الاجتماعي في فرنسا، مؤكدًا أنّ المؤتمر علمي وأكاديمي بالأساس، وأنّ الدفاع هنا لا يخصّ فلسطين وحدها، بل يخصّ الحرية الأكاديمية وحقّ التفكير والنقاش بلا وصاية أو خوف. ورحّب بالحضور وتوجّه بالشكر إلى جميع من ساهم في عقد المؤتمر من باحثين وأساتذة وطلبة، وإلى الموقّعين على بيانات الاحتجاج، ومن بينهم أربع جمعيات لدراسات الشرق الأوسط في العالم DAVO، BRISMES، SeSaMO، MESA، وقد استنكرت هذه الجمعيات قرار إدارة كوليج دو فرانس وأكدت دعمها للحرية الأكاديمية، مطالبةً بالسماح للمؤتمر بالمضي قدمًا.

وألقى الدكتور هنري لورنس كلمة افتتاحية في المؤتمر، وهو أستاذ كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي في كوليج دو فرانس، فركّز على تطوّر موقع فلسطين في المخيال والسياسة الأوروبيين، مبيّنًا أنّ خصوصيتها التاريخية تأتي من أنها "الأرض المقدّسة" ومركز جذب للأديان التوحيدية، وأنّ مسألة فلسطين في القرن التاسع عشر كانت في جوهرها مسألة "الأماكن المقدسة" وصراع القوى الأوروبية على حمايتها. وأوضح أنّ حادثة شجار بين رهبان في بيت لحم عام 1846 حول مفاتيح الكنيسة وحقوق الغير وقادت إلى سلسلة من التطورات التي انتهت بحرب القرم، وأنّ إنشاء "سنجق القدس" بوصفه وحدة إدارية خاصة لمراقبة هذه الأماكن، وتركيز الإدارة المالية والقضائية فيها، أسهما تدريجيًا في نشوء هوية فلسطينية تتمحور حول القدس.

وتوقف لورنس عند "الثورة الاقتصادية" التي شهدتها فلسطين مع انتشار بساتين الحمضيات وتحوّل برتقال يافا إلى أحد أهم الصادرات إلى أوروبا بوصفه ثمرة لجهد الفلاحين العرب، قبل أن تبدأ موجات الهجرة اليهودية المنظمة في أواخر القرن التاسع عشر تحت الحماية القنصلية الأوروبية ونظام الامتيازات. وبيّن أنّ هذه الهجرات لم تكن ممكنة من دون هذا الغطاء الاستعماري، وأنّ الحركة الصهيونية منذ التأسيس أدركت مبكرًا أنها لا تستطيع تحقيق مشروعها في فلسطين إلا عبر دعم قوة أوروبية كبرى، في سياق التنافس الأوروبي في المنطقة العربية الذي جعل أي تغيير سياسي بين المتوسط ونهر السند جزءًا من لعبة النفوذ بين الإمبراطوريات.

وقدم الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، محاضرةً عامةً أوضح فيها صعوبة حصر زوايا النظر إلى العلاقة بين أوروبا وفلسطين، واستحالة فصل فلسطين عن تاريخ علاقات ضفتي البحر المتوسط. وبيّن أنّ تناول "قضية فلسطين" يقتضي العودة إلى القرن التاسع عشر مع صعود الاهتمام الاستعماري بالمشرق العربي وبلاد الشام، وأنّ منشأ الحركة الصهيونية في أوروبا هو مدخل طبيعي لهذه المقاربة. وتوقف عند الدور المبكر لرحّالة ولاهوتيين وجغرافيين أوروبيين مسيحيين في "اكتشاف" فلسطين ورسم خرائطها وإسقاط المخيال التوراتي عليها، في مقابل غيابٍ شبه تام لاهتمامٍ بحثي يهودي بفلسطين، قبل ظهور الصهيونية. وذكر أنّ "المسألة اليهودية" كانت مسألة أوروبية خالصة ونتاج صراعات الحداثة بين سياسات إدماج اليهود وبين تيارات قومية وعنصرية ولاسامية عارضت مساواتهم.

وسلّط بشارة الضوء على الصهيونية نشأت في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر متأثرة بالتنوير اليهودي (هسكلاه)، وبوصفها نفيًا له في الوقت ذاته؛ إذ حوّلت اليهود من طوائف دينية إلى "شعب" يسعى لدولة قومية، عبر الانخراط في المشاريع الاستعمارية. وأشار إلى أنّ العداء للصهيونيّة كان ظاهرة يهوديّة، وأنّ الفلسطينيين لم يعارضوها لأسباب دينية أو "لاسامية"، بل بوصفها مشروعًا استيطانيًا يستهدف أرضهم ووجودهم، مبينًا أنّ نجاح المشروع الصهيوني كان مرهونًا بتحوّلات أوروبية كبرى، مثل هزيمة الدولة العثمانية، ووعد بلفور، والمحرقة النازية، وأنه لم يكن ليستقر لولا اقتلاع جزء كبير من الشعب الفلسطيني.

وأشار بشارة إلى أنّ أوروبا الرسمية تكيّفت مع واقع الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري في فلسطين، لكنها تشهد في المقابل نشوء جيل جديد في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية يأخذ القيم الكونية لحقوق الإنسان بجدية، ويرفض ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية.

وتستمر أعمال المؤتمر على مدار يومين عبر ثماني جلسات، لمناقشة جذور المشروع الصهيوني في السياق الأوروبي، ودور الانتداب البريطاني في تشكّل الحركة الوطنية الفلسطينية، وتحوّلات السياسات الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية.


جدول أعمال المؤتمر باللغة الفرنسية: اضغط هنا

جدول أعمال المؤتمر باللغة الانجليزية: اضغط هنا