بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الحادي والستون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، التي تعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كل شهرين. استُهل العدد بملف خاص بعنوان "حال العلوم السياسية في العالم العربي (2): العلاقات الدولية"، ضمّ أربع دراسات نظرية وتطبيقية في العلاقات الدولية إضافةً إلى شهادتين لأستاذين بارزين في حقل العلاقات الدولية عربيًا. وتضمّن توثيقًا لأهم محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز محطات التحول الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، ومراجعتَي كتاب.

افتُتح العدد بدراسة لسيد أحمد قوجيلي بعنوان "حقل العلاقات الدولية في العالم العربي: بحث في التاريخ الاجتماعي لنشأته وتطوّره وحالته الراهنة" انطلق فيها من حجة مفادها أنه على الرغم من مرور سبعة عقود على الدراسة الأكاديمية للعلاقات الدولية في العالم العربي، فإن الباحثين المنشغلين في هذا الموضوع لا يملكون الكثير من المعلومات حول ظروف نشأة الحقل وتطوره التاريخي وحالته الراهنة. ومن أجل تحقيق ذلك، قدّم قوجيلي مسحًا استقصائيًا لحقل العلاقات الدولية في العالم العربي استنادًا إلى الخطوتين الآتيتين: أولاهما تقديم معلومات أولية عن تاريخ نشأة الحقل وتطوره الفكري والاجتماعي، وثانيتهما اقتراح مقاربة جديدة لإجراء المسوح الحقلية في العلاقات الدولية والعلوم السياسية على نحو عام. ورأى قوجيلي، الذي استعان بالتحليل الجيلي في علم الاجتماع لاستقصاء ثلاثة أجيال من الباحثين في العلاقات الدولية العربية، أن القيمة المضافة لهذه الدراسة لا تكمن في المعلومات التاريخية التي قدّمتها عن الأجيال الثلاثة، بل تكمن في "المنهج" الذي تقترحه لإجراء المسوح الحقلية في المستقبل، ليس في العلاقات الدولية فحسب، بل في العلوم السياسية بصورة عامة أيضًا. وأشار إلى أن التركيز على قضايا التدريس مهمّ، لكنه ليس كافيًا للوقوف على حال الحقول الدراسية، لأن دراسة المجتمعات العلمية وكيفية نموها وتطورها، فكريًا ومؤسساتيًا، أمر جوهري في الحكم على الوضعية الراهنة لأيّ حقل دراسي وآفاقه المستقبلية.

واعتمد أحمد قاسم حسين في دراسته بعنوان "استقصاء حقل العلاقات الدولية في الوطن العربي: دراسة في الواقع والتحديات" على عيّنة قصدية مختارة من أساتذة العلاقات الدولية في الجامعات العربية التي تتوافر فيها كليات/ أقسام تدريس العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أجل توصيف واقع العلاقات الدولية العربية، ثم النظر في الإشكالات والتحديات، مرورًا بتقصّي التغيير فيه. واستنتج حسين أنه على الرغم من حداثة تأسيس كليات/ أقسام العلوم السياسية والعلاقات الدولية في المنطقة العربية، فإن واقع العلوم السياسية عمومًا، والعلاقات الدولية خصوصًا، شهد تطورًا نسبيًا يعكسه النمو المطّرد لعدد المؤسسات الأكاديمية والبحثية في المنطقة العربية التي تُعنى بإنتاج المعرفة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. مع ذلك، رأى حسين أن هذا التطور الكمّي يستوجب انفتاح الجماعة العلمية على دراسة مناطق ذات أهمية جيوسياسية بالنسبة إلى الدول العربية (جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء) إلى جانب دراسة دور القوى العظمى وتأثيرها في القضايا العربية. ويقع على عاتق الجماعة العلمية مسؤولية خلق حالة من التوازن بين النزعة النظرية التجريدية والمقررات التطبيقية المتعلقة بتحليل السياسة/ السياسات الدولية. وأشار إلى أن ثمة حاجة إلى الانفتاح على مقاربات نظرية متنوعة والتقدم خطوة نحو المقاربات ما بعد الوضعية، التي تشكّل إطارًا نقديًا لمفاهيم المقاربات الوضعية وفرضياتها، وألّا تبقى حبيسة المقاربة الواقعية.

ثم ناقشت مكية نجار، في دراستها بعنوان "لماذا لا توجد نظرية ’عربية‘ في العلاقات الدولية؟ أسباب قصور المساهمة العربية في نظريات العلاقات الدولية"، عوامل تعطّل العالم العربي معرفيًا وسياسيًا في حقل العلاقات الدولية، الذي تجلى أكثر بعد ثورات الربيع العربي. وعرضت نجار موقع العالم العربي في حقل العلاقات الدولية، ورصدت التجاهل الغربي للمعرفة المنتجة حول العلاقات الدولية في دول الجنوب، ورأت أن هذا الوضع يعبّر عن حالة استمرار الظرف الاستعماري في شكله المعرفي. واستنتجت أن إعادة التفكير في هندسة أسس المعرفة عربيًا، لا سيما في حقل العلاقات الدولية، ومن دون تسييس، هي حاجة ملحّة إلى إنتاج أشكالٍ من السلطة وتشاركها على أرضية تقاوَم فيها كلّ أشكال التسلط المعرفي التي تمارس الإقصاء، أو تستخدم العنف لشرعنة سلطتها في حقلٍ جوهر اهتماماته مرتبط بقضايا الحرب والسلم. ورأت ضرورة التطرق إلى مقاربات ما بعد الكولونيالية، التي تكشف الغطاء عن علاقات المركب القوة/ المعرفة، التي تهتم بإعادة إنتاج النظام العالمي المعاصر فكريًّا، ولا يكفي نزع مركزية العلاقات الدولية الغربية بل يقتضي الأمر دعوةً إلى معرفة نقدية في كل مناطق العالم، بما فيها المنطقة العربية.

أما باسل صلوخ ومي درويش في دراستهما بعنوان: "تدريس العلاقات الدولية في العالم العربي: الإشكاليات المعرفية والنظرية" فتناولا طبيعة تدريس مادة العلاقات الدولية في الجامعات العربية، وكيفية تباين طرق تدريس المقاربات النظرية للعلاقات الدولية: يشمل ذلك شرح النظريات الغربية وتطبيقها، أو مراجعة بعض منها، أو تقديم مقاربات بديلة منها. وبينما يعبّر الباحثون الذين يدرِّسون العلاقات الدولية في العالم العربي عن تقديرهم للأساليب النظرية السائدة، فإن هناك صعوبات متزايدة تواجههم لتلبية الفهم المكوّن لدى طلّابهم والتجارب التي يعيشونها. فعمليًا، لا تنتقل نظريّات العلاقات الدولية عبر الحدود كما هي، لذلك فهي تُدرَّس على نحوٍ مختلف. وفي حين يرى بعضهم أن مناهج العلاقات الدولية السائدة لا تزال الأساس المتّبع لتدريس العلاقات الدولية في العالم العربي، يشجّع آخرون طلّابهم على تبنّي اتجاهات أخرى. وأشار الباحثان إلى وجود تنوّع في الأساليب التربوية والآراء النظرية في تدريس العلاقات الدولية عربيًا، على نحوٍ يدحض المزاعم حول شحّ التنظير في العالم العربي. وأوضحا أنّ المساهمات النقدية والانتقائية والمحلية مجتمعة تُظهر القدرة المحتملة للعالم العربي على إنتاج المعرفة في العلاقات الدولية، لا سيما في ظل ظهور أجيال جديدة من الباحثين والأكاديميين المدرّبين على الأساليب المنهجية الصحيحة.

وفي باب "شهادات" اشتمل العدد على شهادتين لأستاذين بارزين في حقل العلاقات الدولية. الأولى، لأنطوان نصري مسرة بعنوان "الأصالة والتجدد في علم السياسة في المجتمعات العربية تجاه التحولات في عالم اليوم"، قدّم فيها خلاصات لحزمة من الأفكار الأساسية، التي بناها خلال مسيرته العلمية، والتي تركز على نقد تجربة العلوم السياسية عربيًا. والثانية لعبد الله ساعف بعنوان "حال علم السياسة في المغرب"، كشف فيها عن تدرّج دراسة الظاهرة السياسية المغربية، من المعرفة الاستعمارية إلى لحظة ما بعد الاستقلال. وانتهت الشهادة إلى رسم آفاق علم السياسة في المغرب، مؤسساتيًا وموضوعاتيًا ومنهجيًا.

وفي باب "التوثيق" اشتمل العدد على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 كانون الثاني/ يناير - 28 شباط/ فبراير 2023. وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّ محمد الشيباني مراجعة لكتابَي "الشعبوية والسياسة العالمية: سبر الأبعاد الدولية والعابرة للحدود" لفرانك ستنغل [وآخرون] (محررون)، و"الشعب يريد: حين تأكل الديمقراطية نفسها" لأيمن البوغانمي. وأعدّت آمنة مصطفى دلة مراجعة لكتاب "مدخل إلى نظرية التعقد في العلاقات الدولية" لمحمد حمشي.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.