صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، العدد السادس عشر من الدورية نصف السنوية المحكّمة أسطور. وقد اشتمل على دراسات مختلفة في مواضيعها وإشكالياتها البحثية؛ إذ تناولت هجرة العلماء المغاربة في العصر المملوكي، وتاريخ الثورة المهدية، والتاريخ السياسي إبان الحرب العالمية الثانية. واشتمل العدد، أيضًا، على مراجعتين لكتابين، ودراسة مترجمة، إضافةً إلى مجموعة ثانية من أوراق ندوة أسطور "تجربة الكتابة التاريخية في مصر: نظرة إلى المسار ومراجعة الحصيلة".
افتُتِح العدد بدراسة لأستاذ التاريخ الوسيط والآثار الإسلامية في جامعة صفاقس حافظ عبدولي، عنوانها "عائلة السّلمي المسلّاتي (القرنان 8-9هـ/ 14-15م): من هوامش جبال طرابلس الغرب إلى وجاهة حواضر المشرق خلال العصر المملوكي". وتتغيَّا هذه الدراسة بحث تاريخ إحدى عائلات العلم والمعرفة المغربية في العصر الإسلامي الوسيط، كانت قد هاجرت إلى القدس ودمشق والقاهرة. واستنادًا إلى كتب الرحالة والمصنفات التاريخية وكتب التراجم والتاريخ العام، يتتبع الباحث الاستراتيجيات التي اعتمدتها تلك العائلة في تحقيق الوجاهة الاجتماعية وأوجهها المتعددة.
أمّا دراسة أحمد إبراهيم أبوشوك، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر، "مصادر تاريخ الثورة والدولة المهدية في السودان (1881-1898): مشكلة التنوع ومعايير المعالجة المنهجية"، فقد تناولت المصادر الأولية التي تعتمدها دراسات تاريخ الثورة والدولة المهدية بالدرس والفحص. وتخلص الدراسة إلى أن المدونة المصدرية المتعلقة بالثورة والدولة المهدية قد تكون بالنسبة إلى الباحثين عائقًا دون الكتابة الموضوعية في هذا الموضوع، لذلك فهم في حاجة إلى الاستناد إلى مجموعة مختلفة من المصادر، مثل الشهادات الشفوية والآثار المادية والمشاهد الجغرافية، التي من شأنها أن تساعد في تصويب الاختلافات التي تطرحها المدونة المصدرية.
وفي ظل شُحّ الدراسات التاريخية المتعلقة بالطرق والمعابر والمسالك في العالم العربي، جاءت دراسة عبد الحفيظ حمان، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان، "طريق طنجة تطوان في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين"، لتسد ثغرة مهمة في هذا المجال؛ وذلك من خلال دراسة التطور التاريخي والاجتماعي لطريق رئيس في المغرب، كان يُستعمل للتبادل التجاري وقوافل نقل البضائع. وتستعرض الدراسة الطرق الرئيسة في المغرب قبل الاستعمار، ثمّ تتطرق إلى طريق طنجة تطوان، وتستعرض ما ورد حوله في كتابات الرحالة والمستكشفين الأوروبيّين في القرن التاسع عشر، ثمّ تنتقل إلى الحديث عن المرافق الموجودة في هذا الطريق، وآلية حمايته من الدولة، وتخلص إلى الكشف عن أبرز الأحداث التي شهدها الطريق من النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين.
أما الدراسة الرابعة، فهي "السياسة الخارجية الألمانية تجاه تركيا في سياق الحرب العالمية الثانية: رؤية من منظور اقتصاد الحرب" لمحمد غاشي، وهو باحث في تاريخ العلاقات الدولية، ومرشح لدرجة الدكتوراه بجامعة محمد الخامس في الرباط. وتتّبع هذه الدراسة العلاقات السياسية بين ألمانيا النازية والجمهورية التركية الفتية، وذلك باستعراض خطط السياسة الخارجية الألمانية تجاه تركيا قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها. وقد خلصت الدراسة إلى أن الاعتبارات الاقتصادية-العسكرية هي التي حكمت تلك العلاقة.
اختُتم باب "دراسات" بدراسة لمهند مبيضين، أستاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ومدير عام مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، عنوانها "أحمد بن يحيى البلاذري وكتابه ’فتوح البلدان‘". وتتناول هذه الدراسة واحدة من أهم المدونات التاريخية العربية المتعلقة بمرحلة "الفتوحات الإسلامية". وتضيء على الموقعية والخصوصية المركّبة لدى البلاذري، ونتائجها، وتأثيرها في توازن بحثه التاريخي.
من جهة أخرى، نشرت الدورية في باب "ترجمات" مقالة سايدية هارتمان "فينوس في أداءين"، التي ترجمها عبد الرحيم الشيخ. في حين اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعتين لكتابين، هما: "ظفار: ثورة الرياح الموسمية: الجمهوريون والسلاطين والإمبراطوريات في عُمان (1965-1976)" لعبد الرزاق التكريتي، من إعداد أمل غزال، و"أوروبا في القرن التاسع عشر: نابليون" لمحمد حبيدة، من إعداد عادل الطاهري.
وتضمَّن باب "وثائق ونصوص"، دراسة بعنوان "التشريعات المخزنية خلال القرن التاسع عشر: قانون تنظيم شؤون المراسي المغربية نموذجًا" لبصراوي يحيى، وهو باحث في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ضمن مختبر التراث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. وقد تناول في دراسته أوّل نص تشريعي تنظيمي لإدارة المراسي المغربية قبل الاستعمار، مستهدفًا إبراز مسألتين: الكشف عن التطورات التي طرأت على مستويَي التشريع القانوني والتدبير الإداري للنصف الثاني من القرن التاسع عشر من جهة، وعلاقة هذه التطورات بسياسات الانفتاح على أوروبا من جهة أخرى.
يختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور"، وقد نُشر فيها المجموعة الثانية من مواد ندوة "تجربة الكتابة التاريخية في مصر: نظرة إلى المسار ومراجعة الحصيلة" التي عقدت في الفترة 1-2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. ويشتمل هذا الباب على ثلاث مقالات: أولاها "المدرسة المصرية وتجربة محمد علي باشا الاقتصادية" لأحمد الشربيني، أما ثانيتها، فهي "الرواية التاريخية لعلم الآثار في مصر" لخالد عزب، وأمّا ثالثتها التي اختُتم بها هذا الباب، فهي "اتجاهات كتابة تاريخ مصر في الحقبة العثمانية خلال الربع الأخير من القرن العشرين" لحسام عبد المعطي.
** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.