مقدمة
أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، في 15 أيلول/ سبتمبر 2019، أن الانتخابات الرئاسية في البلاد ستجرى في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، مؤكدًا أن "هذه الانتخابات ستشكّل فرصة فريدة من نوعها من شأنها أن تمكّن من إرساء الثقة في البلاد وتكون، بنفس الوقت، بمثابة البوابة التي يدخل من خلالها شعبنا في مرحلة واعدة توطد لممارسة ديمقراطية حقيقية في واقع جديد"[1].
وتعدّ هذه الانتخابات الرئاسية الثالثة[2] التي يتم الإعلان عنها بعد انتخابات 18 نيسان/ أبريل 2019 التي ألغاها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 11 آذار/ مارس، بعد إعلانِه التراجع عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة تحت ضغط الحراك الشعبي، وانتخابات 4 تموز/ يوليو التي قرر المجلس الدستوري إلغاءها في 2 حزيران/ يونيو بعدما تبيَّن استحالة تنظيمها بعد تقديم ملفَّي ترشح فقط، رفضهما المجلس.
تسعى هذه الورقة لتقديم عرض مختصر للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الجزائر. وتناقش جملة من المسائل ذات العلاقة، منها استعراض حالة الاستقطاب الحاد بين دعاة الانتخابات ومعارضيها. ثم تفحص موقف المؤسسة العسكرية ومنطق تمسّكها بالحل الدستوري للأزمة السياسية الراهنة في الجزائر. وتتصدى الورقة لدور السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تم استحداثها للإشراف على الانتخابات المقبلة، وتناقش السياق الذي تجري فيه الحملة الانتخابية واحتمالات المشاركة في التصويت. وتُعرّف أخيرًا بالمترشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية وخارطتهم الأيديولوجية.
أولاً: الاستقطاب بين دعاة الانتخابات ومعارضيها
تأتي انتخابات 12 كانون الأول/ ديسمبر الرئاسية، في سياقٍ يتسم باستقطاب حاد في الرأي العام الجزائري، بين مؤيدي دعوة المؤسسة العسكرية للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، بوصفها الحل الأمثل للأزمة السياسية الراهنة، ومعارضي هذه الدعوة بحجة أن الظروف الراهنة لا تسمح بتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، وخاصة في ظل بقاء حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي الذي عيّنه الرئيس بوتفليقة قبل استقالته والمتهم بتزوير انتخابات سابقة في عهده، فضلًا عن بقية رموز النظام السابق، فضلًا عن استمرار الاعتقالات في صفوف الحراك الشعبي المعارض، سلميًّا، للانتخابات؛ وهي تقع ضمن فئة اعتقالات الرأي السياسي (أفضى كثير منها إلى إدانات قضائية متفاوتة). ويسوق الرافضون أيضًا حجة أخرى تتمثل في أنه من غير الممكن، ومن غير المجدي، تنظيم انتخابات في ظل التضييق الممنهج على الإعلام. في المقابل، يحاجّ مؤيدو الانتخابات بأنّ إجراءها في موعدها الذي قررته السلطة لا يتنافى وروح الحراك الشعبي؛ ففضلًا عن الإنجازات التي تحققت، خلال الأشهر التسعة الماضية، وفي مقدمتها استعادةُ الشعب الفضاء العمومي والقدرة على التأثير سياسيًّا في خيارات السلطة، يمكن الحراك – وينبغي له – أن يستمر بعد الانتخابات وأن يواصل ممارسة الضغط على السلطة من أجل إصلاحات أعمق وأشمل.
تكمن المعضلة الجوهرية، بحسب الحراك الشعبي، في اللاتمثيل؛ حيث يرفض تقديم ممثلين عنه للتفاوض مع "السلطة الفعلية" حول شروط انتقال ديمقراطي حقيقي، فضلًا عن تقديم مرشحين يحظون بالتوافق الشعبي ويخوضون الانتخابات الرئاسية في مواجهة المترشحين الذين يُعدُّون شعبيًّا بقايا ورموزًا لنظام الرئيس بوتفليقة، مع تجنُّد ناشطين من الحراك للمشاركة في مراقبة الانتخابات لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
وثمة من يرى أن الانتخابات المقبلة، في ظل حملة الاعتقالات والتضييق على الإعلام، ستجرى في ظروف مشابهة لانتخابات 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، التي جاءت بالرئيس اليامين زروال إلى سدة الحكم، في حقبة "العشرية السوداء". ولا يتعلق الأمر فقط بالاعتقالات، ولكن أيضًا بالكثير من السلوكيات الموروثة عن المسارات الانتخابية التي عرفتها حقبة حكم الرئيس بوتفليقة، والتي دامت عشرين سنة كاملة (1999-2019)، كالهيمنة على الإعلام وتوظيف منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية (المساجد والزوايا).
ويتجلى منطق رفض الانتخابات في اتجاه آخر هو مقاطعة أحزاب سياسية لتقديم مرشحين عنها للانتخابات. يتعلق الأمر بالحزبين الإسلاميَين حركة مجتمع السلم (أسسه الراحل محفوظ نحناح ويرأسه حاليًا عبد الرزاق مقري) وجبهة العدالة والتنمية (يرأسه عبد الله جاب الله)، فضلًا عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يرأسه كريم طابو) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (يرأسه محسن بلعباس). هذا إضافة إلى أن شخصيات سياسية وطنية عدة قاطعت الترشح لهذه الانتخابات، على غرار مولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق، وطالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق وأحمد بن بيتور رئيس الحكومة الأسبق، وهم جميعًا من الأسماء التوافقية التي كان يُنتظر منها أن تقود الحوار مع السلطة الفعلية من أجل تجسيد مطالب الحراك الشعبي.
أبعد من ذلك، ذهب عدد معتبر من رؤساء المجالس الشعبية البلدية، قبل إلغاء انتخابات 4 تموز/ يوليو، إلى حد الإعلان عن رفضهم تنظيم عملية التصويت في بلدياتهم. وأغلب هذه البلديات واقعة في ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة (منطقة القبائل الكبرى)، ويهيمن على أغلبها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض. في مقابل ذلك، يبقى في إمكان السلطة المستقلة للانتخابات أن ترفع شكاوى قضائية لدى وكيل الجمهورية، ضد موظفي الإدارة الذين يثبت في حقهم القيام بأعمال من شأنها عرقلة عمليات التصويت.
ثانيًا: موقف المؤسسة العسكرية
تنفي قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، باستمرار، وجود أي طموح سياسي لدى قيادات الجيش. وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، صدر قانون جديد يحظر على متقاعدي الجيش ممارسة أيّ نشاط سياسي، بما في ذلك الترشح للانتخابات، مدة خمس سنوات بعد توقفهم نهائيًا عن الخدمة في الجيش. كما تؤكد القيادة العسكرية، باستمرار، أن يلتزم الجيش بمهماته الدستورية، وألّا يتعدى ما يقوم به خلال الفترة الراهنة "مرافقة الحراك الشعبي" و"تقديم الدعم اللازم" لجهاز العدالة في حملته ضد الفساد الذي استشرى في حقبة الرئيس بوتفليقة.
ترى المؤسسة العسكرية أنّ إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها يبقى خارج حدود الجدل، حتى مع الاحتجاجات المتصاعدة الرافضة لإجراء الانتخابات في ظل نمو حملة الاعتقالات في أوساط الحراك الشعبي، واستمرار تدخّل الجيش في الشأن السياسي، ومع بقاء رموز نظام الرئيس بوتفليقة. ويبقى هاجس الشرعية الدولية مؤثرًا للغاية؛ حيث تفضّل هذه المؤسسة العودة إلى الشرعية الدستورية ما أمكن ذلك، لأن إطالة أمد العمل خارجها يعدّ مُكْلِفًا سياسيًّا (محاذير الانتقادات الدولية)، واقتصاديًّا (محاذير الفشل الاقتصادي)، وأمنيًّا (محاذير الانفلات الأمني في الشارع). في نهاية المطاف، سيكون إلغاء/ تأجيل الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة في أقل من عشرة أشهر مكلفًا معنويًّا، داخليًّا وخارجيًّا، بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية بوصفها نواة السلطة الفعلية الحاكمة بعد استقالة الرئيس بوتفليقة.
ثالثًا: من لجنة الوساطة والحوار إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات
أعلن رئيس الدولة، في 25 تموز/ يوليو 2019، عن تشكيل ما عُرف بلجنة الوساطة والحوار الوطني، التي أوكلت لها مهمة فتح حوار وطني مع مختلف الفاعلين السياسيين من أحزاب وشخصيات وطنية ومنظمات المجتمع المدني وناشطين في الحراك الشعبي، يكون الهدف منه الوصول إلى خارطة طريق توافقية يمكن بناءً عليها تنظيم انتخابات رئاسية تنهي الأزمة السياسية التي تلت استقالة الرئيس بوتفليقة وإلغاء انتخابات 18 نيسان/ أبريل[3].
وكان أبرز توصيات الهيئة استحداث سلطة مستقلة دائمة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، مع إدخال تعديلات جزئية على قانون الانتخابات، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية عام 2019. وفعلًا، تمّ إنشاء هذه السلطة بقرار رئاسي صدر في 14 أيلول/ سبتمبر برئاسة محمد شرفي، وقد خُوّلت الصلاحيات المتعلقة بتنظيم الانتخابات التي كانت مخولة لوزارتَي الداخلية والعدل والمجلس الدستوري. وتتكوّن السلطة المستقلة للانتخابات من مجلس يضم 50 عضوًا، يمثلون 20 كفاءة من المجتمع المدني، و10 كفاءات جامعية، و10 من العاملين في قطاع العدالة (4 قضاة، ومحاميان، وموثقان، ومحضران قضائيان)، و5 كفاءات مهنية، و3 شخصيات وطنية، وممثلين عن الجالية بالخارج[4]. واشتُرط في عضوية اللجنة ألّا يكون العضو منخرطًا في حزب سياسي على الأقل منذ خمس سنوات، وألّا يشغل أي وظيفة عليا في الدولة، وألّا يكون منتخبًا سواءً في المجلس الشعبي الوطني أو المجالس الشعبية المحلية. كما لا يمكن أيّ عضو من أعضاء السلطة الترشح، خلال فترة عضويته، للانتخابات ولا المشاركة في الحملات الانتخابية أو الإفصاح العلني عن دعم مرشحٍ بعينه.
رابعًا: ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية
ألزمت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، أول مرة في تاريخ الانتخابات الجزائرية، المترشحين بتوقيع "ميثاق أخلاقيات الحملة الانتخابية". وهي وثيقة تلزمهم بمجموعة من "المبادئ التوجيهية والممارسات الخاصة التي تشكل إطار السلوك الأخلاقي المنتظر من الفاعلين والمشاركين في العملية الانتخابية". أبرزها[5]: حظر استعمال أماكن العبادة والمؤسسات والإدارات العمومية وكذا مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، بأي شكل من الأشكال، ومهما كانت طبيعتها أو انتماؤها، لأغراض الدعاية الانتخابية؛ وحظر استعمال اللغات الأجنبية خلال الحملة الانتخابية؛ والامتناع عن نشر أي مادة ترويجية تتضمن عبارات أو صورًا من شأنها أن تثير الكراهية والتمييز والعنف أو فقدان الثقة بمؤسسات الجمهورية؛ والحرص على الإدلاء بتصريحات واقعية للجمهور؛ والامتناع عن التلفظ بعبارات القذف والشتم والسبّ تجاه أي مترشح آخر؛ وحظر اللجوء، خلال الحملة الانتخابية، إلى استعمال الوسائل والامتيازات التي يحظون بها، بحكم موقعهم أو وظيفتهم.
خامسًا: الحملة الانتخابية والمشاركة في التصويت
يُتوقَّع أن تكون نسبة المشاركة في انتخابات 12 كانون الأول/ ديسمبر ضعيفة[6]، وذلك في ظل الاحتجاجات الواسعة الرافضة لإجرائها في ظروفٍ لا تسمح بجعل هذه الانتخابات مدخلًا لانتقال ديمقراطي فعلي في الجزائر. وتؤثر هذه الاحتجاجات في سيرورة الحملة الانتخابية؛ حيث يكتفي المترشحون بلقاءات سريعة بأعداد متواضعة من الحاضرين، في قاعات مغلقة، تُؤمّنها عناصر مكثفة من قوات الأمن[7] تفاديًا للصدام بين المترشحين وأنصارهم من جهة، والرافضين للانتخابات من جهة أخرى. لذلك، يبدو أن جزءًا معتبرًا من الحملة الانتخابية يجري من أجل الترويج للانتخابات نفسِها بدل الترويج للبرامج الانتخابية[8]، أي إنّ المترشحين يركزون على إقناع الناس بالذهاب من أجل التصويت بدلًا من التركيز على إقناعهم بالذهاب من أجل التصويت لصالح برامجهم الانتخابية.
تطرح الكيفية التي تجري بها الحملة الانتخابية، وعلى نحو مُلحٍّ، مشكلةً تتعلق بشرعية رئيس الجمهورية الذي سينتخب يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر؛ إذ كيف يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره شرعيًا في وقت لا يستطيع فيه النزول إلى الشارع والحديث إلى الشعب، الذي يُفترض أنه يستمد منه شرعيته؟
وتحسبًا لاحتمالات حدوث انزلاقات نحو العنف، سواء أثناء الحملة الانتخابية أو أثناء عملية التصويت، كانت قيادة أركان الجيش قد أعلنت أنها "في إطار التأمين الشامل للعملية الانتخابية التي تعهدت [...] بضمانها منذ استدعاء الهيئة الناخبة لاختيار رئيس للبلاد يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، اتخذت كل الإجراءات الأمنية والترتيبات الضرورية لتوفير الظروف المناسبة لسير العملية الانتخابية وفقًا للشروط القانونية والمعايير المعمول بها لنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي الهام"[9]. غير أن الإجراءات الأمنية التي تزامنت مع فترة الدعاية الانتخابية لم تخل من حملة واسعة من الاعتقالات في صفوف ناشطي الحراك الرافضين للانتخابات الرئاسية والمعرقلين لنشاطات المترشحين لها؛ ما دفع بهم، في الجمعة الأربعين من عمر الحراك، إلى رفع شعار "هذه حملة اعتقالات وليست حملة انتخابات".
أخيرًا، في وقت كان يُنتظر فيه أن تؤدي منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك الأوسع استعمالًا في الجزائر، دورًا بديلًا في الحملات الانتخابية للمترشحين؛ إذ تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 22 مليون جزائري لهم حساب على فيسبوك، وهو عدد لا يبعد كثيرًا عن عدد الناخبين المسجلين في القوائم الرسمية (تقريًبا 24.5 مليون جزائري)، إلا أن المترشحين يبدون غير متحمسين، مثلًا، لتمويل منشورات مدفوعة على منصة فيسبوك Sponsored تروّج لبرامجهم ونشاطاتهم في إطار الحملة الانتخابية. في السياق نفسِه، يبدو ناشطو الحراك أقدر وأكثر تحكمًا في استعمال هذه المنصات في الترويج لرفض إجراء هذه الانتخابات.
سادسًا: المترشحون[10]
1. المترشحون
تشمل القائمة النهائية لمترشحي الانتخابات الرئاسية الجزائرية أربعة مرشحي أحزاب، هم عبد العزيز بلعيد عن جبهة المستقبل، وعلي بن فليس عن طلائع الحريات، وعبد القادر بن قرينة عن حركة البناء الوطني، وعز الدين ميهوبي عن التجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى مترشح مستقل هو عبد المجيد تبّون. فيما يلي سير ذاتية موجزة للمترشحين رسميًّا لهذه الانتخابات.
أ. عبد العزيز بلعيد
ولد في عام 1963 بولاية باتنة، شمال شرق الجزائر (عمره 56 سنة)، مترشح عن حزب جبهة المستقبل، حاصل على شهادتَي الدكتوراه في الطب والليسانس في العلوم القانونية. شغل منصب الأمين العام لمنظمة الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين فترة طويلة (1986-2007)، وهي منظمة طلابية تعدّ، على نحو غير رسمي، من أجنحة حزب جبهة التحرير الوطني. كما شغل عضوية اللجنة المركزية للحزب نفسه وانتخب نائبًا في البرلمان عنه في عهدتين متتاليتين (1997-2007). ثم انسحب من حزب جبهة التحرير الوطني ليؤسس حزب جبهة المستقبل في عام 2012. وهذا يعدّ ثاني ترشح له للانتخابات الرئاسية.
ب. علي بن فليس
ولد في عام 1944 بولاية باتنة، شمال شرق الجزائر (عمره 74 سنة)، حاصل على شهادة الليسانس في العلوم القانونية. التحق بسلك القضاء في بداية حياته العملية حيث عيّن قاضيًا، ثم قاضيًا منتدبًا بالإدارة المركزية في وزارة العدل، ثم وكيلًا للجمهورية، ثم نائبًا عامًّا، ثم استقال ليعمل في سلك المحاماة منتصف السبعينيات. وكان وزيرًا سابقًا للعدل ورئيس حكومة في فترتين (1999-2000؛ 2000-2003) كما شغل، في حقبة حكم بوتفليقة، منصبَي الأمين العام لرئاسة الجمهورية ومدير ديوان رئاسة الجمهورية. وكان أمينًا عامًا لحزب جبهة التحرير الوطني، وانسحب منها بعد هزيمته في انتخابات 2004. ثم أسس حزب طلائع الحريات في عام 2014. ترشّح ثلاث مرّات للانتخابات الرئاسية (كان مديرًا للحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة في انتخابات عام 1999 التي جاءت به إلى سدة الحكم).
ج. عبد القادر بن قرينة
وُلد في عام 1962 بولاية ورقلة، جنوب شرق الجزائر (عمره 57 سنة)، حاصل على شهادة الدراسات العليا في الإلكترونيك ثم شهادة الدراسات المعمقة في العلوم السياسية. كان وزيرًا للسياحة خلال عهدة الرئيس اليامين زروال (1997-1999)، ونائبًا في البرلمان عن حركة مجتمع السلم ونائبًا سابقًا لرئيس البرلمان. يعدّ أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم (تيار الإخوان المسلمين) عام 1998، قبل أن ينشقّ عنها ويساهم في تأسيس حركة البناء الوطني عام 2014 التي يترأسها منذ عام 2018.
د. عز الدين ميهوبي
ولد في عام 1959 بولاية المسيلة، شمال شرق الجزائر (عمره 60 سنة). تخرّج في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1984، وهو أديب وشاعر وإعلامي سابق (رئيس تحرير جريدة الشعب الجزائرية، ومدير عام للإذاعة الجزائرية، ومدير عام سابق للمكتبة الوطنية الجزائرية)، ووزير الاتصال (2006-2008)، ثم وزير الثقافة في آخر حكومة في حقبة الرئيس بوتفليقة (2015-2019). انتخب أمينًا عامًّا لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للرئيس بوتفليقة (وهو الحزب الذي كان على رأسه الوزير الأول أحمد أويحيى الذي يقبع في السجن بتهم فساد).
ه. عبد المجيد تَبُّون
وُلد في عام 1945 بولاية النعامة، شمال غرب الجزائر (عمره 73 سنة). وهو مترشح مستقل. تخرّج في المدرسة الوطنية للإدارة، تخصص اقتصاد ومالية عام 1965. تولّى العديد من الوظائف الإدارية والبرلمانية والسياسية والوزارية (أمين عام للولاية في عدة ولايات، والٍ، ووزير، تولى منصب وزير الإسكان 2012-2017). عيّنه الرئيس بوتفليقة وزيرًا أولَ في 25 أيار/ مايو 2017، لكنه سرعان ما أقاله في 15 آب/ أغسطس 2017 (بعد أقل من ثلاثة أشهر)، على الأرجح بسبب تصريحاتٍ له حول نيته مكافحة الفساد والحد من نفوذ رجال المال والأعمال (الفاسدين) في السياسة، المقرّبين من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس. ورغم أنه مترشح حرّ، فإنه تمكّن من جمع أكبر عدد من استمارات الترشح مقارنة بنظرائه. في بداية الحراك، كان تبّون يتمتع بسمعة طيبة شعبيًّا، وذلك بفضل موقفه من رجال الأعمال الفاسدين ودعوته لفكّ الارتباط بين المال والسياسة، غير أنّ المطاف انتهى به ضحية لشعارات الحراك الشعبي "ترحلوا يعني ترحلوا" و"ليرحل الجميع"، كما انتهى به المطاف رمزًا من "رموز بوتفليقة".
2. الخارطة الأيديولوجية للمترشحين
من الصعب وصف خارطة واضحة للانتماءات الأيديولوجية للمترشحين، وذلك لسببين: أولهما أن التصنيف التقليدي للتيارات السياسية في الجزائر لم يعد يعبّر بدقة عن توجهات الأحزاب السياسية القائمة، والتي تم إنشاؤها في عهد الرئيس بوتفليقة، كحزب طلائع الحريات وحزب جبهة المستقبل؛ أمّا ثانيهما فيتعلق بشحّ الخطابات السياسية للمترشحين، في مجملها، وخلوّها من الخوض في المنطلقات الفكرية لبرامجهم الانتخابية، على نحوٍ يعني غياب الحديث عن أيّ مشروع نهضوي تقوم عليه تلك البرامج، مع تركيزهم على المسائل الآنية التي يثيرها الحراك الاجتماعي والسياسي بعد 22 شباط/ فبراير. وفضلًا عن ذلك، يبدو أن السياق العام الذي تجري فيه الاحتجاجات بمختلف مطالبها منذ تسعة أشهر، يلقي بظلاله على أي إمكانية لبروز انتماءات أو اصطفافات أيديولوجية، سواء في صفوف المترشحين وداعميهم أو في صفوف ناشطي الحراك، بل ثمة انقسام حدّي بين داعمي الانتخابات ورافضيها.
في الإمكان، رغم ذلك، رسم ملامح عامة لهذه الخارطة من خلال خلفيات المترشحين؛ إذ يبدو عبد القادر بن قرينة محافظًا منحدرًا من التيار الإسلامي، حيث كان من مؤسسي حركة مجتمع السلم قبل أن ينشق عنها ويؤسس حركة البناء الوطني، بينما يبقى علي بن فليس وعبد العزيز بلعيد وطنيَيْن منحدَريْن من حزب جبهة التحرير الوطني، ويبدو عز الدين ميهوبي ليبراليًّا حداثيًّا، وهو ما يمكن استشفافه من خلال تدرّجه في مناصب عديدة في قطاع الثقافة، أما عبد المجيد تبون فتكنوقراطي بامتياز، وذلك من خلال مسيرته البيروقراطية الطويلة التي تعود إلى السبعينيات.
3. انتخابات من دون يسار ومن دون مترشحات
إضافة إلى ما سبق، يمكن ملاحظة غياب التيار اليساري الذي مثّلته خلال الانتخابات السابقة لويزة حنون، الأمين العام لحزب العمال، والتي تم إيداعها السجن ضمن حملة الاعتقالات التي لحقت عددًا معتبرًا من رموز نظام بوتفليقة. غير أن غياب حنون عن المشهد الانتخابي لا يؤشر فقط إلى غياب التيار اليساري فحسب، لكنه يؤشر أيضًا إلى غياب مترشحات من القائمة النهائية للمترشحين. وحنون هي المرأة الوحيدة التي شاركت في الأدوار النهائية للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات في عهد الرئيس بوتفليقة (2004، و2009 و2014). وهو ما يعدّ، نسبيًّا، مؤشرًا على إخفاق الإصلاحات التي أقرّها بوتفليقة بشأن المشاركة السياسية للمرأة (من أبرزها إقرار المواد القانونية المعروفة بقانون "الكوتا النسوية" الذي يفرض على قوائم الترشيحات في انتخابات المجالس الشعبية المحلية والولائية ألّا تقلّ فيها نسبة النساء المترشحات عن 30 في المئة).
سابعًا: احتمالات الدور الثاني
تبدو الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 12 كانون الأول/ ديسمبر مختلفة عن سابقتها؛ حيث تعوّد الجزائريون على التكهن مسبقًا بالرئيس المقبل، وذلك من خلال مؤشرات عديدة، مثل حجم تمويل الحملات الانتخابية للمترشحين، أو موقف المؤسسة العسكرية، أو حتى مواقف القوى الكبرى المؤثّرة في الجزائر (غير المعلنة في الحالتين)؛ ففضلًا عن أثر الحراك المعارض لإجراء الانتخابات في ظل الظروف الراهنة، تحجم المؤسسة العسكرية عن دعم أحد المترشحين على حساب نظرائه الآخرين، بينما تبقى القوى الكبرى الخارجية غير راغبة في إبداء رأيها في المترشحين للرئاسة. كما أنّ أثر الاستقطاب بين مؤيدي تنظيم الانتخابات ومعارضيها يبدو واضحًا في مجريات الحملة الانتخابية نفسها؛ حيث يتم التركيز على أهمية الانتخابات في حد ذاتها وليس على البرامج الانتخابية، وهو ما يزيد من حدة الغموض بشأن النتائج المحتملة لهذه الانتخابات، بما في ذلك إمكانية الذهاب إلى دورٍ ثانٍ في حال لم يتمكّن أيٌّ من المترشحين من الحصول على أكثر من 51 في المئة من مجموع الأصوات المعبّر عنها، وهي حالة لم يحدث أن شهدتها الانتخابات الرئاسية في الجزائر.
[1] "النص الكامل لخطاب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح للأمة"، وكالة الأنباء الجزائرية، 15/9/2019، شوهد في 30/11/2019، في: https://bit.ly/2LokIrL
[2] هذه الانتخابات هي الحادية عشرة منذ عام 1962، تاريخ استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي؛ والخامسة منذ عام 1995، تاريخ إجراء أول انتخابات رئاسية في ظل التعددية التي عرفتها الجزائر مطلع تسعينيات القرن الماضي.
[3] تشكلت اللجنة من 6 أعضاء، لكن سرعان ما استقال عضوان بارزان، إسماعيل لالماس وهو خبير اقتصادي وعز الدين بن عيسى وهو أكاديمي، بحجة إحجام السلطة الفعلية عن الاستجابة لجملة من الشروط المسبقة للحوار، كرحيل حكومة نور الدين بدوي وإطلاق سراح معتقلي الرأي. كما رفض عدد من الشخصيات الوطنية الانضمام إلى اللجنة، على غرار أحمد طالب الإبراهيمي وهو وزير خارجية أسبق (1982-1988)، ومولود حمروش وهو رئيس حكومة أسبق (1989-1991).
[4] يترأس الهيئة محمد شرفي الذي تولى الوزارة في حكومة علي بن فليس الثانية (4 حزيران/ يونيو 2002 – 5 أيار/ مايو 2003) وفي حكومة أحمد أويحيى الثالثة (أيار/ مايو 2003 – نسيان/ أبريل 2004). أقيل من منصبه في أيلول/ سبتمبر 2003 بعد توقيعه مذكرة توقيف وزير الطاقة السابق شكيب خليل، وكان يومها بلقاسم زغماتي، وزير العدل الحالي، نائبًا عامًا للجزائر العاصمة الذي قام بتنفيذ الأمر.
[5] "ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية: التزامات المترشحين والأحزاب السياسية"، وكالة الأنباء الجزائرية، 16/11/2019، شوهد في 30/11/2019، في: https://bit.ly/368VxBH
[6] تتشكل الهيئة الناخبة في الجزائر، وفق آخر مراجعة للقوائم الانتخابية خريف 2019، من 24474161 ناخبًا، بينهم 914308 ناخبين مسجلين على مستوى المراكز الدبلوماسية والقنصلية بالخارج. يُنظر: "رئاسيات: العدد الإجمالي للهيئة الناخبة يقارب 24 مليونًا ونصف مسجل"، وكالة الأنباء الجزائرية، 20/11/2019، شوهد في 30/11/2019، في: https://bit.ly/365oTAN
[7] جرب المترشحون، منذ الأيام الأولى لفترة الدعاية الانتخابية، النزول إلى الشارع، لكن الاحتجاجات استمرت وكانت لهم بالمرصاد، فعمدوا إلى تنظيم تجمعاتٍ محتشمة في قاعات مغلقة تُؤمِّنها قوات الشرطة والدرك الوطني.
[8] "اليوم الأول للحملة الانتخابية: التركيز على أهمية الاقتراع لإخراج البلاد من الأزمة"، وكالة الأنباء الجزائرية، 17/11/209، شوهد في 30/11/2019، في:https://bit.ly/38avprG
[9] "وزارة الدفاع الوطني: اتخاذ كل الإجراءات لنجاح الرئاسيات المقبلة"، وكالة الأنباء الجزائرية، 18/11/2019، شوهد في 30/11/2019، في: https://bit.ly/365U2Eo
[10] أسماء المترشحين مرتّبة بحسب الترتيب الأبجدي للحروف الأولى من الاسم العائلي.