العنوان هنا
تقييم حالة 13 فبراير ، 2011

الحركات الاحتجاجية في الجزائر (كانون الثاني/يناير 2011)

الكلمات المفتاحية

عبد الناصر جابي

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر، تخصص منذ سنوات في دراسة الحركات العمالية والنقابية في الجزائر، وكذا تحليل الحركات الاحتجاجية السياسية والاجتماعية التي عرفتها الجزائر في فترة ما بعد سبعينيات القرن العشرين. لديه العديد من الإسهامات في تحليل وتأريخ الحراك السياسي والاجتماعي في الجزائر، ومن بين مؤلفاته المنشورة: "الجزائر تتحرك: دراسة سوسيو-سياسية للإضرابات العمالية في الجزائر"، (الجزائر: دار الحكمة،1995)، و"الانتخابات: الدولة و المجتمع "، (الجزائر: دار القصبة، 1997)، و"الجزائر من الحركة العمالية إلى الحركات الشعبية"، (الجزائر: المعهد الوطني للعمل، 2001). وكذا المشاركة بورقة تحت عنوان: "الحركات الاجتماعية في الجزائر بين أزمة الدولة الوطنية وشروخ المجتمع"، في المؤلف المشترك: "الحركات الاجتماعية في العالم العربي"، (القاهرة: مركز البحوث العربية والإفريقية ومكتبة مدبولي، 2006). كما نشر العديد من المقالات والبحوث التحليلية في دوريات متخصصة مثل: "الشباب والانتخابات الرئاسية في الجزائر"، و"الانتخابات التشريعية الجزائرية... انتخابات استقرار... أم ركود ؟"، و"الانتخابات الرئاسية الجزائرية :إشكالية الترشح والمشاركة"، و"مساهمة في سوسيولوجية النخبة النقابية الجزائرية: حالة قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين" (مجلة نقد)،وكذا " Algeria: from social regimentation to new popular movements".

تحاول هذه الورقة تقديم تشريح سوسيولوجي للحركات الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر في كانون الثاني/ يناير 2011، والتي تميزت ببعض الخصوصيات، مع أنها أعادت إنتاج كثير مما عُرفت به الحركات الاجتماعية الاحتجاجية في البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فقد كررت هذه الحركات نفسها، ولا سيما في استمرار ضعف أشكالها التنظيمية وغياب الفئات الوسطى والمتعلمين عنها. كما ان دور شباب الأحياء الشعبية في الحركات الاحتجاجية الأخيرة تجدد كفاعل رئيسي فيها ومبادر إليها، مثلما تجدد لجوء المحتجين إلى أشكال عنف تعبيرية لم تتجاوز المرحلة الرمزية، على الرغم مما تتسم به الثقافة السياسية الشعبية في الجزائر -تقليديا- من "راديكالية" ليست مرادفة للعنف دائما.


مقدمة

تشِّـف الحركات الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر في كانون الثاني/ يناير 2011، عن الملامح التفصيلية للحالة الجزائرية بمختلف تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فهي تحيل ذلك إلى الركود الذي يميز أداء المؤسسات السياسية الرسمية والمعارضة، كما تؤشر على الضيق في الساحتين الإعلامية والسياسية، والتخبط في الأداء الاقتصادي، في وقت تحسنت فيه الحالة المالية للبلاد من دون أن يلجم ذلك اتساعَ آثار التهميش التي تمس، على وجه الخصوص، فئة الشباب ذات الحضور الديموغرافي الكبير. ويزيد الفساد المستشري قتامة الصورة، وهو الذي وصل إلى المؤسسات ذات المكانة الرمزية كشركة المحروقات الحكومية "سوناطراك".

بيد أن فهم الخصائص التي اتسمت بها الحركات الاحتجاجية في الجزائر لا يتأتى من دون العودة إلى المستويات الثقافية والفكرية المرتبطة بمكانة النخب الثقافية والسياسية الجزائرية وأدوراها، والمتسم أداؤُها تاريخيا بالشلل وعدم الفاعلية في كثير من الأحيان، نتيجة ارتباطها بالمنطق الانقسامي[1] الذي تكونت على أساسه، في مجتمع عانى طويلا ظاهرة استعمارية استيطانية.

شهدت الجزائر منذ 1980 كثيراً من الحركات الاجتماعية الشعبية[2]، فقد عرفت مدن جزائرية عدة (وهران في 1982 والجزائر العاصمة في 1985، وسطيف في 1986، وغيرها) حركات احتجاجية شكّلت سلسلة من الحراك الاجتماعي الذي تحول إلى سمة مميزة للمجتمع الجزائري.

وضمن هذا السياق مثّلت أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988[3] التي انطلقت من الجزائر العاصمة، لتتسع إلى المدن الأخرى في مختلف مناطق البلاد، علامة فارزة في قوة تأثير هذا النوع من الحركات الاحتجاجية، بسبب طبيعة النتائج السياسية المهمة التي ترتبت عليها، كالإعلان بعدها مباشرة، وكنتيجة لها، عن دخول البلاد مرحلة التعددية السياسية وإصدار دستور جديد اعترف بحق تأليف الأحزاب وحق الإضراب وتكوين النقابات، وحق إصدار الصحف... إلخ. هذا الدستور الجديد مهد لإجراء أول انتخابات بلدية وتشريعية تعددية في تاريخ الجزائر(1990/1991)، والتي أُلغيت نتائجها مباشرة بعد إعلان فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ [4]، وهو ما شكّل الشرارة التي أدخلت البلاد في مرحلة عنف وعدم استقرار لم تتعاف منها بشكل نهائي حتى اليوم.


[1] خلافا لبعض الدول العربية، بما فيها بلدان المغرب العربي، لم تظهر مؤسسات إنتاج ثقافي فاعلة في الجزائر على شاكلة "الزيتونة" أو"القرويين"، ما جعل النخب الفكرية والثقافية ضعيفة الحضور في المجتمع ومنقسمة على نفسها لغويا وقيميا.

[2] عبد الناصر جابي، "الجزائر من الحركة العمالية إلى الحركات الشعبية"، الجزائر: المعهد الوطني للعمل، 2001.

[3] ليس هناك كتابات نوعية كثيرة عن أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 1988، لكن يمكن الرجوع إلى بعض شهادات الفاعلين الرسميين التي جاءت في كتاب سيد احمد سميان: Sid Ahmed Semiane (dir.), Octobre, ils parlent, (Alger: éd. Le Matin, 1998) أو الرجوع إلى بعض الدراسات الأكاديمية الفرنسية، مثل: Didier Le Saout et Marguerite Rollinde (dir), Émeutes et mouvements sociaux au Maghreb, (Paris: Karthala-Institut Maghreb-Europe, 1999).

[4] فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المجالس الشعبية البلدية في انتخابات 1990، وأكدت قوتها في الدور الأول للانتخابات التشريعية التي فازت بأغلبية المقاعد في كانون الأول/ديسمبر 1991. وهذا الفوز تم في ظرف سياسي تميز بحراك كبير لم تستطع المؤسسات الرسمية والنخب المسيطرة عليها مواكبته والتحكم فيه ما خلق لديها حالة هلع، وأدى إلى إلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية وحل المجالس الشعبية البلدية لاحقا بعد بداية المواجهات بين الجماعات الإسلامية والدولة. لمزيد من التفصيلات أنظر: عبد الناصر جابي، "الانتخابات الدولة والمجتمع"، (الجزائر: دار القصبة، 1999).