العنوان هنا
أوراق استراتيجية 17 مارس ، 2021

جيوش وجراثيم: الأوبئة وأثرها في الفاعلية العسكرية

الكلمات المفتاحية

سيد أحمد قوجيلي

أستاذ مساعد في برنامج الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية، ضمن تخصّص الدراسات الأمنية والاستراتيجية. تركّز أبحاثه على حقل الدراسات الأمنية النقدية، ونظرية العلاقات الدولية، ونظريات الدولة. صدر له ثلاثة كتب: "الصراع على تفسير الحرب والسلم: دراسات في منطق التحقيق العلمي في العلاقات الدولية" (2019)، و"الدراسات الأمنية النقدية: مقاربات جديدة لإعادة تعريف الأمن" (2014)، و"تطور الدراسات الأمنية ومعضلة التطبيق في العالم العربي" (2012). وقد نشر الكثير من مقالات في العديد من الدوريات الأكاديمية المحكّمة.


مقدمة

في حين كان العالم يستعدّ للدخول في أكبر حجر عالمي في التاريخ، في آذار/ مارس 2020، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية ثبوت إصابة 1271 جنديًّا (26.6 في المئة) من طاقم حاملة الطائرات الأميركية ثيودور روزفلت USS Theodore Roosevelt التي كانت في مهمّة دورية في منطقة المحيط الهادي. تسبَّب تفشّي الفيروس في تعطّل مؤقّت للسفينة، أجبر هيئة الأركان المشتركة على إخراجها من الخدمة أسابيع معدودة[1]. بعد ذلك، أعلنت الهيئة نفسها أنّ ثلاث ناقلات أخرى، هي رونالد ريغان USS Ronald Reagan، وكارل فينسون USS Carl Vinson، ونيميتز USS Nimitz، قد أظهرت نتائج إيجابية للبحّارة[2].

كانت حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول Charles de Gaulle تعاني المصير نفسه في البحر الأبيض المتوسّط، فقد أعلنت وزارة القوات المسلّحة الفرنسية إصابة ثلث الجنود الذين كانوا على متنها (أكثر من ألف جندي)؛ ما أجبرهم على إخراجها من الخدمة بعد مرور أسبوع فقط من التفشّي[3]. وفي الفترة نفسها، توقّفت الغواصة التابعة للبحرية الهولندية "إم إس دولفيجن" MS Dolphin عن إكمال مهمّتها العسكرية في بحر الشمال، قبالة ساحل إسكتلندا بعد ثبوت إصابة 15 جنديًّا (من أصل 58 جنديًّا) من طاقمها بالفيروس[4].

يستخدم الخبراء مصطلح "التعطّل التشغيلي" Operational Disruption[5]، لوصف مثل هذا النوع من الحوادث؛ ومعناه توقّف النشاط العسكري جزئيًا لسبب ما، يؤدّي إلى خروج الجنود أو المعدّات العسكرية التي يُشغّلُونها، مثل الأسلحة، من وضعية الخدمة أو النشاط. في الأصل، كان المصطلح يستخدم لوصف التوقفات الجزئية والطارئة التي تحدث من حين إلى آخر داخل بعض أجزاء المنظّمة العسكرية، ولم يسبق أن تمّ تطبيقه على المنظّمة بأكملها إلى غاية تفشّي فيروس كورونا. مثّلت هذه الجائحة أكبر تعطّل تشغيلي عالمي، منذ جائحة 1918، فقد أجبرت جيوش العالم جميعًا، تقريبًا، على تعليق العمل بالقواعد العسكرية الروتينية، وفرض الإجراءات الاستثنائية التي تضمّنت إلزام الجنود بالتباعد الاجتماعي، وفرض الحجر الصحّي على المصابين والوافدين، وإغلاق مراكز التجنيد، وتقييد تنقّل الجنود والقوات مُددًا متفاوتة، وإلغاء التدريبات والمناورات المشتركة، واستدعاء القوات المنشورة في الخارج، وتعليق الدوريات والمهمّات الاستطلاعية، وإلغاء صفقات السلاح، وهلمَّ جرَّا.

كشفت التعطّلات التشغيلية التي تسبّبت فيها الجائحة عن بعض نقاط الضعف في القوات المسلّحة في الدول الكبرى. وفي كل مرّة، تظهر فيها مثل نقاط الضعف هذه، تتّجه أنظار الخبراء إلى تقييم الأداء العسكري والكفاءة التشغيلية عبر استخدام مقياس الفاعلية العسكرية Military Effectiveness[6]. وتعدّ الفاعلية العسكرية من المصطلحات التخصّصية المتداولة بكثرة في الأوساط الأكاديمية والعسكرية على حد سواء.

دخل هذا المصطلح حيّز الاهتمام الأكاديمي بعد الحرب العالمية الثانية، حينما أراد الباحثون تقييم أداء الجيوش المتحاربة، وخاصة الجيش الألماني، وتطوّر في عقد ثمانينيات القرن العشرين، حينما لفتت الحروب العربية ‑ الإسرائيلية وحرب فيتنام انتباه الباحثين إلى الفجوة الموجودة بين التفوّق المادي والأداء العسكري في أرض المعركة. وقد ركّزت الدراسات الكلاسيكية عن الجيش الأميركي[7] والجيش الألماني[8] والجيش الإسرائيلي[9]، على عدد محدود من العوامل، مثل: تماسك الوحدة والولاء، ودور القيادة، وتدريب الوحدات القتالية في ظروف واقعية، باعتبارها محدّدات أساسية للفاعلية العسكرية[10]. فكانت هذه أوّل المقاييس البسيطة التي بنى عليها الجيل الأول من الباحثين إسهاماته النظرية. وقد شهدت الدراسات اللاحقة توسيع تلك العوامل لتشمل البنى الاجتماعية[11]، والعلاقات المدنية - العسكرية[12]، وشكل نظام الحكم[13]. واقترحت دراسات أحدث مقاييس للفاعلية العسكرية مستندة إلى نتائج ساحة المعركة[14]، وكذلك الفاعلية القتالية على المستويين العملياتي والتكتيكي[15].

قدم الباحث هذه الورقة ضمن محاضرة نظمتها وحدة الدراسات الاستراتيجية

وباستثناءات قليلة[16]، تبنّت معظم هذه الدراسات تعريفًا للفاعلية العسكرية قائمًا على قدرة المنظّمات العسكرية على توليد القوّة وتوظيفها. ولكنّها تعاملت مع هذه القدرة باعتبارها شيئًا معطى ولم تأخذ في الحسبان القيود التي يمكن أن تواجهها تلك المنظّمات في توليدها أو ممارستها. وعلى الرغم من محاولة بعض الدراسات الأخيرة تكييف مقاييس الفاعلية العسكرية لتشمل القيود التشغيلية والأشكال الأخرى من توقّف النشاط العسكري[17]، فإنّها لم تتناول المتغيّر الصحّي باعتباره أحد عوامل التعطيل المحتملة للفاعلية العسكرية.

تحاول هذه الدراسة معالجة هذه البقعة العمياء Blind Spot تجاه الأمن الصحّي الموجودة في أدبيات الفاعلية العسكرية؛ إذ تسعى إلى استكشاف التأثير الذي تمارسه الأوبئة والأمراض المعدية في فاعلية المنظّمات العسكرية (العملياتية والتكتيكية على نحو خاص). لقد كان هذا التأثير محلّ اهتمام العديد من البحوث القيّمة التي نُشرت على مدى العقود القليلة الماضية، سواء تلك التي اختزلته في مفهوم "الحرب البيولوجية"[18]، أو تلك التي ركّزت على اتجاه التأثير المعاكس، عبر فحص دور الحروب والنزاعات المسلّحة في تفشّي الأوبئة[19]. بيدَ أنّ هذه الأعمال جاءت في معظمها من حقلَي التاريخ والطب العسكريّين بدلًا من الدراسات الاستراتيجية. وعلى الرغم من أنّ صعود الدراسات الأمنية النقدية CSS في العقد الأخير من القرن الماضي ساهم في بروز مصطلح الأمن الصحي Health Security[20]، فإن تقسيم العمل المصطنع بين العلماء النقديين والاستراتيجيّين، والطابع المناهض للتمركز الدولتي - العسكري للأوائل، حالَا دون اهتمام دراسات الأمن الصحي بالشؤون العسكرية[21].

تكشف البقعة العمياء الصحّية في أدبيات الفاعلية العسكرية الطابع اللاتاريخي للدراسات الاستراتيجية المعاصرة التي تتجاهل، إمّا عمدًا أو سهوًا، حقيقة أنّ الأوبئة والأمراض المعدية هي التي قرّرت مصير العديد من الحملات العسكرية والمعارك المعروفة في التاريخ: "إنّ الجنود الذين كانوا يكافحون للتخلّص من وابل الأوبئة نادرًا ما ربحوا الحروب"، كما يقول المؤرّخ المرموق هانس زينسر، "بل إنّ التيفوس والطّاعون والكوليرا والتيفوئيد والدوسنتاريا وغيرها من الأوبئة هي التي قرّرت نتيجة الحملات العسكرية أكثر ممّا فعل القيصر وحنبعل ونابليون وجميع الجنرالات في التاريخ"[22]. وينسحب هذا الحكم على معظم التاريخ العسكري قبل الحرب العالمية الأولى؛ فقد "أهلكت الأوبئة والأمراض المعدية القوّة القتالية للجيوش، وتسبّبت في تعليق العمليات العسكرية وإلغائها"[23]. بيد أنّ التفاعل بين الأوبئة والمنظّمات العسكرية هو أعمق وأعقد ممّا يوحي به هذا الارتباط؛ فالأوبئة، كما سيبيّن التحليل لاحقًا، لم تكن دائمًا عدوًّا لدودًا للجيوش، بل كانت في أحيان كثيرة حليفًا حارب معها جنبًا إلى جنب. ويروي التاريخ العسكري ملاحم كثيرة لجيوش استخدمت الأوبئة سلاحًا في معاركها ضدّ أعدائها؛ وهو السلاح الذي أثبت نجاعته في تعطيل القدرات القتالية للخصوم وتقرير نتيجة المعركة.

إنّ الهدف الرئيس من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على ظاهرة استخدام الأوبئة والأمراض المعدية، بوصفها سلاحًا لتعطيل فاعلية الوحدات القتالية المعادية. كانت هذه الظاهرة معروفة في التاريخ، ولا يستبعد الخبراء إمكانية وقوعها في المستقبل في ظلّ رسالة التنبيه التي تلقتها مختلف القوّات المسلّحة من أزمة فيروس كورونا؛ لذلك، نرى أنّ إعادة قراءة التاريخ العسكري للأوبئة سيكون مفيدًا لفهم النقاش الراهن حول إمكانية تسليح الوباء في عصر ما بعد هذا الفيروس. للقيام بذلك، تقدّم الدراسة فحصًا عميقًا للتفاعل الموجود بين الحتمية البيولوجية والتنظيم العسكري. وبعبارة أخرى، توضّح قيود الأسلحة في مواجهة الجراثيم[24]. إنّ اللغز الذي نحاول حلّه في هذه الدراسة هو الآتي: لماذا تستخدم الجيوش (أو على الأقل تستغل) الأوبئة والأمراض المعدية سلاحًا ضدّ أعدائها؟ وما احتمالات تطبيق هذه الاستراتيجية ونجاحها في حروب المستقبل؟


[1] Natasha Bertrand, Daniel Lippman & Lara Seligman, “Officials Probe the Threat of a Coronavirus Bioweapon,” Politico, 4/23/2020, accessed on 7/3/2021, at: https://rb.gy/bboxee; Thomas Gibbons-Neff et al., “‘There Will Be Losses’: How a Captain’s Plea Exposed a Rift in the Military,” The New York Times, 12/4/2020, accessed on 7/3/2021, at: https://rb.gy/d2vo5h

[2] Gibbons-Neff et al.

[3] Nathalie Guibert, “Coronavirus: Comment les marins du porte-avions ‘Charles-de-Gaulle’ ont été contaminés,” Le Monde, 9/4/2020, accessed on 7/3/2021, at: https://bit.ly/3hAD87C

[4] “Dutch Submarine Cuts off Mission after Corona Alert on Board,” Dutch News, 31/3/2020, accessed on 7/3/2021, at: https://bit.ly/2LfjTUV

[5] حملت النسخة الأحدث من "قاموس وزارة الدفاع للمصطلحات العسكرية" الخاص بالقوات المسلحة الأميركية إشارات عدّة إلى مصطلح تعطّل النشاطات العسكرية. ينظر:

Office of the Chairman of the Joint Chiefs of Staff, DOD Dictionary of Military and Associated Terms (Washington, DC: The Joint Staff, 2021).

[6] عمر عاشور، "تصاعد الفاعلية القتالية للتنظيمات المسلحة في العالم العربي وخارجه"، أوراق استراتيجية، رقم 2، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 17/8/2020، ص 5-6، شوهد في 14/3/2021، في: https://bit.ly/3thG2D4

[7] Samuel A. Stouffer et al., The AmericanSoldier: Combat and Its Aftermath (Princeton: Princeton University Press, 1949).

[8] Edward A. Shils & Morris Janowitz, “Cohesion and Disintegration in the Wehrmacht in World War II,” Public Opinion Quarterly, vol. 12, no. 2 (1948), pp. 280-315.

[9] Edward N. Luttwak & Daniel Horowitz, The Israeli Army: 1948-1973 (Cambridge: Abt Books, 1975).

[10] William D. Henderson, Cohesion: The Human Element in Combat (Washington, DC: National Defense University Press, 1985).

[11] Stephen Peter Rosen, Societies and Military Power: India and Its Armies (New York: Cornell University Press, 1996); Kenneth M. Pollack, Arabs at War:Military Effectiveness, 1948-1991 (Nebraska: Nebraska University Press, 2002).

[12] Stephen Peter Rosen, “Military Effectiveness: Why Society Matters,” International Security, vol. 19, no. 4 (1995), pp. 5-31; Aurel Croissant & David Kuehn (eds.), Reforming Civil-Military Relations in New Democracies: Democratic Control and Military Effectiveness in Comparative Perspectives (Berlin: Springer, 2017).

[13] Dan Reiter & Allan C. Stam, Democracies at War (New York: Cornell University Press, 2002).

[14] Eliot Cohen & John Gooch, Military Misfortunes: The Anatomy of Failure in War (New York: Free Press, 1990); Stephen Biddle, Military Power: Explaining Victory and Defeat in Modern Battle (Princeton: Princeton University Press, 2004); Randall Collins, “A Dynamic Theory of Battle Victory and Defeat,” Cliodynamics, vol. 1, no. 1 (2010), pp. 3-25.

[15] Caitlin Talmadge, The Dictator’s Army: Battlefield Effectiveness in Authoritarian Regimes (New York: Cornell University Press, 2015); Kirstin J. H. Brathwaite, “Effective in Battle: Conceptualizing Soldiers’ Combat Effectiveness,” Defence Studies, vol. 18, no. 1 (2018), pp. 1-18; Peter Thunholm & Lars Henåker, “A Tentative Model on Effective Army Combat Tactics,” Comparative Strategy, vol. 39, no. 5 (2020), pp. 490-504.

[16] Stouffer et al.; Luttwak & Horowitz.

[17] ينظر مثلًا:

Stephen Biddle, Julia Macdonald & Ryan Baker, “Small Footprint, Small Payoff: The Military Effectiveness of Security Force Assistance,” Journal of Strategic Studies, vol. 41, no. 1-2 (2017), pp. 89-142; Kenneth M. Pollack, Armies of Sand: The Past, Present, and Future of Arab Military Effectiveness (Oxford: Oxford University Press, 2019).

[18] Brian Balmer, “Biogical Warfare: The Threat in Historical Perspective,” Medicine, Conflict and Survival, vol. 18, no. 2 (2002), pp. 120-137; Roger Roffey, Anders Tegnell & Fredrik Elgh, “Biological Warfare in a Historical Perspective,” Clinical Microbiology and Infection, vol. 8, no. 8 (2002), pp. 450-454.

[19] Clara E. Councell, “War and Infectious Disease,” Public Health Reports, vol. 56, no. 12 (1941), pp. 547-573; Mark Osborne Humphries, “Paths of Infection: The First World War and the Origins of the 1918 Influenza Pandemic,” War in History, vol. 21, no. 1 (2013), pp. 55-81.

[20] Susan Peterson, “Epidemic Disease and National Security,” Security Studies, vol. 12, no. 2 (2002), pp. 43-81; Catherine Lo Yuk‑ping & Nicholas Thomas, “How is Health a Security Issue? Politics, Responses and Issues,” Health Policy and Planning, vol. 25, no. 6 (2010), pp. 447-453; Joao Nunes, “Questioning Health Security: Insecurity and Domination in World Politics,” Review of International Studies, vol. 40, no. 5 (2014), pp. 939-960.

[21] على الرغم من أنّ تطوّر العلوم الطبّية في القرن العشرين، بما في ذلك الطب العسكري، ساهم في تراجع بروز الأوبئة باعتبارها تهديدًا للمنظّمات العسكرية، فإنّ لانخفاض الاهتمام بالمتغيّر الصحّي جذورًا عميقة تمتدّ إلى الكتابات الكلاسيكية لأساطين الفكر الاستراتيجي؛ إذ لم يكن قدامى المنظّرين العسكريّين يعتقدون في إمكانية ترويض الحتمية البيولوجية وجعلها طيّعة لفنون الحرب. فعلى سبيل المثال، لم يتطرّق المنظّر العسكري الأول في التاريخ الحديث، الجنرال كارل فون كلاوزفيتس Carl von Clausewitz، في جميع مؤلفاته إلى تأثير الأوبئة في الحروب، على الرغم من معاصرته أكثر العصور الموبوءة في تاريخ أوروبا الحديث. ومن المفارقات "الساخرة" أنّه توفّي متأثّرًا بأعراض الكوليرا. ينظر:

Brad Spellberg, “Carl von Clausewitz (1780–1831) and Cholera: The Cause of World War II?” Journal of Medical Biography, vol. 13, no. 2 (2005), p. 110.

[22] Hans Zinsser, Rats, Lice, and History (New Brunswick: Transaction Publishers, 2008), p. 153.

[23] Matthew R. Smallman-Raynor & Andrew D. Cliff, War Epidemics: An Historical Geography of Infectious Diseases in Military Conflict and Civil Strife, 1850–2000 (New York: Oxford University Press, 2004), p. 342.

[24] Jared M. Diamond, Guns, Germs, and Steel: The Fates of Human Societies (New York: W.W. Norton, 1997).