العنوان هنا
تقييم حالة 14 يونيو ، 2011

مشاكل الولادة السياسية العسيرة لليبيا الجديدة

الكلمات المفتاحية

المولدي الأحمر

الدكتور مولدي الأحمر، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، حاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع (تخصص علم الاجتماع الريفي) من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، باريس  (EHESS)ودكتوراه الدولة من الجامعة التونسية في علم الاجتماع (تخصص علم الاجتماع السياسي). نشر عددًا من الدراسات باللغتين العربية والفرنسية، كما ترجم عدة بحوث من الفرنسية إلى العربية. له عدة كتب تخص المجتمعات المغاربية، وتحديدًا التونسية والليبية. نشر عددًا من المقالات العلمية في مجلات دولية متخصصة. وشارك في تأليف عدة كتب جماعية. تشمل اهتماماته البحثية الحالية "سوسيولوجيا الربيع العربي" والزعامة السياسية. يتولى الدكتور مولدي أيضًا رئاسة تحرير دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية والإنسانية التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
من كتبه المنشورة: الثورة التونسية: القادح المحلي تحت مجهر العلوم الاجتماعية (تحت إشراف)، الفاعل والشاهد: حوار مطول مع محمد الصياح مدير الحزب الاشتراكي الدستوري في عهد بورقيبة، في الثورة، ترجمة دراسة مارسيل موس: بحث في الهبة، الجذور الاجتماعية للدولة الحديثة في ليبيا: الفرد والمجموعة والبناء الزعامي للظاهرة السياسية، Du Mouton à l’olivier.

يتابع العالم اليوم باهتمام بالغ وبكثير من الدّهشة، مع عدم الفهم أحيانًا، تطوّر الأحداث في ليبيا. ولعلّ أهمّ الأسئلة التي تدور الآن في أذهان أغلب المراقبين والمحلّلين هي التالية: لماذا تدحرجت المعارضة الليبيّة من التظاهر السّلمي ضدّ النظام السياسي الاستبدادي لمعمّر القذافي، نحو الانخراط في حربٍ ضروس ضدّ رموز هذا النّظام أفضت بسرعة إلى تدويل قضيّتها؟ وكيف استطاع النظام الليبي أن يصمد كلّ هذا الوقت أمام انتفاضة شعبيّة عارمة شملت في بدايتها حتّى قلب العاصمة طرابلس؟

إنّ الإجابة عن أي سؤال يتمحور موضوعه حول تطور الأحداث في ليبيا ليس أمرًا هيّناً، خاصّةً في ظلّ خطاب إعلامي عالمي ومحلّي طاغٍ يستسهل استخدام وحدات تصنيف مضلّلة أحيانا، مثل العشيرة والقبيلة، وهي وحدات ذهنيّة وجدت من سوء الحظّ طريقها حتى إلى عقول الثوّار ووجدانهم بوصفها قيماً أخلاقيّة ومحدّداتٍ للسّلوك السياسي. لكنه من المهمّ أيضا أن ننتبه إلى أنّ مشاكل الفهم المتعلّقة بخصائص الصّراع على السّلطة ومعادلاته في هذا البلد ازدادت في الحقيقة غموضًا بسبب وجود ثلاثة عوامل رئيسة لم تكن موجودة في غيرها من الثّورات العربية:

  • العامل الأوّل هو الحضور الدولي اللاّفت لليبيا خلال الأربعين سنة الأخيرة على الساحة الإقليميّة، وأحيانا الدولية، كقوّة بتروليّة جاذبة للعمالة ارتبطت بها مصالح العديد من الدول. وقد غطّت هذه الصّورة الاقتصادية القويّة للبلاد على الكثير من مشاكل المجتمع الليبي الداخليّة، واختزلت علاقة ليبيا المضطربة مع العالم الخارجي في السلوك السياسي المميّز والاستفزازي لمعمّر القذافي على مسرح الأحداث الدوليّة.
     
  • العامل الثاني هو شخصيّة القذّافي السياسية في حدّ ذاتها. وهذه الشخصيّة لم تنحتها فقط أصولها البدويّة وتاريخ ليبيا السياسي، إنّما أيضًا قيمة الموارد الماليّة التي حظي بها الزعيم الصّاعد إلى قمّة الدولة في طريقه وعلى ذمّته. فاعتمادًا على هذه الثّروة وعلى أيديولوجية شعبوية فجّة وبدائية، قدّم القذّافي ليبيا للعالم على أنها بلد ليس له من المشاكل إلاّ تلك المتعلّقة بطمع القوى الخارجية الكبرى في ثروته. ومن ثمّ غطّت شخصية القذّافي، الذي استنفذ الكثير من الجهد كي يبقى محطّ أنظار العالم، على كلّ ما يتعلّق بالشّأن الاجتماعي-السياسي الداخلي لبلده بكلّ تعقيداته.
     
  • العامل الثالث هو أنّ المحلّلين الذين هرعوا لتفحّص الواقع الليبي في محاولة منهم لفهم الأحداث الجارية، اصطدموا بشحّ المعلومات المتعلّقة بمكوّنات هذا المجتمع الداخلية، تلك التي يبني عليها اليوم الفاعلون السياسيون أهدافهم وسلوكهم ومواقفهم واستراتيجيّات عملهم.