يتابع العالم اليوم باهتمام بالغ وبكثير من الدّهشة، مع عدم الفهم أحيانًا، تطوّر الأحداث في ليبيا. ولعلّ أهمّ الأسئلة التي تدور الآن في أذهان أغلب المراقبين والمحلّلين هي التالية: لماذا تدحرجت المعارضة الليبيّة من التظاهر السّلمي ضدّ النظام السياسي الاستبدادي لمعمّر القذافي، نحو الانخراط في حربٍ ضروس ضدّ رموز هذا النّظام أفضت بسرعة إلى تدويل قضيّتها؟ وكيف استطاع النظام الليبي أن يصمد كلّ هذا الوقت أمام انتفاضة شعبيّة عارمة شملت في بدايتها حتّى قلب العاصمة طرابلس؟
إنّ الإجابة عن أي سؤال يتمحور موضوعه حول تطور الأحداث في ليبيا ليس أمرًا هيّناً، خاصّةً في ظلّ خطاب إعلامي عالمي ومحلّي طاغٍ يستسهل استخدام وحدات تصنيف مضلّلة أحيانا، مثل العشيرة والقبيلة، وهي وحدات ذهنيّة وجدت من سوء الحظّ طريقها حتى إلى عقول الثوّار ووجدانهم بوصفها قيماً أخلاقيّة ومحدّداتٍ للسّلوك السياسي. لكنه من المهمّ أيضا أن ننتبه إلى أنّ مشاكل الفهم المتعلّقة بخصائص الصّراع على السّلطة ومعادلاته في هذا البلد ازدادت في الحقيقة غموضًا بسبب وجود ثلاثة عوامل رئيسة لم تكن موجودة في غيرها من الثّورات العربية: