العنوان هنا
تحليل سياسات 13 يناير ، 2014

لبنان: انفراج أم مزيد من التدهور الأمني والسياسي؟

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة


يكاد يجمع اللبنانيون على أنّ عام 2014 سيكون محفوفًا بمزيد من الأخطار والمخاوف، وبخاصة أنّ عام 2013 ترك إرثًا ثقيلًا من الحوادث والتطورات ليس أقلها ما يتعلق بتداعيات الحرب السوريّة ومشاركة حزب الله فيها. وكان اغتيال الوزير السابق الدكتور محمد شطح في 27 كانون الأول/ ديسمبر بمنزلة الاختصار الدامي لسنةٍ حفلت بشتى أنواع التفجيرات والمعارك العسكرية المتنقلة (ما بين صيدا وطرابلس وعرسال) في وقتٍ شهد فيه لبنان أوسع موجات نزوح السوريين ولجوئهم إلى أرضه حتى زاد عددهم على المليون لاجئ. كما حطّم العام المنصرم الرقم القياسي في أزمات تشكيل الحكومات؛ إذ تكاد الأزمة الراهنة في تشكيل الحكومة اللبنانية تقترب من شهرها العاشر منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي[1].

تحاول هذه الورقة الإضاءة على المشهد السياسي اللبناني كما يبدو مطلع العام الجديد، كما تسعى لتحديد أهم الاستحقاقات التي يواجهها البلد في المدى المنظور، ومن ثمّ، تقدير الاحتمالات التي تتجه إليها الأمور في ظل موازين القوى الداخلية والوضع الإقليمي ومعادلات الصراع الدائر في عموم المنطقة.


مزيد من الاستقطاب الطائفي

ما أن أطل العام الجديد حتى كاد تفجير حارة حريك في 2014/1/2 في قلب الضاحية الجنوبية (معقل حزب الله الأمني والسياسي - العسكري) يطيح احتمالات تشكيل حكومة جديدة كان يعمل على ذلك رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام.

وقد جاء اتهام الرئيس سعد الحريري حزب الله باغتيال الوزير السابق الدكتور محمد شطح[2] ليزيد الأمور اشتعالاً؛ فالعبارة التي تلخص الموقف السني الشعبي قالها الحريري في بيان نعيه مستشاره الرئيس: "إنّ الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري... والمتهمون بالنسبة لنا، وحتى إشعار آخر، هم أنفسهم الذين يتهربون من وجه العدالة الدولية، ويرفضون المثول أمام المحكمة الدولية"[3]. كما قالت قوى "14 آذار" في بيان نعيها شطح، إنّ "القاتل نفسه يوغل في الدم السوري واللبناني"[4]، كما أكد الرئيس فؤاد السنيورة خلال تشييعه بأنّ "ما كان قبل اغتيال شطح لن يكون بعده"[5].

وبالفعل، فإنّ اغتيال محمّد شطح يأتي - من جهة - في سياق الاستقطاب الحاد الذي أطلقته مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري، ومع الإعلان عن قرب انعقاد المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ومن جهة ثانية، فهو يتوج سلسلة الأحداث التي ساهمت في تأجيج مناخ متوتر تتعاظم حدته بشكل يوميّ ما يعطي شرعية أكبر وحضورًا أقوى للتيارات والحركات الجهاديّة والتكفيريّة في لبنان. فبعد إخضاع مدينة صيدا إثر تصفية حركة أحمد الأسير، جاء اغتيال شطح ليعزّز مناخ الاستقطاب المذهبي الطائفي الحاد، والذي يتغذى من حالة الإحباط والمظلومية السنية. وهذا ما رمز إليه ذاك التكرار العفوي والواسع لتعبير "الاعتدال"، وما يشبه الإجماع على أنّ اغتيال شطح إنّما هو "اغتيال للاعتدال". وقد جاء تشييع الشاب محمد الشعار (أحد ضحايا الانفجار) وطرد المفتي الشيخ محمد رشيد قباني من المسجد على يد الجموع الغاضبة التي تتهمه بالانحياز للنظام السوري وحزب الله، ليشير بقوة إلى مقدار الغليان في الشارع السني. ويتهم تيار المستقبل وقوى "14 آذار" حزب الله بأنه هو من قام بتأجيج الاستقطاب المذهبي الطائفي، بسبب استخدامه التخوين والتكفير، والتهديد والوعيد، والاغتيال والاحتلال، ثم التدخل العسكري السافر في سورية، وأنّ هذا الأمر المتفاقم سيؤدي حتمًا إلى مزيد من التوتر والتدهور وإلى تعطيل الحياة السياسيّة، وصولًا إلى نجاح الحزب في تحقيق الفراغ الدستوريّ أو التعطيل المبرمج، من رئاسة الجمهوريّة إلى البرلمان والحكومة وسائر المؤسّسات المتفرّعة منها.

وهناك مثال آخر على حدة الاستقطاب الجاري في لبنان، وتمثّل في الموقف من قيام الجيش اللبناني في 2013/12/30 بإطلاق نيران مضاداته الأرضية على مروحيات سوريّة قصفت أطراف بلدة عرسال البقاعية، في خطوة تعد الأولى منذ بدء الصراع في سورية. كما أنها المرة الأولى التي يطلق فيها الجيش نيرانه على طائرات سورية منذ نهاية الحرب في لبنان في التسعينيات من القرن الماضي. وفي حين رحبت قوى "14 آذار" بهذا العمل باعتباره يجسِّد السيادة اللبنانية والقرار الوطني المستقل، سارع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال المستقيلة عدنان منصور (المحسوب على الشيعيّة السياسيّة)، إلى التأكيد على أنّ "الطيران السوري طيران شقيق وليس طيراناً معادياً... وأنّ ما جرى لا يؤثّر على طبيعة العلاقات بين البلدين، والتي نريدها دائمًا تاريخية ومميزة"[6].




 [1] استقالت حكومة نجيب ميقاتي في 22 آذار/ مارس 2013، وجرى تكليف تمام سلام بتشكيل حكومة جديدة في 6 نيسان/ أبريل. بشأن هذه التطورات، انظر: "لبنان: لا حكومة في الأفق والخوف من فراغ رئاسي قريبًا"، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013/11/28:

[2] هو المستشار الأساسي للرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، وهو رجل المهمات الصعبة (خصوصًا في العلاقة مع أميركا وأوروبا)، وصاحب مبادرات التلاقي والحوار بين جميع الأطراف، وكان بحق العقل الخفي خلف قوى "14 آذار"، والمسيّر الفعلي والحقيقي لكل تحركاتهم، وكان مرشحًا قويًا لتولي تشكيل الحكومة في حال فشل تمام سلام أو تنحيه. ويبدو أنه كان يعمل بقوة على خط تشكيل حكومة حيادية تحظى بدعم فرنسي - سعودي ويحاول إقناع الأميركيين بذلك. كما أنه أرسل رسالة مفتوحة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني في محاولة لإيجاد علاقة بينه وبين قوى "14 آذار".

[3] الوكالة الوطنية للإعلام، بيروت، 2013/12/27.

[4] المرجع نفسه. وتلا البيان رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة.

[5] المرجع نفسه، 29/12/2013.

[6] "منصور: الطيران السوري طيران شقيق وليس معاديًا"، 2013/12/31:

http://goo.gl/xvRS4v .