العنوان هنا
تقييم حالة 22 مايو ، 2013

الجيرة القاتلة: هل تتحول "جديدة الفضل" إلى نمط لجرائم إبادة طائفيّة في ريف دمشق؟

الكلمات المفتاحية

مروان قبلان

مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، ومسؤول برنامج الدراسات الدبلوماسية والتعاون الدولي في معهد الدوحة للدراسات العليا. شغل سابقًا منصب عميد كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية في جامعة القلمون في سورية. وعمل أستاذًا للسياسة الدولية في جامعة دمشق، ومحاضرًا في قسم السياسة الدولية بجامعة مانشستر في بريطانيا. كان باحثًا زائرًا في جامعة كولومبيا بنيويورك (2007-2008). وعمل مستشارًا في الشؤون الدولية في عدد من الهيئات والمؤسسات البحثية العربية والإقليمية. له عدة كتب وأبحاث منشورة باللغتين العربية والإنكليزية في قضايا السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، منها: Syrian Foreign Policy and the United States: From Bush to Obama (السياسة الخارجية السورية والولايات المتحدة: من بوش إلى أوباما)؛ Iran-Iraq-Syria: Shocks and Rivalries in Triadic Pattern (إيران-العراق-سورية: صدمات وصراعات في النمط الثلاثي).

مقدمة

شهدت الأزمة السوريّة منذ نحو عامين سلسلة من المجازر الدموية راح ضحيتها مئات الأشخاص الذين جرت تصفيتهم بطرق أقل ما يقال فيها إنّها همجية. وقد حمَّلت معظم المنظمات الحقوقية السوريّة والدولية قوات النظام أو مليشيات مرتبطة بها (الشبيحة) مسؤولية تصفيات وإعدامات ميدانية لمدنيين مسالمين، كان الغرض منها ردع السوريين عن المشاركة في الثورة أو معاقبتهم على ذلك. بدأت المجازر الكبرى في مناطق سورية المختلطة طائفيًا (حمص وحماة)، وأخذت منحًى تصاعديًا لجهة عدد ضحاياها، وبلغت ذروتها في مجزرة الحولة التي ارتكبت في أيار/ مايو 2012، وراح ضحيتها بحسب منظمات حقوقية 108 أشخاص[1]، لكنّها لم تلبث أن انتشرت لتشمل مختلف المناطق السوريّة بما فيها العاصمة دمشق، ولتتركز في عشوائياتها الطرفية التي تضم أحياء ذات غالبية علوية متجاورة مع أحياء ذات غالبية سنية.

أخذت المجازر المرتكبة نمطًا معينًا لجهة تنفيذها؛ فهي غالبًا ما كانت تبدأ بعمليات حصار تقوم بها قوات الجيش للأحياء المستهدفة، ويجري قطع الكهرباء والماء والاتصالات بشكل متزامن مع بدء عمليات القصف، تتبعها عمليات اقتحام، وتتولى قوات الأمن تطهير الأحياء من أي مقاومة شعبية قبل أن تبدأ المرحلة الأخيرة والأكثر همجية وهي السماح لمليشيات محلية مدنية بدخول الحي وبدء عمليات التصفية التي غالبًا ما تكون على شكل ذبح كل من تصادفه هذه المليشيات في طريقها من رجال ونساء وأطفال، فضلًا عن عمليات النهب والسلب والاغتصاب، وانتهاء بعملية محو آثار الجريمة عن طريق إحراق أحياء بكاملها. خلال هذه العملية، والتي تستغرق عادة بين بضع ساعات وعدة أيام، تقوم قوات الجيش والأمن بتأمين تغطية كاملة وتوفير شبكة حماية لهذه المليشيات عبر منع دخول أي شخص أو خروجه من هذه الأحياء حتى الانتهاء من أداء المهمة.

وقد شكلت مجزرة بلدة "جديدة الفضل" في ريف دمشق علامة فارقة في سلسلة المجازر التي شهدتها سورية خلال الثورة، سواء من جهة عدد ضحاياها أو المدة التي استغرقتها عمليات الإبادة، أو من حيث إنّها جرت في مناطق قريبة من العاصمة؛ أي خارج نطاق مناطق الاحتكاك الطائفي التقليدية في وسط البلاد وغربها. ونتيجة وجود أحياء طرفية تضم سنة وعلويين في العديد من مناطق ريف العاصمة، فقد تتحول مجزرة جديدة الفضل - مع تصاعد الاحتقان الطائفي وإصرار النظام على معاقبة الحاضنة الأهلية للثورة تمهيدًا للقضاء عليها - إلى نمط عنف أهلي مألوف خلال الفترة المقبلة.


[1] "تفاصيل مروعة في مذبحة الحولة بسوريا"، الجزيرة نت، 31/5/2012، على الرابط:

 http://www.aljazeera.net/news/pages/099f12c2-6bc3-45a7-bba7-dd5d217c6c17