مقدمة
يُعدّ الصراع في قطاع غزة علامة فارقة في دوامة العنف والمعاناة المتواصلة التي تجتاح المنطقة، حيث أدّى الصراع المتجذّر في عقودٍ من التوترات الجيوسياسية والنزاعات الإقليمية العالقة إلى معاناة إنسانية لا مثيل لها من قبل، ونزوح وخسائر في الأرواح منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفوق هذا، تهدد الوحشية المستمرة وجود الغزيين ذاته.
ولطالما كان التقاطع بين الصحة والصراع متمثلًا في ذلك الواقع المنغّص الذي شهده التاريخ البشري. وخلال الحروب، كانت الأزمات الصحية فتّاكة مثل الصراع المسلّح المباشر. وفي هذا، تفيد تقديرات الجيش الأميركي أنّ نحو ثلثَي وفيات المقاتلين، البالغ عددها 37 مليونًا في الحرب العالمية الأولى، لم يكن بسبب رصاص العدو، بل بسبب الأخماج الإنتانية وأمراضٍ أخرى كحُمّى الخنادق. وقد أودت الإنفلونزا الإسبانية، بتفشّيها الذائع الصيت، بحيوات تفُوق عددًا تلك التي أودت بها ساحةُ القتال؛ الأمر الذي ساهم في وقف الحرب.
منذ القرن الماضي، تزايد قيام القوة العاملة الطبية بأدوار في التوسّط بين الرعاية الصحية وحلّ الصراعات، نظرًا إلى خبراتها المباشرة بعواقب الحروب. وفي هذا الصدد، يرى ريتشارد دول، في رسالته إلى مجلة ذي لانسيت في أثناء الحرب الكورية في عام 1951، أنّه يجب أن يكون للأطباء دورٌ في وقف التحضير للحرب، ما داموا مجبرين على التعامل مع عواقبها. وبناءً على ذلك، أُنشئت الجمعية الطبية لمنع الحرب MAPW ، The Medical Association for Prevention of Warدفاعًا عن السلام ونزع السلاح ومنع الصراع. وبهذا، يجب على العاملين في مجال الصحة أن يتّخذوا موقفًا في شأن العواقب الكارثية للصراع في قطاع غزة.