العنوان هنا
دراسات 04 يناير ، 2012

النّقاش اللُّغويّ والتّعديل الدّستوريّ في المغرب

الكلمات المفتاحية

فؤاد بوعلي

باحث مغربي يعمل في مركز الدّراسات والبحوث الإنسانيّة والاجتماعيّة - وجدة

تمهيد

وإذا كان خطاب العاهل المغرِبيّ في يوم 9 آذار / مارس 2011، قد فتح النّقاش في مقتضيات التّغيير المنتظر، وحدوده وآفاقه في زمن الثّورة العربيّة، فإنّه قد فتح كذلك المجال واسعًا للتّجاذبات الهُوِيَّاتيَّة، خاصّةً مع إعلانه إدراج الأمازيغيّة مكوّنًا رئيسًا في النّسيج التعدّدي المغرِبيّ، وتأكيده "التّكريس الدّستوريّ للطَّابع التّعدُّدي للهُوِيَّة المغرِبيّة الموحّدة، الغنيّة بتنوع روافدها، في صُلبها الأمازيغيّة، كرصيد لجميع المغاربة، دون استثناء". وعلى الرّغم من أنّ المطالب الّتي راهنت عليها الحركة الشّبابيّة المغرِبيّة، مقتديةً بنظيرتها في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريّة، وكانت هي الدّافع الحاسم للتّعديل المُنتظر، لم تستحضر المسائل الهُوِيَّاتيَّة في بياناتها أو مطالبها، بل ركّزت في مجمل حديثها على القضايا السياسيّة، وضبط العلاقة بين السّلطات الثلاث، وتوسيع مجال المشاركة الشّعبيّة؛ فقد غدت الفرصة مواتية غدا النّقاش اللُّغويّ جزءًا لا يَتَجزَّأُ من النّقاش الاجتماعيّ والسّياسيّ في العالم العربيّ، وفي المملكة المغرِبيّة على وجه الخصوص. فلم يعد خافيًا أنّ بعض المواقف السّياسيّة، والاجتماعيّة، والمنابر الإعلاميّة، أصبحت تثير جدلًا يتناول الهُوِيَّة وضرورة إعادة النّظر في مكوّناتها، وفي علاقتها بالتّنمية البشريّة، وبفضاء الانتماء الجيوــ استراتيجيّ، وإعادة تعريف الانتماء الحضاريّ للأمّة وضبطه. ومع الحَراك السّياسيّ الّذي تقوده الطّليعة الشّبابيّة في العالم العربيّ، غدت الفرصةُ مُوَاتِيَةً لخروج النّقاش اللُّغويّ إلى العلن، وجعله محطَّ تجاذب بين الأطياف الإثنيّة والعرقيّة المُكوّنةِ للمجتمع المغرِبيّ.

للعديد من الأصوات "النَّخبَوِيّة"، لفرض أجندتها على النّقاش العموميّ، واستغلال اللحظة لتوجيه المطالبات الشّعبيّة نحو فرض الأمازيغيّة ضمن المطالب الشّعبيّة، وصبغ الحركات الاحتجاجيّة بألوان إثنيّة وعرقيّة. لذا لاحظ المتابعون، تَعَدُّدَ النّدوات والمبادرات واللّقاءات العلنيّة والسّرّيّة، المراهنة على توجيه التّغيير "المرتقب" نحو جعل لغاتٍ جديدةً لغاتٍ دستوريّةً وفرضِها لغاتٍ رسميّةً للدّولة. وهو ما تحقّقَ أخيرًا في النّص الدّستوريّ الّذي صودق عليه يوم فاتح تموز/ يوليو 2011.

فكيف يمكننا قراءة مسار النّقاش اللُّغويّ من الأيديولوجيّ إلى الدّستوريّ؟ وكيف نقرأ تعامل السُّلطة مع الإشكال اللُّغويّ؟ وهل استطاع التصديق على الدّستور الجديد أن يضع حدًّا للتّجاذب الهُوِيَّاتيّ؟ وما مصير التعدد الثّقافيّ بعد ترسيم الهُوِيَّات المختلفة؟ وما المخاطر المنتظرة على تماسك النّسيج الاجتماعيّ المغرِبيّ؟