مقدمة مختصرة في العلاقات الخارجية الأميركية

صدر عن "سلسلة ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مقدمة مختصرة في العلاقات الخارجية الأميركية، وهو ترجمة أحمد طارق البوهي العربية لكتاب أندرو بريستون بالإنكليزية American Foreign Relations: A Very Short Introduction. وهو محاولة للإجابة عن بعض المسائل المتعلقة بتاريخ العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها في أواخر القرن الثامن عشر، وحتى حربها على الإرهاب وصراعها الدائر مع الصين في أوائل القرن الحادي والعشرين، وأبرزها: كيف بلغت الولايات المتحدة هذه المكانة العالمية غير المسبوقة؟ وما التطورات التي مرت بها عبر تاريخها حتى وصلت إلى هذه المرحلة؟ وما العوامل التاريخية التي يمكن من خلالها فهم سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية؟ وكيف يرى الأميركيون أنفسهم ودورهم في العالم؟ وكيف أثرت الولايات المتحدة بتفاعلاتها في العالم الذي نعيش فيه اليوم؟

المبادئ الأولى

يتألف الكتاب (208 صفحات بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ستة فصول. يسرد بريستون في الفصل الأول، "المبادئ الأولى"، قصة تأسيس الولايات المتحدة، والتي يصفها بأنها كانت عملًا من أعمال السياسة الخارجية، متناولًا أهم المعضلات التي واجهت الجمهورية الوليدة في أثناء حرب الاستقلال وما تلاها، مع انشغال الآباء المؤسسين بمسألة إقامة التحالفات والشراكات الضرورية مع باقي دول العالم، ولكن مع الحفاظ على استقلالية الجمهورية الوليدة وابتعادها عن مشكلات وصراعات تلك الدول التي لا شأن للولايات المتحدة بها. بعد الاستقلال، سيطرت مسألة التجارة الخارجية وحرية الملاحة عبر الأطلسي، ورأى مؤسسو الجمهورية الجديدة أنها ضرورية لإبقائها على العلاقات الخارجية للولايات المتحدة في تلك الفترة. وارتبطت بهذه المسألة المركزية معضلة الموازنة بين العلاقات مع بريطانيا وفرنسا المتصارعتين. وتمخضت تلك المرحلة الأولى عن أول حرب تخوضها الدولة المستقلة الوليدة في عام 1812 وعقيدة مونرو التي تستلهم مبادئ الأحادية والاستثنائية الأميركية.

التوسعية

في الفصل الثاني، "التوسعية"، يقص المؤلف حكاية توسع الولايات المتحدة الأميركية من ثلاث عشرة مستعمرة متناثرة على طول الساحل الشرقي لقارة أميركا الشمالية إلى الولايات المتحدة التي نعرفها اليوم. وفي أثناء هذه القصة، يعرفنا إلى القيم والمبادئ والأحوال التي دفعت هذه العملية ومثلت أيديولوجيا قومية عامة للتوسعية التي هي نتاج الشعور بالاستثنائية والفردانية، والتي ستصبح أحد أهم ما يدفع السياسة الخارجية الأميركية، لا في القارة فحسب، بل في العالم كله. يتناول بريستون الحروب التي خاضتها الدولة الناشئة في سبيل التوسع، من حروب تشريد سكان القارة الأصليين، مرورًا بحرب المكسيك التي اختلقت الولايات المتحدة حجة لغزو بعض أراضيها، حتى الحرب الأهلية التي ثارت في الولايات الأميركية نفسها حول العبودية والوحدة القومية، انتهاءً بآخر الحروب الهندية التي شهدت قمع آخر الهنود واستيعابهم النهائي في المجتمع الأميركي. وفي نظره، "خلق هذا التوسع أمة قومية موحدة مترابطة قوية تنتظر لتنشر قيمها وتفرض هيمنتها على باقي العالم، في المرحلة التالية من التوسع".

أميركا العالمية

يتناول بريستون في الفصل الثالث، "أميركا العالمية"، استغلال الولايات المتحدة قوتها الاقتصادية وخصائصها الطبيعية لتؤدي دورًا أكثر حيوية في السياسة العالمية. فمن حرب الاستقلال الكوبية، التي قضت فيها الولايات المتحدة على إسبانيا بوصفها قوة إمبراطورية، إلى الحرب العالمية الأولى التي قلب دخول الولايات المتحدة فيها الموازين، بات واضحًا للجميع أن هذا العملاق الجديد سيتولى القيادة العالمية. غير أن الأميركيين لم يشعروا وقتها أنهم في حاجة إلى هذه المكانة التي أرادها لهم رئيسهم وودرو ويلسون والدولانية الليبرالية التي آمن بها وسياساته الخارجية الثورية، بل آثروا النأي بأنفسهم عن العالم وصراعاته التي لا تنتهي. لكن الحرب العالمية الثانية جرتهم إلى مصير محتوم.

قرن أميركي

في الفصل الرابع، "القرن الأميركي؟"، يُدرج بريستون الجدالات والتجاذبات التي سادت بين فريقين من الأميركيين بين الحربين العالميتين واستمرت حتى أوائل الحرب العالمية الثانية؛ إذ حاجَ الدولانيون بأن على الولايات المتحدة واجب استلام راية القيادة العالمية بما تمتلكه من قوة هائلة غير مسبوقة ومبادئ سامية يجب عليها حمايتها ونشرها في العالم، بينما اعتقد فريق آخر أن على بلادهم، المتمتعة بالأمن والرخاء في أراضيها بعيدًا عن العالم، أن تهتم بشؤونها الخاصة وألا تُجَر إلى صراعات وحروب لا طائل منها ولن تحقق إلا الإضرار بأمن الولايات المتحدة واستقرارها. استمر هذا الجدال في أثناء ما مر به العالم من أزمات اقتصادية وأمنية توجت بالكساد الكبير وقيام الحرب العالمية الثانية، إلا أنه توقف إثر تعرض الولايات المتحدة للهجوم الياباني المفجع على قاعدة بيرل هاربر في المحيط الهادئ. لم يعد أمام الأميركيين حينها إلا قيادة العالم. وبعد انتهاء الحرب الثانية، بزغت القوة الأميركية بوصفها القوة الأعظم في العالم، إلا أنه بات عليها مشاركة هذه المكانة مع قوة عظمى أخرى هي الاتحاد السوفياتي؛ ما أسفر عن الحرب الباردة.

قوة عظمى

يبين بريستون في الفصل الخامس، "قوة عظمى"، أسباب الحرب الباردة بين قوتين خاضتا الحرب العالمية الثانية في خندق واحد، ثم يبين مراحل الحرب الباردة التي استمرت أربعين عامًا تتأرجح بين التصعيد والتهدئة وسنوات من الأزمة، يكاد يصل فيها العالم إلى الفناء النووي، تتلوها فترات من الهدوء النسبي، عُرفت أولاها بفترة الوفاق، وهي لم تكن خالية من الصراع تمامًا، بل تخللتها فترات من الترقب والتحفز. يحلل المؤلف هنا أيضًا خوض الولايات المتحدة إحدى أكثر حروبها مأساوية في فيتنام وأسباب استمرارها فيها واستراتيجيات الرؤساء المتعاقبين للتعامل معها وكيفية انتهائها وآثارها البعيدة المدى، ومنها تطبيع العلاقات الأميركية -الصينية بعد عقود من العداوة. ويحلل بريستون أيضًا سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إبان تلك الفترة، وما تخلل ذلك من صراع عربي - إسرائيلي وكيف تعاملت واشنطن مع أطراف هذا الصراع وما تبعه من ثورة إيرانية معادية للولايات المتحدة وغزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان.

قوة فائقة

في الفصل السادس، "القوة الفائقة وشكاياتها"، يتناول بريستون الهيمنة الأميركية الكاملة على الشؤون العالمية وغياب أي منافس لها، مقارنًا بين نظريتين لهذا الموقف الأميركي الجديد: إحداهما تتنبأ بانتهاء التاريخ واستقرار العالم على قبول المبادئ الديمقراطية الليبرالية الأميركية (فوكوياما)، بينما تزعم الأخرى أن القادم في العلاقات الدولية إنما هو صراع متجدد يدور حول الهويات الثقافية لحضارات العالم المختلفة (هنتنغتون). ومن خلال هذا الإطار، يتناول بريستون باقتضاب أحداث تلك الفترة، من حرب الخليج في أوائل التسعينيات إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، وغزو أفغانستان والعراق، محاولًا بسط فكرة الصراع بين رؤيتي فوكوياما وهنتنغتون. كما يعرض لأفول الهيمنة الأميركية في مقابل صعود الصين بوصفها قوة عالمية جديدة.


اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات