يافا.. دم على حجر: حامية يافا وفعلها العسكري – دراسة ووثائق

الجزء الأول: سيرة البارود اليافي - دراسة في بنية حامية يافا وفعلها العسكري (كانون الأول/ ديسمبر 1947 - نيسان/ أبريل 1948)
12 مارس،2019
المؤلفون

صدر  عن سلسلة "ذاكرة فلسطين" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب بلال محمد شلش يافا.. دم على حجر: حامية يافا وفعلها العسكري – دراسة ووثائق، وهو دراسة تاريخية تحليلية مفصلة في جزأين. يعرض الجزء الأول ما لم يُروَ من قبلُ من تاريخ يافا خلال حرب عام 1948 بتوثيق يومياتها، وتتبع خط سير مقاومتها المسلحة؛ منذ بداية تكوينها، ومع تحولات بنيتها، حتى انهيارها وتفككها. في حين يقدم الجزء الثاني وثائق تنوعت بين رسائل وتقارير وتعميمات، وتصريحات وبيانات، وشكاوى ومطالبات، وسجلات تضم قوائم بأسماء مجاهدي حامية يافا وشهدائها، مع عرض يومي لمجريات المعارك التي خاضتها على مدى ثلاثة أشهر، مرفقة بقراءة تحليلية للوقائع.

يتألف الجزء الأول من الكتاب (288 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من تمهيد وثلاثة فصول.

فجرًا أقلعنا

في الفصل الأول، فجرًا أقلعنا: انطلاقة مقاومة يافا (كانون الأول/ ديسمبر 1947 - شباط/ فبراير 1948)، ناقش شلش حيثيات تشكّل المقاومة المسلحة في حيفا وصيرورتها، وصولًا إلى بدء نضوجها التنظيمي في شباط/ فبراير 1948. ومقولة هذا الفصل بشأن وجود حالة إجماع فلسطيني على تمثيل الهيئة العربية العليا لأهل فلسطين عمومًا، جعلتها مصدرًا لشرعية جميع المبادرات والتشكيلات التي شهدتها يافا استعدادًا للمقاومة، أو لإدارة شؤون الأمن والدفاع فيها، ومدخلًا إلى حلول استثنائية اضطرارية في ظل عدم وضوح رؤية اللجنة القومية، وباقي الهيئات المحلية، كالمجلس البلدي مثلًا، للتحوّلات الجديدة التي فُرضت في إثر قرار المستعمر البريطاني الانسحاب من فلسطين.

سعى شلش في هذا الفصل لتأريخ تشكُّل الهيئات المختصة بإدارة الأمن والدفاع داخل المدينة؛ كاللجنة القومية ومجلس الأمن، وجيش حماة الأقصى، وتشكُّل خطوط الاشتباك في جبهات يافا المختلفة، وسمات المعارك الأولى، بالاعتماد على مصادر عربية أولية، سُجّلت قبل الهزيمة وبعدها، ودُعمت بمواد وثائقية من الأرشيف الصهيوني. كتب شلش: "قدّمت يافا نموذجًا متميزًا في إدارة شأنها الداخلي، وفي تأسيس هيئات محلية متجاوزة الانقسامات التاريخية السابقة، أكانت انقسامات سياسية أم اجتماعية أم فكرية. وتجلّى ذلك في سرعة إنجاز المدينة للجنتها القومية مقارنة مع المدن الفلسطينية الأخرى، ومن ثمّ في تأليف مجلس الأمن لإدارة شؤون الأمن في المدينة، وتكليف أحد قادة المعارضة، محمد نمر الهواري، بإدارته، في مؤشر إلى رغبة الهيئة العربية العليا وقائدها، الحاج أمين الحسيني، بالاستعانة بالتنظيمات المحلية المختلفة والخبرات التنظيمية، وإن كانت معارضة، من أجل تحقيق رؤية الهيئة ورغبتها في بناء سريع للقوات المؤهلة لمواجهة قرار التقسيم".

أشهر الاستنزاف

في الفصل الثاني، أشهر الاستنزاف: عن بنية حامية يافا وفعلها العسكريّ (شباط/ فبراير - نيسان/ أبريل 1948)، انطلق شلش من افتراض مفاده اكتمال البناء التنظيمي للحامية، واستقرار جبهات المدينة المختلفة؛ وذلك مع نهاية كانون الثاني/ يناير ومطلع شباط/ فبراير 1948. وقد ناقش المؤلف في هذا الفصل تأثير المتغيّرات الجديدة المتمثّلة في قدوم قوات عربية - إسلامية إلى يافا، وتسلّم الضابط العراقي عادل نجم الدين قيادة الحامية، في بنية الحامية وفعلها. وقدّم تأريخًا وتحليلًا لفعل الحامية العسكري اعتمادًا على تقارير الموقف اليومي لجبهات الحامية ووثائقها، مقارنةً بتغطيات الصحف العربية والصهيونية، وبالتقارير البريطانية الرسمية، وبالروايات التاريخية والوثائق الصهيونية. كتب شلش: "إنّ الحضور العربي شكّل إضافة نوعية لحامية المدينة، خصوصًا في دعم عددها وعدّتها، وهو ما كانت الحامية بحاجة دائمة إليه، نظرًا لازدياد وتيرة الاشتباك، واشتداد المعارك على مدار الأسابيع التالية لهذا الحضور. ومع ذلك، كان هذا الحضور سببًا لإثارة بعض الإشكاليات السلبية في صفوف الحامية، خصوصًا في مرحلة قائدها المقدّم نجم الدين، سعت قيادة الحامية لتجاوز بعضها باتخاذ إجراءات تنظيمية جديدة، وأخفقت في تجاوز أخرى". وأبرز الإشكاليات هي تهرّب بعض أفراد الحامية من جبهات القتال على نحو جماعي، كانسحاب اثني عشر جنديًا عراقيًا قرروا الرحيل عن يافا متحججين بتدني رواتبهم.

فصل عن الهزيمة

في الفصل الثالث، ليل المنشية: فصل عن الهزيمة، تناول المؤلف هزيمة يافا (نهاية نيسان/ أبريل - مطلع أيار/ مايو 1948)، محللًا معارك الأيام الأخيرة، بدءًا من 25 نيسان/ أبريل 1948. ومقولة الفصل هي أنّ سقوط المنشية (الموقت)، في 28 نيسان/ أبريل، لم يكن سقوطًا عسكريًا ليافا، بل هزيمة في معركة كبيرة، كانت استمرارًا لمعارك الأشهر الفائتة. وقد سعى شلش في هذا الفصل لتأريخ أيام القتال الأخيرة، وتأريخ تبعات الهزيمة وبدء تفكّك الحامية، والعوامل التي أسهمت في تسارع وتيرة تفكّكها وصولًا إلى انهيارها؛ من خلال تقارير الموقف اليومي للحامية مقارنةً بالمصادر الصهيونية والبريطانية والعربية المختلفة. كتب شلش: "لم يكن إخفاق اللجنة العسكرية العربية في يافا بعجزها عن توفير السلاح للمدينة، وإنّما أخفقت في الإدراك المبكر لضعف إستراتيجيتها العامة في فلسطين وفي المنطقة الوسطى بشكل خاص. كما أخفقت في توجيه قواتها الأساسية نحو معارك مؤثرة لا تستهلك أرواح جنودها وعتادهم ومعنوياتهم، ومعنويات عموم السكان، في معارك جانبية ثبت، بشكل مبكر، أنّها لم تكن إلا معارك لإشاعة الوهم. وهنا يُضاف إخفاق آخر إلى إخفاق اللجنة العسكرية متمثّل في عدم قدرتها على توفير قائد جدير بقيادة المنطقة الوسطى، وتوجهها لتعيين فوزي القاوقجي قائدِ الجبهة الشمالية الإشكالي كقائد للمنطقة، وهو ما تُرجم فورًا بشكل سلبي على يافا وحاميتها".

كان قرار القاوقجي المتمثل في عزل قائد الحامية عادل نجم الدين وتعيين ميشيل العيسى مكانه بمنزلة الرصاصة الأخيرة في جسد الحامية. فالعيسى كان أعجز من أن يسيطر على الحامية أو أن يوقف تفككها، بل كان أعجز من أن يحافظ على فوجه الذي جاء به لنجدة المدينة، فانسحب معظم جنوده بأسلحتهم مع المنسحبين.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات