أسباب الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب محمد روحي الخالدي أسباب الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة الذي حققه وقدّم له خالد زيادة.

يستعرض الكتاب التاريخ السياسي للدولة العثمانية، خصوصًا في فترة التنظيمات وعهد السلطان عبد الحميد الثاني، كما يستعرض بالتفصيل ظهور الحركات المعارضة، ولا سيما جمعية تركيا الفتاة وحزب الاتحاد والترقي؛ وبذلك يشكّل وثيقةً فريدة صدرت بعد أسابيع قليلة من الانقلاب الدستوري في عام 1908.

يضم الكتاب (304 صفحات بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) مقدمةً بقلم المحقق، ومتن الكتاب الأصلي. يقول زيادة إن أهمية كتاب الخالدي تكمن "في استعادة الأجواء الفكرية والسياسية التي حضّرت للانقلاب والتي صنعته، الأمر الذي يسهم في فهم التطورات اللاحقة التي شهدها القرن العشرون وحتى يومنا هذا في تركيا والمشرق العربي ومصر".

بنية في أربعة مستويات

قسّم زيادة الكتاب من حيث بنيته إلى أربعة مستويات: الأول، المستوى الفكري؛ بتبنيه مفهوم الانقلاب بدلًا من الثورة، ومفهوم الاستبداد الذي شاع آنذاك. يقول زيادة: "في هذا الجزء من الكتاب، يبدو لنا الخالدي مفكرًا إسلاميًا إصلاحيًا يزاوج ما بين أسس العدالة في الإسلام وأسس الحرية في المذاهب الغربية. وهو بذلك يُعد تلميذًا لأفكار الشيخ محمد عبده وأفكار مجلة ’المنار‘". والثاني، المستوى التاريخي؛ فالمؤلف يرجع إلى بدايات الإسلام وما عرفته من عدل أيام الخلفاء الراشدين، ثم انتقال الخلافة الإسلامية من العدل إلى الاستبداد، كما يرجع إلى أصول الدولة العثمانية التركية منتقدًا، ضمنيًّا، جذورها العسكرية وبدائية تقاليدها السياسية والعسكرية. أمّا المستوى الثالث فهو المستوى التوثيقي الذي يتصف بفترة السلطان عبد الحميد. ويلاحظ زيادة أن الخالدي الذي يركز انتقاداته على رجال السلطة والمابين يحيّد السلطان عبد الحميد. وأمّا المستوى الرابع فهو المستوى الصحافي؛ إذ كتب الخالدي مقالاته على عجلٍ بدافع تأييد الانقلاب أو تبيان مبرراته: "وتبرز أهمية هذا الجانب الذي يشبه تقارير الصحافيين وتحقيقاتهم من خلال ما يسرده من وقائع جرت في مدينة سالونيك عند إعلان الانقلاب، وإيراده تفاصيل وأسماء من قاموا بالحركة العسكرية ومن قادها، وهي أسماء لضباط ومسؤولين محليين كانوا مسؤولين في الأمن في تلك المدينة عند اندلاع الحوادث".

إعادة تقييم لتاريخ الدولة العثمانية

بحسب زيادة، يمثل الخالدي "أنموذجًا لمثقفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فهو ابن عائلة عريقة من القدس، والده ياسين الخالدي عضو المجلس العمومي في بيروت، والقاضي الذي تنقل بين مدن عديدة تبعًا لمتطلبات وظيفته؛ فكان على الفتى أن يتنقل مع والده بين القدس ونابلس وبيروت وطرابلس". ويضيف زيادة قائلًا إن الانقلاب الدستوري شكّل لحظة حاسمة في تاريخ الدولة العثمانية والشعوب التي كانت لا تزال تتبعها: "وقد أدرك روحي الخالدي ذلك، فجاء كتابه بمنزلة إعادة تقييم لتاريخ الدولة العثمانية، مع تركيزه على دور الإصلاحيين من السلطان سليم الثالث الذي كان صاحب أول مشروع إصلاحي متكامل، إلى السلطان محمود الثاني الذي قضى على الإنكشارية فوضع بذلك الدولة على طريق التحديث، إلى السلطان عبد المجيد الذي أعلن خط كلخانة الذي مثّل بداية عصر جديد من الإصلاحات، عُرف باسم عصر التنظيمات".

لحظة تفاؤل بالانقلاب

يرى زيادة أن الخالدي ينوّه بأدوار الإداريين الذين اكتسبوا الثقافة الحديثة وتسلموا أرفع المناصب؛ إذ يقول: "وحقيقة الأمر أن التنظيمات كانت نتاج هؤلاء وعشرات الإداريين من أمثالهم الذي قادوا الدولة في أواسط القرن التاسع عشر، وأدت جهودهم إلى إعلان الدستور أول مرة في عام 1877، في بداية عهد السلطان عبد الحميد الثاني. إلا أن السلطان آثر أن يعلق الدستور وأن يتبع سياسة محافظة تطارد الإصلاحيين وتقرب المحافظين من رجال الدين".

وحين كتب الخالدي كتابه، كان عبد الحميد لا يزال سلطانًا، "فهو لم يُقصَ عن العرش إلا بعد حوادث آذار/ مارس 1909 التي أدت إلى ظهور تيارات وتناقضات ستقود الدولة إلى صراعات داخلية وعدم استقرار، حتى سيطرة العسكريين من جمعية الاتحاد والترقي الذين حكموا البلاد بقبضة حديدية، متعصبة في قوميتها، الأمر الذي أدى إلى بروز التيار الاستقلالي العربي الذي أفضى بدوره إلى قيام الثورة العربية".

يختم زيادة مقدمته بالقول: "كتب الخالدي كتابه في لحظة ساد فيها التفاؤل بالانقلاب الدستوري حيث برزت الآمال بنهوض الدولة العثمانية. هذه اللحظة التي عكسها الكتاب تصنع أهميته والحاجة إلى قراءته لاستعادة أجواء تلك المرحلة التاريخية الحاسمة من تاريخ الدولة العثمانية والمشرق العربي".

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات