العلاقات التركية – الروسية: من إرث الماضي إلى آفاق المستقبل

19 مايو،2014
المؤلفون


يقدم الباحث معمر فيصل خولي في كتابه "العلاقات التركية – الروسية: من إرث الماضي إلى آفاق المستقبل" (120 صفحة من القطع الصغير) جولة مفصّلة في تاريخ العلاقات بين الإمبراطوريتين. والكتاب ما يكون إلى عدسة مقرّبة ربما تفسّر، إلى حدٍّ كبير، الواقع الراهن للخلافات التركية – الروسية في خلفيتيها الجغرافية والدينية.

وتنبع أهمية الكتاب من أنّه يتناول بالبحث المعمّق العلاقات التركية – الروسية في صعودها وهبوطها، وسياسات البلدين وتقاطعاتهما وافتراقاتهما؛ لأنّ العلاقات بين الدول لا تسير على خطٍّ مستقيم، ولأنّ تطوّرها إيجابيًّا أو سلبيًّا يعتمد على طبيعة العلاقات الثنائية والتفاعلات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

قسم الباحث دراسته في هذا الكتاب إلى ثلاث مراحل؛ مرحلة تأسيس الشراكة في العلاقات التركية – الروسية بين عامَي 2002و2004، ومرحلة الشراكة المادية الملموسة في الفترة بين 2004و2008، والمرحلة الأخيرة هي مرحلة تنوّع المصالح في تلك العلاقات للفترة الواقعة بين 2008 و 2012.

يعالج الكتاب فرضية وجود علاقة بين تطوّر العلاقات التركية - الروسية بصورة إيجابية ورغبة البلدين المشتركة في تطويق الخلافات التي تحدث نتيجة التطورات الإقليمية والدولية. وتشتمل الفرضية على متغيّرين رئيسين: المتغيّر المستقلّ، وهو وصول حكومة العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا. والمتغيّر التابع، وهو العلاقات التركية - الروسية.

أمّا نطاق الدراسة الزمني، فينحصر في الفترة الواقعة بين 19 تشرين الثاني / نوفمبر 2002 - وهو تاريخ تسلُّم حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا - ونهاية كانون الأول / ديسمبر 2012 بوصفه الشهر الأخير من العام المكمل لعقدٍ من الزمن مرّ على وصول ذلك الحزب إلى السلطة. ونظرًا إلى ما تمثّله الأزمة السوريّة من تناقضٍ حادّ في موقف كلٍّ من تركيا وروسيا منها، اضطرّ الباحث إلى توسيع النطاق الزمني حتّى نيسان / أبريل 2013 ولا سيّما في مجال الانتقادات والتصريحات المتبادلة تجاهها.

يرى الباحث أنّه لا مبالغة في القول إنّ طبيعة العلاقات التركية - الروسية يغلب عليها الطابع المميز لمسار العلاقات الدولية؛ ذلك المسار الذي يراوح بين التقارب والتباعد على مدار التاريخ، وإن رجحت كفّة أحدهما على الآخر ليصبح الطابع الغالب في مسار علاقات الدولتين؛ فتارةً تكون الطبيعة التقاربية هي السمة الغالبة على علاقاتهما، وتارةً أخرى تكون الطبيعة التصارعية هي السمة المميزة لها. لكن لطالما اتّسمت هذه العلاقات تاريخيًّا بالعداء واندلعت بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية حروبٌ كثيرة جرّاء التباين الديني؛ إذ ظلّ الروس يكنّون العداء للدولة العثمانية طوال خمسمئة سنة، ولم ينسوا أنّ العثمانيين دمّروا الدولة البيزنطية غداة فتح القسطنطينية في سنة 1453 وهي العاصمة الأرثوذكسية الأهمّ في العالم. غير أنّ العلاقات بين الدولتين اتّجهت إلى التحسّن النسبي في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، بعدما أطاح البلاشفة دولة القياصرة في سنة 1917، وأطاح أتاتورك دولة الخلافة العثمانية في سنة 1924.

وبحسب ما ورد في الكتاب، وعلى الرغم من العداء التاريخي الذي استمرّ قرونًا عدة بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية، والتوتّر السياسي بين وارثيهما الاتحاد السوفياتي والجمهورية التركية في مرحلة الحرب الباردة، فإنّ روسيا في ظلّ رئاسة فلاديمير بوتين وتركيا في ظلّ حكم رجب طيب أردوغان، تمكنّتا بصورة ملحوظة من تحييد العداء والتوتّر في علاقاتهما الثنائية، واستطاعتا التعاون معًا تعاونًا علميًّا مثمرًا، ولم تعد علاقات أنقرة بموسكو أوهامًا أو فوبيا متعمقة الجذور؛ فقد تغيّر المنظور التركي للدولة غير الصديقة روسيا السوفياتية. ويبدو أنّ موسكو مستعدة لبدء العمل مع تركيا لا من منظور الدولة التجارية فحسب، وإنّما من منظور الشريك الجيوسياسي في الحوار المشترك في غرب آسيا.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات