ظلال وأضواء على عائلة نور: مقاومة التهميش في مجتمع المهاجرين

24 ديسمبر،2018
المؤلفون

صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ظلال وأضواء على عائلة نور: مقاومة التهميش في مجتمع المهاجرين، وهو ترجمة رياض الكحال لكتاب كاترين ديلكروا Ombres et lumières de la famille Nour: Comment certains résistent face à la précarité، الذي تتتبّع فيه تجربة عائلة المغربية المهاجرة المقيمة في فرنسا منذ عقود، والتي تتلاطمها البطالة والافتقار المزمن إلى المال وأشكال التمييز المختلفة، موضحةً من خلال حالتها الصعوبات العديدة التي تنجم عن حال عدم الاستقرار الذي يعانيه المهاجرون، وكيف يتخيل الأهل وأطفالهم الاستراتيجيات الأصلية التي تيسّر لهم تحمل الصعاب، مع القدر الكافي من التعاطف والتماسك الأسري.

حوار الطفولة

يتألف الكتاب (240 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا) من ثلاثة أقسام. في القسم الأول، حوار الطفولة، ثلاثة فصول. في الفصل الأول، من جيل إلى آخر، تقول المؤلفة إن الهم الشاغل للوالدين في عائلة نور هو تجنيب أطفالهما الفشل الدراسي وتمكينهم من أن يصبحوا قادرين على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.

في الفصل الثاني، طفولة بأصوات عدة، تنقل المؤلفة صورة فسيفسائية لأفراد أربعة في العائلة، هم رشيد وليلى وجميل وإدريس، واصفة بألسنتهم معاناتهم المدرسية والصحية والعائلية في بلد جديد، وما صاحب هذه المعاناة من أمراض نفسية أصيبوا بها.

في الفصل الثالث، منح الأطفال الثقة بالنفس، تقول ديلكروا إن عبارة "العائق الاجتماعي" ليست مستخدمة بالطبع من الأمهات، غير أنهن يؤكدن بشكل كبير وعيهن ثغراتهن وجهودهن لسدها. فمنذ ولادة أطفالهن وهنّ يدركن الصعوبات التي من الممكن أن تصادفهن. يحاول كثير منهن استباق الأخطار بالبحث عن حلول عند أمهات أخريات أكثر خبرة أو عند الاختصاصين.

الميزانية الزوجية

في القسم الثاني، الحياة الزوجية وتوازن الميزانية، فصلان. في الفصل الرابع، نهاية الحياة المهنية، تقول المؤلفة إن الصعوبات الاقتصادية في فرنسا، عقب الأزمة النفطية في عام 1974، أدت إلى تسريح عدد كبير من العمال غير المؤهلين، وأصبحت البطالة مشكلة وطنية. في ظل هذا الظرف الاقتصادي غير الواضح، قرّرت الحكومة الفرنسية تجميد هجرة العمال غير المؤهلين من خارج المجموعة الأوروبية، وذلك بعد غيرها من الدول الأوروبية التي اتخذت هذا القرار في عام 1973. دفع هذا التغيير في القانون الفرنسي المهاجرين الموجودين في فرنسا إلى إعادة النظر في استراتيجيتهم في الحياة بشكلٍ كاملٍ. في هذا الفصل، تتناول ديلكروا أيضًا حوادث العمل، وأزمة العائلة المتمثلة في الزواج بامرأتين.

في الفصل الخامس، الخروج من الأزمة، تتكلم المؤلفة عن الميزانية بصفتها أداة تربوية، والتضامن الفاعل بين نساء الحي، فالتعاون بين النساء مهم ومبني على تبادل الخدمات المادية، وتقاسم الأعباء الذهنية أمام المشكلات. إن نساء يعشن الظروف نفسها، يجتمعن ويصبحن حليفات وقادرات على إيجاد ترتيبات وحلول أحيانًا، خصوصًا في ما يتعلق بالصعوبات التي يعيشها أولادهن.

سن الرشد

في القسم الثالث، بلوغ سن الرشد، ستة فصول. في الفصل السادس، رشيد يتجاوز مرضه النفسي، تروي ديلكروا معركة الطفل رشيد ضد الاكتئاب النفسي، والخطوات الأولى التي خطتها عائلة نور نحو الاستقرار، وانطلاق رشيد نحو حياة اجتماعية فرنسية بالمساكنة. تقول المؤلفة: "يسمح هذا التطور في النظرة إلى الزواج الديني التقليدي، في رأيي، بالتقارب بين الأجيال. نصادف عند العائلات المهاجرة والمسلمة أعدادًا متزايدة من الشباب والبنات الراغبين في العيش المشترك قبل الزواج المدني من دون قطع علاقاتهم العائلية، تقبل بتكريس علاقتها العاطفية دينيًا".

في الفصل السابع، جميل: الجنوح والحياة في السجن، تتحدث المؤلفة عن تولّد آلية الدخول في الجنوح عند جميل، أحد أفراد العائلة، ودخوله السجن، وهو المكان الملائم للتشكيك في الهوية. تقول: "تفتح حالة جميل النقاش حول ظروف الحياة في السجن الذي اجتاح فرنسا وأوروبا منذ زمن طويل. في الحبس الاحتياطي وأبعد من أن يثور كما كان يفعل غالبًا، قرر جميل أن يتعاون لأنه يعترف في قرارة نفسه بأنه مذنب".

دراسة وعمل

في الفصل الثامن، ليلى تحقق ذاتها من خلال الدراسة، تروي ديلكروا حياة الفتاة ليلى في مسيرتها لتحصيل العلم، خصوصًا في الجامعة. تقول المؤلفة: "تحتل ليلى في الواقع المكان الملائم لفهم معتقدات وسلوكات المجموعة الاجتماعية والثقافية لأهلها وللفرنسيين، كونها ولدت في فرنسا. إنها تعتبر نفسها فرنسية بشكل تام وتفتخر في الوقت نفسه بمنشئها المغربي. هذا الوضع يجعل منها وسيطة، قادرة على منح العدالة بشكلٍ منصف، خصوصًا حين تظهر التناقضات بين المعايير الثقافية".

في الفصل التاسع، إدريس يبحث عن عمل، تقدم المؤلفة موجزًا معبرًا لمسيرة هذا الشاب في البحث عن عمل. تكتب: "بعد سنوات ثلاث من البحث المضني وغير المثمر عن موطن شغل، رفض إدريس على الرغم من ذلك أن يستسلم حتى إنه يريد أن يتستّر على العنصرية المتفشية في الأجواء. هل يتعلق الأمر بتصرف للحماية الشخصية؟ إن العيش مع فكرة العنصرية هذه يبدو له غير وارد".

صورة مسبقة

في الفصل العاشر، حالة ملحّة... للشباب أم للمجتمع؟، تقول ديلكروا إن في هذا الظرف المتّسم بكثرة طلبات العمل وندرة عروض الوظائف، "نرى في كل مكان أن العلاقات الشخصية البينية تؤدي دورًا متزايدًا: فالمبدأ والممارسة يتعمّمان وأصبحا مندرجين ضمن التقاليد الفرنسية في الأوساط الاجتماعية المختلفة كلها، ويهدفان إلى محاولة إدخال شريك الحياة أو الأخ أو الأخت أو الأطفال أو أبناء وبنات الأخ والأخت على أنهم موظفون، إلى العلبة، أي المؤسسة التي يعملون فيها". لكن الموظفين، وليس رب العمل، من ينجح في إدخال أقاربهم إلى المؤسسة.

في الفصل الحادي عشر والأخير، العنصرية وتفاعلها المتبادل، تقول المؤلفة: "يؤدي التمركز الإثني عند البعض إلى انتشار الحذر الذي يتظاهر أو بالتمييز بين ’هم‘ و’نحن‘، بل بترسّخ حالات الظلم والأفكار المسبقة بشكل منتظم". وتنسب إلى أفراد عائلة عددًا منها: الصورة المكوّنة مسبقًا عن الشاب العربي العنيف والكاذب والسارق والمستغل والمنافس الاقتصادي الذي يهيئ البيئة لليمين المتطرف، والمسلم الذي يرفض الاندماج في المجتمع، والذي اختلافاته الثقافية لا يمكن تجاوزها كالزواج بامرأتين، والوضع الأدنى للمرأة، وسوء معاملة الأطفال، وهجر التعليم.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات