تطور الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية

22 فبراير،2016
الكلمات المفتاحية

يتناول كتاب عبد اللطيف الحناشي تطور الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية (1955-1920)، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، جوانب من التفكير السياسي التونسي في الشأن الفلسطيني، وتفاعل اليهود ‏التونسيين مع القضايا الوطنية. قسم الحناشي كتابه هذا (360 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) قسمين: أول خصصه للفترة بين عامي 1920 و 1939، وتضمّن أربعة فصول، وثانٍ خصصه للفترة بين عامي 1945 و 1955 ، وتضمّن ثلاثة فصول.

القضية المحور

في الفصل الأول، الخطاب السياسي في تونس من الوعي بأهمية القضية الفلسطينية إلى إدراك مخاطر الصهيونية، رصد الحناشي العوامل التي ساهمت في تأخر إدراك الخطاب السياسي في تونس القضية الفلسطينية والأيديولوجيا الصهيونية وتفكيكها. ثم حاول إبراز العوامل التي ساهمت في إدراك الخطاب لتلك القضايا وحدود فهمه لها. كتب: "شكل وجود أقلية يهودية في البلاد، إضافة إلى المناخ الملائم نسبيًا، دافعًا للحركة الصهيونية إلى النشاط وكسب الأنصار، الأمر الذي أدى إلى بروز توترات ذات طبيعة سياسية بعد أن كانت في السابق اقتصادية ومالية، وانتهى هذا الأمر إلى اصطدام إرادتين: إرادة وطنية تونسية لا تفرّق بين التونسي مسلمًا كان أم يهوديًا، والحركة الصهيونية التي عملت على تعميق الخلافات بين الطرفين، ودفع اليهود التونسيين إلى مغادرة بلادهم للاستقرار في فلسطين ودعم المشروع الصهيوني".

في الفصل الثاني، تطور موقف الخطاب من السياسة البريطانية والنشاط الصهيوني في فلسطين (1920-1939)، اهتم الباحث بتطور السياسة البريطانية في فلسطين والنشاط الصهيوني فيها وموقف الخطاب السياسي من تلك السياسة وإدراكه مدى خطورة النشاط الصهيوني على مستقبل فلسطين. وجد أن الخطاب السياسي في تونس تنبه سريعًا إلى خطورة هجرة اليهود إلى فلسطين وانعكاساتها على الأوضاع الديموغرافية والاقتصادية للسكان الأصليين، "كما أدرك خطورة انتقال الأراضي من الفلسطينيين إلى الصهيونيين بوسائل شرعية وغير شرعية. وكانت المواقف حازمة لا تقلّ صرامة عن الموقف الفلسطيني العام ذاته الذي أكد إصراره على منع انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود منعًا باتًّا ونهائيًا". وكان تعرّض تونس نفسها للهجرة المكثفة من الفرنسيين والإيطاليين والمالطيين وغيرهم من الذين استوطنوا البلاد واغتصبوا الأراضي الفلاحية ونهبوا الخيرات واستغلوا اليد العاملة التونسية أبشع استغلال من أبرز العوامل التي ساعدت في اتضاح الرؤية.

رؤية الخطاب

في الفصل الثالث، تطور رؤية الخطاب للمقاومة الفلسطينية (1920-1939)، تناول الحناشي تفكيك رؤية الخطاب لمظاهر مقاومة الفلسطينيين للاحتلال البريطاني والمشروعات الصهيونية في فلسطين. وبحسبه، تميّز محتوى الخطاب التضامني في تونس تجاه القضية الفلسطينية بالتجانس النسبي تجاه القضايا المحورية بالتحديد، وارتقى فهم الخطاب لأبعاد القضية وخصوصياتها تدريجًا إلى درجة الإحاطة بالمسائل كلها. وكان للمخاض الذي عاشه الخطاب السياسي في تونس بخصوص القضية الفلسطينية أثر فاعل في بلورة الرأي العام المحلي وتطوره وتعميقه في شأن قضاياه الداخلية.

في الفصل الرابع، رؤية الخطاب للتسوية السياسية وبدائلها (1920-1939)، حاول الباحث إبراز موقف الخطاب من مشروعات التسوية السياسية التي طرحتها الإدارة البريطانية والبدائل التي طرحها الخطاب بصفتها حلولًا عملية لتلك القضية. رأى أن هذه البدائل تميزت برؤية استشرافية جريئة عبّرت عن فهم عميق لجذور المشكلة التي ما كان بالإمكان معالجتها إلا من خلال حل جذري يتمثل في استقلال فلسطين، وفي بناء الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية العلمانية.

ختم الحناشي القسم الأول من الكتاب بالقول إن الخطاب السياسي في تونس تميز بالانفتاح على القضايا والهموم الخارجية السياسية والفكرية. واتخذ هذا الانفتاح أبعادًا جديدة بعد احتلال تونس، بعدما كان وراء هذا الانشغال، قبل الاحتلال، همّ معرفي في الأساس، "فإذا بصدمة الحدث الاستعماري تؤدي إلى تلازم الهمّ المعرفي والهمّ السياسي ليصيرا من أدوات المقاومة الثقافية والسياسية للمشروعات الاستعمارية في تونس، فحدثت عملية فهم لِما كان يجري في العالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي يؤكد ارتباط الخطاب السياسي بذاك الفضاء الحضاري والتعبير عن هويته الحضارية أيضًا.

بين حرب وتسوية

في الفصل الخامس، رؤية الخطاب السياسي لمشروعات التسوية السياسية في فلسطين (1943-1947)، تصدى الحناشي لرؤية الخطاب السياسي لمشروعات التسوية التي طرحت قبل قرار التقسيم وموقفه منها، ثم رؤيته لقرار الأمم المتحدة في شأن تقسيم فلسطين وموقفه منها. وقال إن الخطاب السياسي في تونس تفاعل مع مشروعات التسوية السياسية المطروحة العربية والدولية. وعلى الرغم من تعدد مقارباته في شأن مشروع سوريا الكبرى وقرار التقسيم، والصواب النسبي لأغلبية التحاليل المقدمة، فإن الجانب الأكبر من تلك المقاربات أغفل أهم تلك الأبعاد، أي البعد القانوني، إذ ذهب مختصون كثر في القانون الدولي إلى أن إصدار قرار التقسيم كان خارج صلاحيات الجمعية العامة، كما أنه ناقض مبدأ تقرير المصير الذي يمثل أحد أهم مبادئ الأمم المتحدة.

في الفصل السادس، رؤية الخطاب السياسي للحرب العربية - الإسرائيلية الأولى وتداعياتها (1943-1947)، حاول الحناشي تحليل فهم الخطاب للحرب العربية - الإسرائيلية الأولى وتداعياتها، ورؤيته لأسباب الهزيمة والطرائق والبدائل التي طرحها لتجاوزها. كتب: "تناول الخطاب السياسي التونسي الأسباب العميقة التي أدت إلى الهزيمة بين عامي 1947 و1948، وأكد قضايا عدة ذات أهمية بالغة، منها غياب الممارسة الديمقراطية وسيادة أنظمة الاستبداد السياسي والتأخر الاقتصادي والاجتماعي. لكنه، في المقابل، لم يستسلم للهزيمة بل رفضها وطرح بدائل عملية عدة لتجاوزها، كتحقيق الوحدة السياسية بشكلها الفدرالي ودعوة الأحزاب إلى تنسيق عملها بهذا الاتجاه".

فتور الاهتمام

خصص الحناشي الفصل السابع، فتور اهتمام الخطاب بالقضية الفلسطينية وبداية الغزل مع الحركة الصهيونية (1943-1947)، ليبحث تطور إدراك الخطاب للقضية الفلسطينية والقضايا المرتبطة بها، وبداية غزل الطرف الأساس في الحركة الوطنية مع الحركة الصهيونية وحدود ذلك، على وقع التحولات التي عرفها النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية وقيام الدولة الصهيونية والدور الذي قامت به في السياسة الدولية. برأيه، تراجع الخطاب السياسي في تونس عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية لأسباب موضوعية في مقابل تضاعف النشاط الصهيوني، ولا سيما في البلدان العربية، بعد الانتصار الذي حققته الحركة. فشجعت اليهود على مغادرة أوطانهم والاستقرار في الدولة الجديدة، ما أدى إلى تضاعف التوتر بين اليهود وباقي السكان.

وختم الحناشي القسم الثاني من كتابه بالقول إن الخطاب التونسي انغمس في الهمّ الفلسطيني واعتبر الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى بديلًا أكثر نجاعة لتحقيق المطالب الفلسطينية المشروعة، غير أن الهزيمة التي مُني بها العرب وانتصار الحركة الصهيونية وحلفائها كان صدمة كبيرة لهذا الخطاب. وساهم الخطاب في تشريح الأسباب المختلفة التي أدت إلى النكبة بكل جرأة وبروح نقدية، وحاول في الوقت ذاته تقديم بدائل عملية كفيلة بتجاوز مخلفات النكبة، ودفع تطور الحوادث في فلسطين والبلدان العربية والتحولات العالمية هذا الخطاب إلى مراجعة تصوراته وأولوياته وتحالفاته في الداخل والخارج، وكان من نتائج ذلك تراجع اهتمام الخطاب بالقضية الفلسطينية والقضايا المرتبطة بها إلى درجة دنيا، بل غيِّبت القضية تمامًا عن الأدبيات التونسية أو كادت.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات