يندرج كتاب الجذور والتراب: حوار عن القدس والمنفى والعودة الصعبة، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في سياق الحوارات الفلسطينية التي تستعيد، من خلال رواية الذاكرة، محطات من التاريخ الفلسطيني المعاصر. وفي هذا الحوار، يتحدث محمد أبو ميزر (أبو حاتم) إلى صقر أبو فخر عن وقائع مهمة في حياته النضالية، ويروي تفصيلات أيامه منذ أن أطل على الدنيا في القدس حتى عودته الموقتة إليها بعد غياب قسري طال أربعين سنة. يسرد أبو ميزر بواكير وعيه السياسي، وقصة انتمائه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وتسلمه مهمات الإعلام ثم العلاقات الخارجية فيها. يكشف هذا الحوار كثيرًا من الزوايا الظليلة في تجربة حركة فتح، ويميط اللثام عن بعض الأسرار المتوارية استنادًا إلى التجربة الشخصية الطويلة لأبو حاتم في إطار الحركة، ثم يستعيد وقائع وحوادث وسِيَر أشخاص كان لهم الشأن البارز في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
يتألف هذا الكتاب (236 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من 14 فصلًا.
في الفصل الأول، "البدايات والمؤثرات الأولى"، يتحدث أبو ميزر عن طفولته في الخليل، وانتقال العائلة إلى القدس بعد موت والده سليمان، ثم العودة إلى الخليل، فالعودة ثانية إلى القدس، وأثر هذا التنقل في نفسه، ثم بداية تفتح وعيه السياسي في القدس.
ويسترجع أبو ميزر، في الفصل الثاني، "ذكريات الدراسة وبواكير الوعي القومي"، ذكرياته في حارة النصارى بالقدس، ودراسته في الكلية الرشيدية التي كانت المدرسة الثانية من حيث المستوى العلمي بعد الكلية العربية.
أما في الفصل الثالث، "الوعي السياسي الجديد"، فيتذكر أبو ميزر كيف قاده وعيه السياسي في تلك الفترة إلى الانخراط في حزب البعث، حين كان النضال الوطني في ذروة توهجه، كما يقول، وكانت المعارك السياسية محتدمة جدًا على مستوى المواقف وعلى مستوى الأفكار، وحين كان مقتنعًا بعدم وجود مسألة تدعى قضية فلسطين منفردة، بل ثمة قضية العرب في فلسطين، و"كانت ثقافتنا تقول إن الهدف من احتلال فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين ليس فلسطين وحدها، وإنما تأسيس قاعدة للهيمنة على المنطقة العربية كلها".
في الفصل الرابع، "مرض القدس"، يتحدث أبو ميزر عن عودته إلى القدس في عام 1997، بعد مرور أربعين عامًا على مغادرتها، وعن التغيير الهائل الذي شهده في المدينة بعد هذه المدة الطويلة، إلا القدس القديمة التي، في نظره، "لم يطرأ عليها أي شيء، ولم أكتشف أي جديد إلا المصلّى المرواني الذي لم أكن أعرفه. وقد أيقظت زيارتي تلك ذكريات قديمة. صدقني أنني شعرت بهراوات الشرطة تنزل على أكتافي وعلى رأسي".
ويعود أبو ميزر، في الفصل الخامس، "الثقافة والمكان"، إلى أول الكتب التي قرأها، إلى بداياته الفكرية. يقول: "لم نقرأ لا التوراة ولا الأناجيل، ولم نقرأ أي شيء يتعلق بالعدو الصهيوني، فقد كانت القراءة عن إسرائيل محرمًا من المحرمات. وكان محرمًا حتى الاستماع إلى الإذاعة الإسرائيلية. قرأنا عن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل وعن كتاب دولة اليهود، لكن من شبه المحال أن نعثر على مَن قرأ بالعربية كتابه دولة اليهود قبل عام 1975"؛ فالثقافة العامة والاتجاه الوطني العام حرما قراءته. كما تطرق إلى الشخصيات الفلسطينية التي كانت تمثل قدوة في تلك المرحلة، مثل بهجت أبو غربية وجميل أبو ميزر وتوفيق أبو السعود والأنبا ياكوبس وعبد الله نعواس وعبد الله الريماوي.
أما الفصل السادس، "البعث"، فكان مجالًا يتذكر فيه أبو ميزر انضمامه إلى حزب البعث، والمؤثرات التي ساهمت في بلورة وعيه السياسي الذي جعله يختار هذا الحزب.
في الفصل السابع، "القاهرة"، يتذكر أبو ميزر لقاءه بميشيل عفلق في القاهرة في عام 1959، وعلاقاته بالبعثيين، وتعرفه بأكرم الحوراني في باريس، وعلاقته بحركة القوميين العرب.
ويسترجع أبو ميزر، في الفصل الثامن، "المرحلة الجديدة"، ذكرياته في أيام العدوان الثلاثي على مصر، وعلاقته ضمن رابطة الطلاب الفلسطينيين حين كان طالبًا بعثيًا ثم حين صار ممثلًا لحزب البعث فيها. ويتحدث عن عدم أهمية مسألة الانتماء الإثني أو الطائفي آنذاك.
ويقول أبو ميزر، في الفصل التاسع، "الفتح بعد البعث"، إنه ترك البعث لأنه كان ضد انفصال سورية عن مصر الذي أيده بعض البعثيين أمثال أكرم الحوراني وصلاح البيطار، وبسبب خيبته من موقف قيادة حزب البعث التي تخلت عنه حين اتهمته السلطات الملكية الليبية بالتخطيط لانقلاب ضد الملك، ويتذكر أنه سمع بـحركة فتح أول مرة في الكويت في عام 1962، من فاروق القدومي، ويتحدث عن لقائه بياسر عرفات، ثم انضمامه إلى الحركة.
في الفصل العاشر، "حساب الجُمل والأفكار القيامية"، يركز أبو ميزر كلامه على محمود أبو الفخر، الذي كان متدينًا ومحترمًا، ومهتمًا بتحليل الحوادث من خلال الأرقام والآيات القرآنية، أو حساب الجمل الذي من خلاله حدّد تاريخ انهيار إسرائيل، واليوم الذي ستنهار فيه، والساعة التي ستنهار فيها أيضًا، وحددها في عام 1974. كما يتذكر تفصيلات علاقته بحركة فتح، ونشوء هيكلها الثوري في عام 1962، وانطلاقتها المسلحة.
ويتحدث أبو ميزر، في الفصل الحادي عشر، "التجربة الجزائرية"، عن علاقته بالثورة الجزائرية وافتتاح مكتبي فتح وفلسطين في الجزائر، والأثر الإيجابي لانقلاب هواري بومدين في علاقة فتح بالسلطة الجزائرية.
أما الفصل الثاني عشر، "من الجزائر إلى دمشق: الانغمار في الثورة الفلسطينية"، فيعود فيه أبو ميزر بالذاكرة إلى انتقاله من الجزائر إلى دمشق، وتوليه مسؤولية العلاقة بالجزائر والعراق وسورية، وتأليف اللجنة المركزية الأولى لحركة فتح، واندماج الهيئة العاملة لدعم الثورة الفلسطينية – أو تنظيم عصام السرطاوي – في فتح.
في الفصل الثالث عشر، "باريس والدولة الديمقراطية العَلمانية"، يتحدث أبو ميزر عن أيامه في باريس في سنة 1968 في خضم ثورة الطلاب التي ساهمت في تأسيس اليسار الأوروبي الجديد ومفاهيمه الثورية، وكان أول ممثل لحركة فتح في أوروبا، وأسس في باريس "اللجنة العربية من أجل فلسطين". كما يتذكر صوغه إعلان "الدولة الديمقراطية الفلسطينية" وتسليمه إلى وكالة الصحافة الفرنسية التي نشرته في 31 كانون الثاني/ ديسمبر 1968، وإشكالية كلمة "العلمانية" التي وردت فيه.
ويتذكر أبو ميزر، في الفصل الرابع عشر والأخير، "العودة إلى المشرق"، مغادرته باريس في خريف 1969، ومعارك أيلول/ سبتمبر 1970، وموقفه الرافض للعمليات الخارجية التي نفذها وديع حداد وأيلول الأسود، وتدفق المقاتلين الفلسطينيين من الأردن إلى لبنان، ومسألة الانشقاقات في فتح، ومساهمته في سنة 1972 في تأليف "الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية" التي كان يقودها كمال جنبلاط.