بحر الصين الجنوبي: تحليل جيوبوليتيكي

12 ديسمبر،2018
المؤلفون
الكلمات المفتاحية

في كتابه بحر الصين الجنوبي: تحليل جيوبوليتيكي، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يبحث دياري صالح مجيد في الأهمية التي يحظى بها اليوم بحر الصين الجنوبي بسبب وقوعه جغرافيًّا في نقطة التقاء طرق المواصلات البحرية الأكثر كثافة في العالم، حيث تمر عبره نصف التجارة الدولية التي يؤمل بأن تزداد مستقبلًا بشكل مكثف، في ظل الإمكانات السكانية والاقتصادية لدول آسيا - المحيط الهادئ، فضلًا عن وقوعه في إطار جغرافي يضم دولًا مهمة تتبادل أدوارًا تنافسية للسيطرة عليه، مع وجود مقومات تضفي عليه أهمية مزيدة في الجغرافيا السياسية، في مقدمها إمكانات نفطية وغازية في أعماقه، ربما تؤهله ليكون رديفًا للخليج العربي.

موقع استراتيجي

يتألف الكتاب (175 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من خمسة فصول. في الفصل الأول، بحر الصين الجنوبي: الموقع والأهمية الاستراتيجية، يبحث مجيد في الموقع الجغرافي لبحر الصين الجنوبي، وأهم الجزر فيه (الشرقية والوسطى والغربية والجنوبية)، وموارد الطاقة فيه، وميزان الطاقة في دول إقليم بحر الصين الجنوبي، وأهمية هذا البحر الاستراتيجية. يقول مجيد أن هذه الأهمية تتعزز خلال عناصر مضافة تعمل على إضفاء مزيد من القيمة الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي، "ولا سيما تلك التي تتعلق بحقيقة كونه أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي، فضلًا عن كونه يمتاز بوجود أكثر خطوط الملاحة ازدحامًا بحركة السفن في العالم؛ إذ أن نصف ناقلات النفط العالمية يمر عبر هذا البحر، وأغلبية هذه الناقلات تحمل المواد الأولية كالنفط الآتي من الخليج العربي إلى دول جنوب شرق آسيا، (...) ما جعل بحر الصين الجنوبي يحظى باهتمام الدول الكبرى كما هي الحال مع الصين التي ترى ضرورة حماية هذا البحر من أي قوة أخرى، إقليمية أكانت أم دولية، يمكن أن تتسبب في تعطيل حركة الملاحة فيه، لارتباط ذلك بإمكان الضرر باقتصادها واقتصاد المنطقة عمومًا"، مذكرًا بأن في كل عام، تمر عبر بحر الصين الجنوبي بضائع تجارية تقدر قيمتها بـ 3,5 تريليونات دولار، وتصل نسبة مشاركة واشنطن فيها إلى ما يقارب 2,1 تريليون دولار.

مقاربات جيوبوليتيكية

في الفصل الثاني، المقاربة الجيوبوليتيكية لبحر الصين الجنوبي، يتناول مجيد أهمية بحر الصين الجنوبي من زاوية النظريات الجيوبوليتيكية المختلفة، كالمقاربة الماكندرية نسبة إلى الجغرافي البريطاني السير هالفورد ماكندر التي تركز على فكرة القلب البري للعالم، وأفكار الجيوبوليتيكي الأميركي نيكولاس سبايكمان ونظريته "ريملاند" (الإطار) ومفادها: "إن من يتحكم في منطقة الهلال الخارجي يستطيع أن يسيطر على مناطق الظهيرة، ومن يسيطر على الأخيرة يسيطر على قلب الأرض وتوسعها، ومن يحد من توسع القلب يتحكم في مسار السلام العالمي". أما المقاربة الثالثة فيردها مجيد إلى الجيوبوليتيكي الأميركي ألفريد ماهان الذي وضع نظرية القوة البحرية التي ترى في البحار مجالًا مهمًّا لتوجيه سياسات الولايات المتحدة بما يضمن لها تحقيق مصالح الأمن الوطني الخاص بها. المقاربة الرابعة متصلة بأفكار الجيوبوليتيكي الأميركي روبرت كابلان، المتمسك بالتفسير الجغرافي لحركة التاريخ والعلاقات الدولية. نراه دائمًا يركز على حتمية العامل الجغرافي في دفع الصين إلى أن تكون قوة بحرية مهمة على غرار الأنموذج الذي ساهمت الجغرافيا في صناعته من خلال القوة الألمانية - البرية المهيمنة في أوروبا. ويقترح تفعيل القوة البحرية الهندية للتوازن مع الصين، وإشغال الصين بمشكلاتها الداخلية، وإقناع الصين بالا تكون منافسًا في المحيط الهادئ، بل أن تكون شريكًا.

لمن السيادة؟

في الفصل الثالث، السيادة على بحر الصين الجنوبي، يشير المؤلف إلى الخلافات التي نشبت بين دول الإقليم بدعم خارجي من جهة، وبدافع الأطماع التي برزت بفعل توجهات القوى الرئيسة الراغبة في الهيمنة على هذا البحر، بالتالي على دول الإقليم التي تتشكل منه. لذا، "تسعى كل دولة من دوله إلى إبراز حقها في مياهه الإقليمية بالطريقة التي ترى أنها تضمن مصالحها الاستراتيجية العليا، وهو ما قاد بالضرورة إلى حدوث اختلاف في وجهات نظرها وادعاءاتها الخاصة بتحديد المياه الإقليمية هناك، ما أدى إلى تعقيد الوضع الجيوبوليتيكي في الإقليم". ويعرض مجيد مواقف الدول الخاصة بالادعاءات السيادية في مياه بحر الصين الجنوبي، أي الصين وفيتنام والفليبين وماليزيا وتايوان وإندونيسيا وتايلاند وسنغافورة زسلطنة بروناي وكمبوديا.

تعارض مصالح

في الفصل الرابع، المصالح الصينية - الأميركية في بحر الصين الجنوبي، يقول مجيد إن الصين تحاول تأكيد فكرة أن بحر الصين الجنوبي ليس مصدرًا يقف بوجه تطوير العلاقات بين الصين وباقي دول جنوب شرق آسيا، بل يشكل معضلة في إدامة السلام والاستقرار في الإقليم. لذا، هناك من يعتقد أنه يتوجب عليها تأمين سيادتها وبناء قوة بحرية مهمة، ولا سيما أن قضية هذا النطاق باتت اليوم تتجاوز فكرة الادعاءات الخاصة بالسيادة على المياه الإقليمية ومصادر الطاقة، بسبب تحول بحر الصين الجنوبي إلى نقطة جوهرية في التنافس الأميركي - الصيني في غرب المحيط الهادئ. من جانب آخر، لا يخرج بحر الصين الجنوبي عن دائرة اهتمام صنّاع القرار الأميركي ومخططي الاستراتيجيات في الإدارات المتعاقبة على هذا البلد. وتصاعدت أهمية هذا النطاق في الإدراك الأميركي منذ نهاية الحرب الباردة، ومنذ توجُّه الصين بشكل حثيث إلى بناء قدراتها الدفاعية والتسليحية، بما فيها قدراتها البحرية التي بدأت تتخذ من هذا البحر مجالًا لحركتها ومن دوله نطاقًا جغرافيًّا لنفوذها، لذا، تجد الإدارة الأميركية نفسها اليوم أمام تحدٍّ جيوبوليتيكي يهدد مستقبل وجودها ومصالحها في هذا البحر، الأمر الذي يؤكد أن بحر الصين الجنوبي سيكون واحدًا من النطاقات الجيوبوليتيكية الساخنة التي يتوقف عليها مصير العالم.

أي مستقبل؟

في الفصل الخامس، المستقبل الجيوبوليتيكي لبحر الصين الجنوبي، يطرح مجيد ثلاث سيناريوات لصوغ مستقبل بحر الصين الجنوبي: سيناريو الواقع القائم، أي استمرار الحال على ما هي عليه بين دول هذا البحر من خلال تمسّك كلٍّ منها بالنطاقات البحرية التي تهمين عليها، مع استمرار المساعي الدبلوماسية لإقناع الصين بالرضوخ لمبادئ القانون الدولي؛ سيناريو التسوية، أي إعادة ترسيم النطاقات الجغرافية للدول في بحر الصين الجنوبي بطريقة تلائم مآرب صنّاع القرار السياسي في البيت الأبيض، في ظل الإدراك الكافي للحقائق الجغرافية الموجودة في هذا الإقليم؛ وسيناريو المواجهة العسكرية إذا استمر التصعيد بين الأطراف الإقليمية والدولية، وصولًا إلى مرحلة الصِدام المباشر. هذه المرحلة التي ستفرض على الولايات المتحدة الأميركية، لاعتبارات جيوبوليتيكية متعددة، أن تكون مساهمة في أي صراع يجري هناك بالطريقة التي ستجبرها على أن تتخلى عن أي دور دبلوماسي فيه شيء من الحيادية التي يريدها حلفاؤها باتجاه ممارسة جميع السياسات التسليحية والعدوانية التي من شأنها أن تحرق هذا الإقليم وتدخله إلى مساحة واسعة من الفوضى والاقتتال. كل ذلك في ظل إدراك أن الوضع القائم لن يدوم طويلًا، ما يهدد بانفجار الأوضاع في حال تكرار الاعتراض المتبادل للسفن الصينية وباقي الدول عند محاولة استثمار الموارد النفطية في بحر الصين الجنوبي.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات