بداية العلاقات العربية – الأميركية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب عبد العزيز عبد الغني إبراهيم بداية العلاقات العربية – الأميركية. يتألف الكتاب (360 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من خمسة فصول، يتقصى فيها المؤلف بداية العلاقات العربية – الأميركية مع المغرب العربي، وبداية الامتيازات الأميركية في المشرق العربي، وبداية التنصير الأميركي في الشام، وبداية العلاقات الأميركية مع وادي النيل، والتنصير الأميركي في العراق ومناطق الخليج العربي، مستشهدًا بوثائق بريطانية وأميركية غير منشورة، توضح مسالك هذه العلاقات.

أميركا والمغرب العربي

يتناول إبراهيم في الفصل الأول، بداية العلاقات الأميركية مع المغرب العربي، اعتراف مراكش بالولايات المتحدة، والعلاقات الجزائرية - الأميركية في عهد الداي حسن، والاتفاقية الجزائرية – الأميركية، والاتفاق بين تونس والولايات المتحدة، وبداية العلاقات الأميركية الليبية، والحرب بين الولايات المتحدة وطرابلس.

لم يجد المؤلف بدايةً لعلاقات عربية - أميركية، إنما وجد تحالفًا أميركيًا - أوروبيًا ضدّ العرب حرّضت عليه وقادته الولايات المتحدة وظفرت فيه الدول الأوروبية باستعمار المنطقة. ثم وجدت الولايات المتحدة دولًا عربية واقعة تحت النفوذ الاستعماري الذي لا يقف في وجه المصالح الأميركية؛ سواء أتعارضت مع مصالح الشعوب المغلوبة أم توافقت معها.

وبحسبه، حققت الولايات المتحدة في بداية علاقاتها بالعرب ما صبت إليه من تقاسم ثرواتهم؛ إذ دأبت على الحصول على حصّتها من الغنائم بوساطة الدول الأوروبية المستعمرة.

امتيازات في المشرق

في الفصل الثاني، بداية الامتيازات الأميركية في المشرق العربي، يدرس إبراهيم امتيازات التجارة والإبحار بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة، واتفاق التجارة والصداقة بين مسقط والولايات المتحدة، واتفاق الصداقة والتجارة بين فارس والولايات المتحدة.

يقول المؤلف إن السياسة الخارجية الأميركية تميّزت منذ استقلال الولايات المتحدة بالسعي إلى توسعة تجارتها، ولهذا كان الاتصال الأميركي بالعالم الخارجي شأنًا من شؤون التجار والشركات ورأس المال. وظلت الإدارة الأميركية تتابع تجارها ومصالحهم، تعينهم بأسطولها الوليد على فرض تجارتهم بأداء أقل الرسوم، وبدبلوماسيتها الناشئة التي تهدف إلى كسب الامتيازات وإصابة النفوذ، وإرساء أسس الهيمنة السياسية.

استثمرت الولايات المتحدة متاعب الدولة العثمانية في أوروبا، واستطاعت أن تبرم معها اتفاقًا كان نتاج عجز إسلامي، أرهقه على عجزه إجماعٌ أوروبي لنصرة رفاق الثقافة النصرانية المشتركة. وأصابت أميركا بهذا الاتفاق امتيازات في الدولة العثمانية استغلتها في استلاب الحضارة الإسلامية، وقتل الروح الإسلامية بالتنصير السياسي.

أميركا تنصّر بلاد الشام

يثير إبراهيم في الفصل الثالث، بداية التنصير الأميركي في الشام، مسألتي التنصير الأميركي في الشرق، والتنصير التعليمي في الشام. وكان التنصير الهدف الرئيس للتعليم كما جاء على لسان بعض المنصّرين، فقامت البعثة الأميركية بجهد ملحوظ في هذا المجال. وحملت موضوعات التاريخ والجغرافيا المؤثرات النصرانية، كما ضمّت موضوعات المطالعة مقطوعات كاملة مأخوذة عن الأدبيات النصرانية الغربية. ودافع بعض المنصّرين الأميركيين بأن التعليم هو أنجع وسيلة لتنصير المسلمين. وأدّت هذه القناعة إلى انتشار واسع لمدارس الإرساليات الأميركية في جميع أرجاء الشام.

يقول المؤلف: "أثارت المؤسسات التنصيرية الأميركية الأفكار القومية في المجتمع العربي ورفعت راية العروبة، لا لنصرتها لكن لتفتّت وحدة الأرض الإسلامية بها التي كانت تستظلّ بظل دولة بني عثمان غير الظليل، بعد أن تمرّدت تلك الدولة بالطورانية على شرعيتها الإسلامية".

أميركا ووادي النيل

في الفصل الرابع، بداية العلاقات الأميركية مع وادي النيل، يبحث المؤلف في دور محمد علي باشا وأبنائه في التمكين للأميركيين، والاستثمار الأميركي في السودان، وبداية التنصير الأميركي في مصر والسودان، ومكانة وادي النيل في مؤتمرات التنصير الأولى، ومحاولات معارضة التنصير الأميركي فيه.

يقول إبراهيم إن الدولة الأميركية بذلت في وادي النيل جهدًا مضاعفًا، "فمصر بثقلها السكاني المؤمن، وبموقعها الاستراتيجي في قلب الأرض العربية مشرقًا ومغربًا، وبنبض أزهرها المعمور الذي لا تقف دون دعوته الحدود علمًا وذكرًا، بدا لهم أن اختراقها صعبًا فاحتالوا على حكامها بالدعوة إلى التحديث. أما السودان فبموقعه في قلب القارة الأفريقية ينبض بين الغابة والصحراء اعتدادًا بدينه، وتمتد عروقه لتصل إلى مرتفعات القرن الأفريقي في الشرق إلى الغابات الاستوائية في الوسط، وإلى السهول الأفريقية في الغرب، ينشر متصوفته الذين لا يملكون بعد الإيمان إلا طبولهم ذكر الله في الغابات والسهول، ويدفعون بأفريقيا الراقصة إلى نور الإسلام، فقد بدا لهم أن وضع حد ثقافي - سياسي بين شماله المسلم وجنوبه الوثني أمر لازم لتحقيق أهدافهم".

محاولات التنصير في الخليج

يتوقف المؤلف الفصل الخامس، التنصير الأميركي في العراق ومناطق الخليج العربي، عند التنصير الأميركي في العراق والبحرين والكويت وعُمان. في العراق، واجه التنصير مقاومة ضارية، توجتها ثورة عبد الكريم قاسم في تموز/يوليو 1958، حين انبرت تراقب نشاط المُنصّرين الأجانب، خصوصًا الأميركيين منهم، بعدما تبين لها ارتباط أهدافهم أو اتحادها مع أهداف الصهيونية العالمية. وبعد هزيمة العرب في عام 1967، طردت حكومة العراق جميع المُنصّرين الأجانب من أرضها.

في البحرين، بدأت الإرسالية الأميركية عملها بشكل متقطع وفاتر في عام 1893، حيث صادفت معارضة حادة من الشيخ عيسى بن علي، كما لم تلقَ في بادئ الأمر ترحيبًا من السلطات البريطانية، ولم يلتحق بها في هذه الفترة الباكرة عدد كبير من المنصّرين. لكن البحرين كانت بوابة المنصرين إلى نجد.

يقول إبراهيم إن المنطقة السعودية كانت هاجس المنصّرين الأميركيين فدعوا المؤسسات الخيرية والشركات الاستثمارية إلى العمل في تلك المناطق. أما منطقة الساحل فتعثرت فيها سياسة التنصير الأميركية، ولم تستطع البعثة التنصيرية الأميركية أن تقيم لها مركزًا ثابتًا في قطر إلا في عام 1946، لكنه لم يُعمّر طويلًا.

في الكويت، ازدهر التنصيران العلاجي والتعليمي حتى عام 1967. وفي عمان ايضًا، ساد التنصير العلاجي والتعليمي، لكن هذا الأخير لم يكن ناجحًا، إذ لم يشهد إقبالًا عُمانيًا.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات