الصراع العثماني – الصفوي وآثاره في الشيعية في شمال بلاد الشام

18 نوفمبر،2018
المؤلفون

في كتابه الصراع العثماني – الصفوي وآثاره في الشيعية في شمال بلاد الشام، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يبحث محمد جمال باروت في المتغيرات الاقتصادية – الاجتماعية - السياسية التي حكمت الصراع العثماني – الصفوي حول السيطرة على طريق الحرير، وآثاره في تطييف هذا الصراع في شكل صراع سني – شيعي، ويعتبر أن الصراع على طريق الحرير هو المتغير المستقل الذي حكم سائر المتغيرات الأخرى، لكن ما تلبث المتغيرات التابعة وهي هنا المتغيرات التطييفية أن تتحول إلى متغيرات مستقلة تمتلك دينامية ذاتية في تطورها وتأثيرها عبر مأسستها وقيامها بإعادة التنشئة الاجتماعية. ويحاول الكتاب أن يقدم معالجة وإضافة بحثيتين جديدتيْن في دراسة تلك المتغيرات وآثارها في عملية التطييف في شمال بلاد الشام التاريخية، بوصفه مصب الطرق التجارية العالمية الكبرى في زمن الصراع، وفي مقدمها مصب الطريق البري لطريق الحرير. وفي ضوء جدل المتغيرات الاجتماعية المستقلة والتابعة والوسيطة وغيرها في إطار منهج التاريخ الاجتماعي، يحاول الكتاب معالجة تطييف الصراع استنادًا إلى نتائج بحوث سابقة، وإلى المخطوطات العربية المتعلقة بذلك المجال، إضافة إلى حركة التوسع في العقود الأخيرة في نشر الوثائق المتعلقة، ومعالجة آثار تطييف الصراع العثماني- الصفوي على الشيعية العامة في شمال بلاد الشام، متزامنًا مع تسنين السلطنة الصفوية لمجالها البشري الإثنو - مذهبي السني العام يومئذ، ليُتيح تعرفًا أوضح لجذور انهيار المشرق العربي في حضيض الصراع الجماعاتي الطائفي الراهن، والتحرر منه.

التطييف

يتألف هذا الكتاب (352 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مدخل يحدد فيه باروت منهجية بحثه ومفاهيمه وقضاياه ومداه الزمني، ومن خمسة فصول. في الفصل الأول، الإطار الشيعي الشمال الشامي لتشكُّل الحركة القزلباشية - الطور التأسيسي، يرسم الباحث إطارًا تاريخيًا يتناول فيه الهيمنة الشيعية على التركيبة الجماعاتية المذهبية الشامية حتى أواخر القرن الثالث عشر، والقرن الرابع عشر الذي وصفه الباحث بقرن التحوُّل الجماعاتي الكبير في بلاد الشام بين الجنوب والشمال، ثم يتناول الحركة الأردبيلية الجديدة، العلويَّة أو القزلباشية، محددًا مفاهيمها، ثم الخلفيَّة التاريخية السابقة للصراع العثماني – الصفوي في ستينيات القرن الخامس عشر، والصراع بين الإمارتيين الكبيرتين التركمانيتين (القرا قوينلو) و (الآق قوينلو) الذي اصطبغ في شكل صراع طائفي سني- شيعي، والصراع البايندري- العثماني على شمالي بلاد الشام ومحاور طريق الحرير البري، ومرحلة الخلفاء الأردبيليين في حلب والأناضول، والحوادث عشية الاجتياح الصفوي لشمال بلاد الشام كانقسام الطرق الصوفية بين عرفانية علوية وسُنّية فقهية، والصراع بين بايزيد الثاني وشقيقه جم وتعميق الانقسام البكتاشي، والصراع العثماني - المملوكي وأثره في تعزيز المراكز القزلباشية في حلب، وأخيرًا استيلاء الشاه إسماعيل على سلطنة الآق قوينلو واجتياح شمال بلاد الشام.

في الفصل الثاني، اندلاع الحرب العثمانية - الصفوية وتطييفها السُّنّي - الشيعي وآثارها الأساسية في الشيعية في شمال بلاد الشام، يتناول باروت حوادث الحقبة من السلطان بايزيد إلى السلطان سليم، كقطع طريق الحرير ومذبحة الفِرق الشيعية في الأناضول، ثم محاولة تحطيم مراكز النشاط الصفوي في حلب وشمال بلاد الشام، والسيطرة على النيابات المملوكية في شمال بلاد الشام، وسياسة السلطان سليم تجاه شيعية شمال بلاد الشام وفِرقه غير السُّنّية، وأسطورة مذابح النُّصَيريين (العَلويين) الأولى في حلب، وتكريس الاعتراف المملوكي بالإسماعيليين، وأخيرًا انتقال السلطة من السلطان سليم إلى السلطان سليمان القانوني وتمرد إقليم الجزْر في حلب.

المأسسة

في الفصل الثالث، سليمان القانوني والسياسة العثمانية الشيعية في حلب وشمال بلاد الشام - مأسسة السُّنّة "السنيَّة" والسُّنّة "الشيعية"، يبحث باروت في عصيان البدالسة و"ذو القدرية" المتكرر وتجدد اندلاع القزلباشية، وتمرد أحمد باشا والدروز في لبنان، واندلاع الحركات القزلباشية في شمال بلاد الشام، ثم اضطرابات حلب الشافعية، واندلاع الحرب العثمانية – الصفوية وآثارها في شيعية شمال بلاد الشام، وفتوى شيخ الإسلام أبي السعود الجديدة بقتل الروافض، والتضييق على شيعة حلب وشمال بلاد الشام، وإباحة دم اليزيديين. ثم يتناول مأسسة العلاقة بين الفقيه والسلطان، أي السُّنة السُّنية والسُّنة الإمامية، وإرساء المؤسستين الفقهيتين السنية والشيعية الإمامية المتماثلتين بنيويًا ، ثم يتوقف عند اتفاق أماسية وتهدئة التوترات السُّنّية – الشيعية.

في الفصل الرابع، الحرب العثمانية - الصفوية الطويلة (1603 – 1639) - من حركة ابن جنبلاط في شمال بلاد الشام إلى فتوى نوح الحنفي، يتناول باروت حركات الجلالية وآثارها في بلاد الشام، وحركة ابن جنبلاط ومحاولة الاستقلال الإقليمي، وتداعيات حرب الخمسة عشر عامًا على حلب وشمال بلاد الشام، والسلام العثماني - الصفوي الطويل (1639 – 1748).

التسوية

في الفصل الخامس والأخير، نهاية الصراع على طريق الحرير - إخفاق مشروع التسوية التاريخية الكبرى للصراع السُّنّي - الشيعي، يبحث باروت في تواري مكانة الحرير في الاتفاقات العثمانية – الصفوية، والتاريخ الموضوعي التجاري لمشروع نادر شاه الإمبراطوري في مرحلة انحطاط المتوسط، والأساس الفقهي الأيديولوجي لإنهاء الصراع مع السلطنة العثمانية (المذهب الجعفري)، والسُّنَّة (السُّنِّية) الحنفية والسُّنَّة الإمامية الفقهيَّتين، ومفاوضات السنوات العشر الحرجة، ثم إخفاق التسوية المذهبية، وحصار الموصل (اتفاق 1746).

ويختم باروت بالقول: "تتمثل خلاصة البحث التركيبية في نتيجة أساسية مؤداها أن المتغير المستقل (الذي يعادل، بلُغة علم التاريخ المتغير الموضوعي، الأساس الدال) هو الذي حكم سائر المتغيرات الأخرى في الصراع العثماني - الصفوي الطويل المدى، وكانت متغيرات تابعة، وفي مقدمها المتغير التطييفي للصراع وفتاواه المتبادلة، وهو متغير الصراع السلطاني على طريق الحرير بوصفها تكثف خط التجارة

الآسيوية للوصول إلى المتوسط فأوروبا عبر الأراضي العثمانية. وكان هذا الصراع قائمًا بوضوح ما قبل نشوء السلطنة الصفوية، لكنه احتدم بشكله العنيف والطويل المدى بعد نشوئها. وشكلت السيطرة على شمال بلاد الشام محوره الأساسي باعتبارها منطقة استراتيجية كلية لوصول طريق الحرير البرية إلى البحر المتوسط". وينتهي الكتاب بالتوقف عندما يصفه بالحضيض الطائفي اليوم الذي يتردى فيه المشرق العربي الكبير، ليشكل محاولة بحثية في الخروج منه.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات