إشكالية الدولة في العالم العربي وتحول السلطة على أبواب الألفية الثالثة

23 أبريل،2020
المؤلفون

صدر عن "سلسلة أطروحات الدكتوراه" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب هيثم فرحان صالح إشكالية الدولة في العالم العربي وتحول السلطة على أبواب الألفية الثالثة، ينطلق فيه مؤلفه من ارتباط الثورات العربية، بصفتها أحد معالم تحول السلطة، بتطور دور المعرفة التي تمثل بدورها أحد أبرز عناصر السلطة، ومن ثمّ مساهمة التحولات في العالم العربي وآثارها في حلّ إشكالية الدولة العربية على أبواب الألفية الثالثة. ويرتبط هذا الحلّ بسياق عالمي، شهد الجميع بعض تحولاته في دول أوروبية شرقية كثيرة، بعد انهيار جدار برلين، في ما يعدّ محاولةً لحلّ إشكالية الدولة ونماذجها الدكتاتورية والاستبدادية، وخصوصًا بعدما وصف باحثون كثيرون الثورات العربية بأنها "انهيار جدار برلين" عربي.

يتألف هذا الكتاب (484 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول، موزعة في قسمين.

الدولة أو السلطة؟

في القسم الأول، "ثلاثية السلطة وإشكالية الدولة وطروحات ما بعد الحداثة"، فصلان.

يضم الفصل الأول، "إشكالية الدولة أم إشكالية السلطة؟"، مبحثين: السلطة والدولة والعنف، والديمقراطية الناقصة. ويتطرق فيهما المؤلف إلى السلطة المؤسَّسة وارتباطها بفكرة الدولة، ومن ثمّ الفصل بين المؤسسة والأشخاص الذين يمثلونها. ويبحث في بعض المفاهيم، كالسيادة والأمة، وجدلية النظام والحركة، وارتباط السلطة بالمشروعية لتبرير العنف، والديمقراطية والمواطنة وإشكاليات المفهومين وتطبيقاتهما، من حيث إن الديمقراطية فكرة تطرح طريقة مثلى لتداول السلطة كما يُفهم منها، وذلك من خلال فكرة المواطنة، وقدرة المواطن/ الفرد على الانتخاب والتمثيل الصحيح في دوائر اتخاذ القرار، ومن ثمّ في السلطة وتداولها.

يكتب صالح: "استطاعت البرجوازيات العربية أن تعبر العتبة الفاصلة من كونها برجوازية خاضعة لتصبح مشارِكة، كأي شريك في النظام الرأسمالي. ولا شك أن مشاركة البلدان العربية المصدرة للنفط هي مشاركة احتواء لا اندماج؛ فما زالت القوى الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، غير الرأسمالية وما قبل الرأسمالية، علاوة عن التناقضات الناجمة عنها، تؤدي دورًا شديد التأثير، حيث إن البرجوازية العربية رغم أنها في مركز الاهتمام الإمبريالي، يجعلها من ناحية، لسيطرتها على سلعة استراتيجية (النفط)، برجوازية قوية على المدى القصير، وبرجوازية ضعيفة ومهددة على المدى البعيد، وذلك بسبب أن سيطرتها لا تستند إلى صناعة تنافسية، كما أنها تفتقر لقاعدة صناعية وعسكرية قوية، وهذا ما يجعلها أشد ضعفًا من مواجهة القوى الإمبريالية الكبرى".

طروحات ما بعد الحداثة

يدرس المؤلف، في الفصل الثاني، "تحول السلطة وطروحات ما بعد الحداثة"، ثلاثية السلطة وتطور دور المعرفة والتواصلية الكونية، وطروحات الحداثة وما بعدها. ويعرض طرح ألفين توفلر عن تحول السلطة أساسًا، واستعراض طروحات ما بعد الحداثة. كما يتطرق إلى شرح فكرة تحول السلطة عند توفلر، وطروحات التواصلية الكونية، وطروحات ما بعد الحداثة في السلطة وتحولاتها على الصعيد العالمي، وخصوصًا طرح مفهوم الإمبراطورية الجديدة وسيادتها، وفي الطروحات النقيضة لطرح توفلر، وما يفرض ذلك من تحديات على الدولة ومسألتها، ومن ثمّ إشكالياتها الجديدة.

وفي هذا السياق، يقول صالح: "إن تعريف المجتمع المدني بأنه ناحية التفاعل الاجتماعي التي تتحرر نسبيًّا من الرقابة المباشرة للدولة، يمكِّننا من النظر إلى المجتمع المدني على أنه يقوم بتنظيم نفسه بشكل كبير من خلال فعاليات قانون الرأي والسمعة للوك، وأما الأخلاق العامة التي تنبع من قِبل هذه الفعاليات، فهي تقدم – من حيث المبدأ على الأقل - الأسس الأخلاقية التي ينبغي أن تقوم عليها شرعية الحكومة، وبالطبع فهي أيضًا الأسس التي ينشأ عنها النقد الأخلاقي للسلطة السياسية".

أزمة الدولة العربية

في القسم الثاني، "إشكالية الدولة العربية: تحول السلطة أم تغيير للأنظمة على أبواب الألفية الثالثة؟"، فصلان.

يبحث صالح، في الفصل الثالث الذي جاء بعنوان "أزمة الدولة العربية على أبواب الألفية الثالثة"، في مفهوم العصبية من حيث هي بنية للمجتمعات العربية، ومسألة الاستشراق وعمل السلطة في المعرفة مع إشكاليات علاقة الثقافة بالسياسة، لما لها من تأثير في دراسة إشكالية الدولة في العالم العربي. كما يبحث في إشكالية الدولة العربية وآثارها على صعيد مفهوم السيادة والتمسّك بها في العلاقات العربية، وطريقة ممارستها في الدولة العربية أنموذجًا من دول العالم الثالث. إضافة إلى ذلك، يتطرق الباحث إلى طرح تحول السلطة بصفته مسألة ما بعد حداثيّة ستؤدي إلى طرح إشكاليات جديدة مرتبطة بفكرة تحول السلطة على صعيد عالمي وستعيد البحث في العالم العربي في مسألتي السلطة والدولة وارتباطهما بمفاهيم الحرية والديمقراطية معًا من منظور جديد، من حيث مدى ملاءمتهما الحداثة السياسية تاريخيًّا، المرتبطة بالصناعة كما في الدراسات السابقة، ومدى ملاءمتها لتحوّل السلطة على صعيد عالمي بصفته فكرة ما بعد حداثية متعلقة بعصر ما بعد الصناعة، كطرح جديد في الدراسات المستقبلية.

وفي إطار تطرقه إلى هذه الإشكالية، يكتب صالح: "النظام العربي يتضمن نظامين؛ نظام دولاتي ونظام مجتمعي، حيث إن البنى الفوقية، أي الدولة والأنظمة العربية، لا تعبر أحيانًا عن البنى التحتية، أي عن الشعوب والمجتمعات العربية المختلفة، وما الثورات العربية إلاّ تعبير عن هذه المعضلة والإشكالية المتعددة الوجوه، حيث نرى ثورات الربيع العربي قامت في جانب منها بوجه ما تسعى إليه سلطة الإمبراطورية الجديدة أو سيادة العولمة، والتي حوّلت دولًا إلى مساحات رخوة وبلا حدود قومية، يبرّرها شعار واحد هو مقاومة الإرهاب، هذا الشعار المخيالي وغير المرئي، الذي يسمح بنشر سلطتها، والذي زادته زخمًا أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ، فما وقع منذ 2011 من أحداث في العالم العربي هو تكذيب ميتافيزيقي لنبوءة الإمبراطورية: صحيح أنّ شعار العولمة قد انتصر على سيادة الدولة – الأمة بحدود كبيرة، فالأمة تحولت من حدود قومية للمواطن إلى حدود إجرائية للإنسان اللاجئ، وهو التعريف الجديد للفرد بلا دولة أو الذي سقطت دولته القومية".

إشكالية الدولة العربية

يطرح المؤلف، في الفصل الرابع، "إشكالية الدولة العربية وأزمتها وتحول السلطة على أبواب الألفية الثالثة"، بعض الإشكاليات في ما يتعلق بإشكالية السلطة وعلاقتها بالحرية والديمقراطية والتحدّيات المطروحة على الدولة العربية على أبواب الألفية الثالثة، وتحوّل طبيعتها، وارتباط ذلك بإشكالية الدولة في العالم العربي، وكيف يتضارب ذلك أو يتوافق مع سلطة الدولة في العالم العربي، وهل سيؤدي تحول السلطة إلى تغيير في طبيعة إشكاليات الدولة في العالم العربي، واستطرادًا إشكالية سلطتها؟ لبحث تلك الإشكاليات، يتطرّق الباحث إلى حرية التعبير في التحولات العربية على أبواب الألفية، ثمّ يبحث في تحول السلطة وحدود الحرية والنظرية الديمقراطية، وفي إشكالية الدولة العربية ما بين الحداثة وما بعدها، وفي إشكالية المجتمعات العربية ومستقبل الدولة القومية.

ويوضح صالح ذلك بقوله: "أدت العولمة إلى قيام واقع جديد فرض التزامات جديدة على الأفراد نحو الدولة - الأمة، بل ونحو العالم أجمع، وذلك في الوقت الذي تراجع فيه دور الدولة - الأمة، كما تراجع تأثيرها نتيجة تأثيرات العولمة التي تتجاوز كل التنظيمات والنظم الوطنية، فالأفراد عرضة لتأثيرات أحداث تتم على نطاق عالمي، كما هم في الوقت ذاته عرضة لتأثيرات على مستوى وطني محلي، وهذا ما يفرض التزامات، ويطرح إشكاليات متعددة؛ فالعالم يشهد تأثيرات العولمة التي تحمل نذرًا من التفكك والفوضى والاضطراب، ذلك بأنّ المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العالم اليوم هي أكثر تعقيدًا بكثير من أن تجد لها حلًا، كما أنّ الكثير من رجال السياسية والاقتصاد يعلقون على ذلك فشلهم وعجزهم عن التغلب على الصعوبات التي تواجه مجتمعاتهم وشعوبهم، بمعنى أنّ العولمة أصبحت هي المشجب الذي يعلق عليه رجال السياسة والاقتصاد فشلهم".

اقــرأ أيضًــا

فعاليات