تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم

29 أغسطس،2017
المؤلفون

في كتاب تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم، الصادر  عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في سلسلة ذاكرة فلسطين (416 صفحة بالقطع الوسط، مفهرسًا)، يرسم معين الطاهر لوحةً تجمع شتلات تبغ الجنوب اللبناني وجذور الزيتون الفلسطيني العتيق، متجاوزًا كتابة سيرة ذاتية إلى إضاءةٍ على سيرة جماعية مكتملة بشخوصها وحوادثها وأطوار نموها ومناخات ازدهارها وحيثيات تراجعها.

من النكبة إلى أيلول الأسود

في هذا الكتاب 13 فصلًا يجمع فيها الطاهر قصة "الكتيبة الطلابية"، ويوثق ما قدّمه رواد تجربة نضالية وطنية أدت دورًا مميزًا في الثورة الفلسطينية المعاصرة. في الفصل الأول، بدايات، يلخص الطاهر فترة انتظار الفلسطينيين طلائع الجيوش العربية التي قيل إنها آتية لنصرتهم بعد النكبة، ولم تأت، وهجرة العائلة إلى يافا، وإقامته في الإسكندرية، ثم في نابلس عشية حرب 1967، والحرب فالنكسة، وانضمامه إلى حركة فتح. يكتب: "اتصل بي أحد الإخوة عارضًا عليّ الانضمام إلى فتح، ولم أكن حينها أعرف ما هي، ولم يكن يهمني أن أعرف تفصيلاتها، فكلّ ما أثار اهتمامي أنّها حركة مقاومة للاحتلال. كان هذا وحده كافيًا للإجابة عن أسئلتي، ولم أكن مهتمًا بسواه. وكان هاجسي أن أتأكد فعلًا أنّني مع المقاومة وفي صفوفها. فطلبتُ إثباتًا لذلك. في اللقاء الثاني كان معاوية يحمل مسدسًا. ويبدو أنّ هذا وحده كان كفيلًا بإقناعي".

في الفصل الثاني، إربد 1968، يروي المؤلف قصة انتقاله إلى مدينة إربد الأردنية، وتجديده التواصل مع فتح، وتعرّفه إلى هاني الحسن الذي تولى شرح نشرات فتح، ومشاركته في معركة الكرامة. يتذكر الطاهر: "بعد الكرامة تمدّدت حركة فتح، حتى أصبح الناس من حولنا كلهم فتح؛ زملائي في المدرسة، وجيراني، وأخي الأكبر، وأساتذتي، فقد كان يصعب أن تجد أحدًا عاصر نهاية الستينيات في الأردن ولم تكن له علاقة ما بالثورة، حتى إنّ البعض تندّر في ما بعد في وصف المرحلة وسمّاها تنظيم ’الباص‘، إذ كان يكفي أن تقف حافلة في ساحة أي مدينة ويصيح سائقها مناديًا الشباب للتوجه إلى الأغوار حتى تمتلئ الحافلة عن آخرها". ويروي الطاهر قصة نشأة المجموعة الطلابية، ودورات تدريب الطلاب والطالبات، ويتكلّم على حوادث أيلول الأسود في عام 1970 التي أسفرت عن فقدان الثورة الفلسطينية قاعدتها الارتكازية الأساسية في الأردن، "ومثّل ذلك خسارة إستراتيجية كبيرة لمشروع المقاومة، كما ستؤدي لاحقًا إلى تغيّرات عميقة في بنية النظام الأردني والعلاقات المجتمعية في الأردن". 

الصراع اللبناني

في الفصل الثالث، لبنان 1973، يقصّ الطاهر قصة أول اشتباك بين الفلسطينيين والجيش اللبناني، وقذيفة الـ "آر بي جي" التي حسمت الموقف، وكمائن التنظيم الطلابي في الكولا والجامعة العربية، ومناقشة ياسر عرفات الذي أراد القبول بالدخول في تسوية سياسة بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر، وبدولة فلسطينية حتى لو كانت في أريحا وحدها. يكتب الطاهر: "كانت نهاية عام 1973 التاريخ الفعلي لبداية تغيير المسار، وإن استمر التمسّك بالبندقية بموازاة هذا التغيير، وهو ما ترك آثاره قطعًا في إستراتيجية الثورة وتكتيكها وتحالفاتها وتطوّرها ونموّها وتراجعها، فثمّة فرق كبير بين مشروعين مختلفين؛ مشروع التسوية ومشروع حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، وإن استمر التقاطع بينهما إلى مرحلة أوسلو". كذلك يتحدث الطاهر في هذا الفصل عن النضال الطلابي اللبناني، وإضراب طلاب الجامعة الأميركية في منتصف عام 1974، والمؤتمر العام السابع للاتحاد العام لطلبة فلسطين الذي عُقد في الجزائر في آب/ أغسطس 1974، والذي وافق على البرنامج السياسي المتفق عليه في بيروت بين مجموعة اليسار والمجموعة القريبة من أبو إياد، وينص على حق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطته الوطنية المقاتلة على أي شبر يُحرّر من الاحتلال.

في الفصل الرابع، الحرب الأهلية 1975، يروي الطاهر قصة بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وانقسام اللبنانيين، ودخول المقاومة الفلسطينية طرفًا في هذا الصراع. يكتب: "فجأة، وجد التنظيم الطلابي نفسه أمام مرحلة جديدة فرضتها عليه أوضاع الحرب الأهلية وعودة عدد من منتسبيه إلى مدنهم وقراهم وأحيائهم، ما فرض عليهم مهمات جديدة في الدفاع عن هذه المناطق ومحاولة منع الممارسات الطائفية فيها، وبهذا امتدت مهماته لتشمل عمليًا جميع لبنان من شماله إلى جنوبه، ومن بقاعه وجبله. حلّت البندقية مكان الكتاب، وأصبح تلاميذ الأمس قادة للمحاور وروادًا للعمل السياسي والعسكري والاجتماعي في أحيائهم ومناطقهم، إضافةً إلى المرابطة في خطوط التماس أشرفنا على إنشاء اللجان الشعبية والوطنية لتسيير أمور الأحياء، وأقمنا نوادي ومستوصفات طبية وروابط اجتماعية لخدمة الجمهور". ويطعّم هذا الفصل، كما الكتاب كله، بحوارات شخصية، ومذكرات ميدانية عن مشاركته الشخصي في القتال على محور رأس النبع – البرجاوي، وتنصيبه نائبًا لقائد الكلية العسكرية، ومساهمته في معارك جبل صنين، والقتال ضد القوات السورية التي دخلت لبنان لمساعدة اليمين اللبناني.

حروب الجنوب

لا يغادر الطاهر تفصيلًا عن المعارك في الجنوب اللبناني إلا ويذكره في الفصل الخامس، الجنوب 1976، فيكتب عن ثلاث معارك كبرى شهدتها بلدة مارون الراس على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، حين حاولت قوات سعد حداد التقدم نحو بنت جبيل واحتلال قريتي الطيبة ورب ثلاثين، وصدّتها الكتيبة الطلابية واقتحمت مارون الراس نهارًا. هناك، صارت المواجهة مباشرةً مع الجيش الإسرائيلي. وعندما بدأ الهجوم الصهيوني، انسحبت القوات المرابطة في مارون الراس باتجاه فلسطين، ثم عادت إلى مهاجمة الصهاينة حين استقروا في البلدة، فدارت معارك ضارية من مسافة صفر. كما تناول دلال المغربي وعمليتها البطولية، وحرب الأيام الثمانية في آذار/ مارس 1978.

في الفصل السادس، بين حربين: 1978–1982، يروي الطاهر يومياته الجنوبية. يكتب: "تدفّقت على الكتيبة أعداد كبيرة من المتطوعين الذين وصلوا خلال الحرب وبعدها، جزء منهم حضر لفترة وجيزة راوحت بين أسابيع وشهور عدة، فيما اختار آخرون البقاء والالتحاق نهائيًا بجسم الكتيبة، وبذلك تمكّنت الكتيبة من تعويض خسائرها البشرية الكبيرة التي لحقتها خلال الحرب". ويتناول العلاقة بأبي نضال، ووصول متطوعين من إيران واليمن وبنغلاديش.

أما في الفصل السابع، الانتقال إلى النبطية – الشقيف، فيتناول انتشار الكتيبة الطلابية في النبطية، ويتذكر: "كان الوضع صعبًا للغاية، ففي الحدّ الأمامي للقوات لا توجد أي تحصينات يمكن أن يحتمي بها المقاتلون من قصف العدو اليومي والمتواصل، كنّا في العراء تمامًا، والقلعة قد دُمّرت بالكامل ولم يعد ممكنًا البقاء داخلها، لذا أصبح من الضروري إقامة مجموعة من المواقع حولها". كما يتذكر عملية تحصين قلعة الشقيف: "حُفرت حفرات عدة، دُفنت بها غرف حديدية جاهزة لتوفير المأوى لعشرات المقاتلين، في الوقت ذاته حُفرت عشرات الحفر الإضافية غير المستخدمة كي يكون صعبًا على طائرات الاستطلاع أن تميّز الحفر الحقيقية من المموهة. بعد ذلك أُنشئت مرابض للأسلحة، وأُخفيت في غرف من الإسمنت المسلح، ورُبطت بشبكة من الخنادق المتصلة التي تغطي الموقع بأسره، ومن ثمّ حُفر نفق أسفل القلعة. وفي الحد الخلفي حُفرت عشرات المرابض لفصيل الرشاشات على مختلف التلال، وعلى شكل مواقع تبادلية".

ملحمة الشقيف

في الفصل الثامن، عبور النهر، ينتقل الطاهر إلى الأردن حيث "لم تكن الأمور بهذه السهولة، فثمّة مخاوف لدى النظام الأردني من عودة أي صورة من صور العمل الفدائي إلى الساحة الأردنية. كان توجهنا واضحًا وضوح الشمس، فهدفنا هو الأرض المحتلة فقط، وأي سلاح يُمرّر عبر الحدود أو مجموعة مقاتلة توجد في الأردن لفترات، فإنّ غايتها الوصول إلى داخل الأرض المحتلة، ولا يستهدف المسّ بالأمن في الأردن، أو توجيهه باتجاه أي حراك داخلي، أو التدخل في الصراع السياسي المستعر بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الأردني". 

يتذكر الطاهر في الفصل التاسع، الاجتياح 1982، روايتان لمعركة الشقيف في عام 1982: رواية إسرائيلية أتت متأخرة في عام 2013، ورواية فلسطينية تجعل من هذه المعركة أسطورة المعارك. تحدّثت الرواية الإسرائيلية عن وجود 27 مقاتلًا كانوا في القلعة استشهدوا جميعًا، وتصفهم بالمقاتلين البارعين الذين لم يُبدِ أحد منهم رغبة في الاستسلام، وكانت المعركة بالنسبة إليهم مسألة كرامة، في حين يُسهب الجنرال أشكنازي في الحديث عن الكيفية التي حاربوا بها طوال الليل: "قضينا ساعات طويلة ونحن لا نعرف من أين يطلقون النيران، كانت النار تأتي من كل مكان". أمّا الملازم أول عميرام ستيف من وحدة لاهف في قوات غولاني الخاصة فيقول: "كان القتال الذي دار حول الشقيف قتالًا مجنونًا متوحشًا لم أشهد له مثيلًا في حياتي، ولم يخطر ببالي أنّ الفلسطينيين لديهم كل هذه الشجاعة الفائقة وكل هذه الكفاءة". وفي الوقت الذي تسهب فيه الرواية الفلسطينية في الحديث عن محاور القتال المختلفة حول القلعة التي استمرت حتى الساعة العاشرة من ليل 6 حزيران/ يونيو، فإنّها تعتمد كليًا على المصادر الإسرائيلية عند حديثها عن الاشتباكات داخل المواقع في القلعة بعد هذا التوقيت، بسبب انقطاع الاتصالات مع القلعة، واستشهاد معظم من كان فيها. ويقول بعض الروايات الفلسطينية إنّ القلعة سقطت بعد استخدام العدو الغازات السامة.

في الفصل العاشر، 1982–1983: العمليات خلف الخطوط، يسرد الطاهر وقائع عدة لعمليات نفتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية خلف خطوط العدو الإسرائيلي بعيد اجتياح عام 1982، شاركت فيها الكتيبة الطلابية.

بين طرابلس وأوسلو

في الفصل الحادي عشر، الانشقاق وطرابلس، يتذكر الطاهر قصة الانشقاق في فتح. وبحسبه، كان أبو عمّار متأكدًا من ترتيبات الانشقاق حين اتخذ قراراته التي عُدّت دافعًا للإعلان عن حركة الانشقاق، إلا أنّ قرارات عرفات لم تكن كافيةً لمواجهة الانشقاق، فهي قد اعتمدت بالدرجة الأولى على معايير الولاء والطاعة التي لم تكن لتنجح في مواجهة حالة انشقاق جديّة مدعومة من سورية وليبيا، وتُغلّف نفسها بشعارات الإصلاح الداخلي، ومُحاربة الفساد، ومُناهضة التسويات المطروحة، والدعوة إلى عودة القوات التي خرجت من بيروت إلى الساحة اللبنانية. وسرعان ما اضطر أبو عمّار، أمام تطوّر الحوادث، إلى إلغاء معظمها، والاعتراف بوجود الانشقاق، ومواجهته بقوة. وعندما فشلت "فتح الانتفاضة" في السيطرة على مواقع فتح في البقاع والجبل، تدخلت القوات السورية مباشرةً في الصراع، خصوصًا بعد وصول أبو عمار إلى طرابلس. ثم يورد المؤلف سردًا مفصلًا لمعركة إخراج عرفات من طرابلس.

في الفصل الثاني عشر، عودة إلى الأردن، يقول الطاهر إن عددًا كبيرًا من الإخوة عاد إلى الأردن بوسائل مختلفة، بعضهم عبر المنافذ الرسمية وآخرون متسللون عبر الحدود. وتساهلت السلطات الأردنية مع الجميع، وصدر عفو عام عن أولئك الذين فرّوا من الجيش الأردني خلال حوادث أيلول 1970 والتحقوا بالمقاومة. بعض الإخوة الذين توجهوا إلى الساحة اللبنانية بعد الخروج من طرابلس عادوا إلى الأردن، بعد أن توصلوا إلى قناعة مفادها أنّ الساحة اللبنانية لم تعُد ملائمة لممارسة قناعاتهم بأولوية النضال ضد العدو الصهيوني. فللوجود في الأردن ميزة كبرى تتعلّق بسهولة الاتصال بالأرض المحتلة. كما يروي المؤلف حكاية سرايا الجهاد في فلسطين.

أما في الفصل الثالث عشر والأخير، ما بعد اتفاق أوسلو، فيتحدث الطاهر عن الكفاح الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو، متسائلًا: ماذا تغيّر في فتح؟ ماذا بقي منها بعد خمسين عامًا من انطلاقتها يوم أن أطلقت الكفاح المسلح الفلسطيني في الأول من كانون الثاني/ يناير 1965؟ يجيب: "اليوم، وبعد خمسين عامًا، تغيرت الصورة كليًا. أضحت محاولة امتلاك عناصر القوة تعني في عُرف العدو أنّ الطرف الفلسطيني غير مؤهل للمشاركة في عملية التسوية التي لا قرار لها، وكان من شروط هذا التأهيل بعد استشهاد ياسر عرفات، الموافقة على خطة دايتون، والتنسيق الأمني مع العدو، وإنهاء ما تبقى من الانتفاضة الثانية، وتجلّى هذا الموقف خلال الحرب الأخيرة على غزة. وتحوّل التمرّد على موازين القوى السائدة، وهو المبرّر الوحيد لقيام جميع الثورات، إلى ضرورة الاعتراف بهذه الموازين والإقرار بها كحقيقة أزلية غير قابلة للتغيير، والتحذير من الاقتراب من حدودها".

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات