الكشف والبيان عن أوصاف خصال شرار أهل الزمان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الكشف والبيان عن أوصاف خصال شرار أهل الزمان الذي ألّفه محمد الحافظ بن حسين الصيداوي النجار وحقّقه مهند مبيضين. ويُعدّ هذا الكتاب من أدب المواعظ والأخلاق والتاريخ، وقد جمع فيه صاحبه ثقافة أدبية ودينية واسعة مكّنته من صوغ النص بلغة محكمة منضبطة، وبطريقة منظمة.

يأخذنا المؤلف في كتابه إلى دمشق خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر، ويصلنا بها حتى عام 1172هـ (1758م). ويُعدّ كلٌّ من الناس والمدينة مدارَ التأليف في هذا الكتاب الذي يبحث فيه مؤلفه عن المجتمع الأمثل والزمان الخالي من الفساد. لكنّ البحث عن شكل أفضل للمجتمع ليس دافع التأليف الوحيد بالنسبة إلى المؤلف؛ فدمشق تستحق زمانًا أفضل مما كانت عليه في عصره الذي جعل الناس سبب سوئه، وهي عنده الظرف والناس هم المظروف، فإنْ صلح المظروف صلح زمان المدينة؛ لذلك نجده يذكّر بدمشق وفضلها وفضائلها.

ضعف وفساد وفوضى

في دراسة "الكشف والبيان: المدينة والمخطوط لمبيضين" التي تتصدر الكتاب، يقول المحقق إنّ السياق العام الذي أُلف فيه المخطوط يأتي ضمن النسق المعرفي في مدينة دمشق خلال القرن الثامن عشر الميلادي، وإنّ هذه المرحلة شهدت - على الرغم مما لفّها من ضعف وفساد وفوضى في إدارة الولاية واعوجاج الزمان واختلاله كما وصفه الصيداوي - حالاتٍ كثيرةً وقف فيها العلماء مع المجتمع ضد السلطة وفسادها وتغولها، وضد رميها المجتمعَ بالتكاليف والضرائب والعوارض السلطانية التي لم يكن من سبيلٍ لرفعها أو دحرها إلا بأسلوبين: الرفض والثورة والعصيان ضدها، أو شفاعة العلماء ممن هم مقبولو الشفاعة عند الحكام، ومنهم مَن وُصِفَ في كتب التراجم بأنه "كانت تهابه الحكام"، أو كان "مقبول الشفاعة عند الأعيان"، أو "تترَدد إليه أعيان الدولة".

علاقة غير مستقرة

يضيف مبيضين أن جهاز العلماء لم يكن مستقرًّا في علاقته بالسلطة، وأنه لم يكن بعيدًا عن التحولات، "بل شهد تطورات وتحولات كبيرة عشية القرن الثامن عشر وخلاله، إذ تزايدت الأعداد، وتطورت العلاقات البينية بين المتصوفة ورجال العلم وأهل الحِرَف، ونشأت مظاهر سلبية عدة داخل منظومة الجهاز أدت إلى انكشافه على المجتمع من جهة، وعلى النفوذ والاقتصاد والثروة من جهة أخرى، وهذا ما أحدث الفساد في الوظائف والصراع عليها، وأدى ببعض العلماء إلى توريث مناصبهم وحصرها في مدارس بعينها، وبالتالي تراجع القيمة الأخلاقية لهذا الجهاز الديني الذي كان يبدو محصنًا من الخارج ومعافًى لكنه في الواقع مليء بالأمراض والعلل التي شهدها الصيداوي ونقدها وعرض لها، من تراجع العلم، وشيوع الحسد، والغيبة، والفساد في الوظائف الدينية".

عيوب الأسواق

يرى المحقق أن الصيداوي، وإن كان يدعو إلى العزلة ويفضلها، فإنه قدّم صورة زمانه وحالتَه العامة في السياسة وممارسة الولاة سلطتهم، وفي الأخلاق، وطبائع الناس في الاجتماع الإنساني، وفي الاقتصاد وحال الأسواق، وفي العلاقة بين العلماء، وأنه كان مباشرًا في وصفه؛ إذ يقول: "ومما شاهدته ارتفاع أسعار القمح وخزْنُه من قبل الولاة والعلماء، ومعاونتهم في ذلك، وكثُرَ رمي الناس بالضرائب التي لا طاقة لهم بها من قبل الولاة".

لا يخفي الصيداوي عيوب الأسواق وما فيها من تلاعب بالأسعار، فضلًا عن التلاعب بالأوزان، مع إحداث العسكر والفتوات الاضطرابات، ويعلل ذلك بغياب ممارسة السلطة دورَها وغياب الشرع والأخلاق".

ويتمركز الموقف العام بالنسبة إلى الصيداوي حول إصلاح المجتمع، والتعرض للفاسدين والأشرار، وبث الفضيلة بين الناس، ومحاربة الفساد بأشكاله كلها: فساد الأخلاق وفساد السلطة وفساد العلماء والجند والسوق، وتراجع قيمة العلم، وانهيار العلاقات الاجتماعية في المجتمع، وضعف الروابط والقيم وظلم الولاة.

صورة العصر ومشاهد الزمان

يقول مبيضين إن الصيداوي يجعل قارئه في صورة عصره ومشاهد زمانه؛ من باب الأخلاقيات والوعظ، والسرد الأدبي المعزز بموروثين كبيرين أحدهما ديني والآخر أدبي، وإن عمله في تأديب الأطفال، بجانب جامع الدرويشية القريب من الأسواق الرئيسة والفعاليات اليومية، كان سببًا في تمكنه من رصد مشاهد فريدة، ومظاهر عجيبة، وحكايات وصور روتها المصادر المحلية المعاصرة في شكل مغاير، وإنه يتميز بنقده السلطةَ وقدرته على وصف أفعال الولاة السلبية، ولعل هذا ما جعل مخطوطه يتعرض للسرقة والضياع.

يذكر المحقق أن الكشف والبيان صِيغَ بلغة جيدة مُحكَمة، مع ما كان يميز ذلك العصر من مظاهر كتابية وأساليب خطّية في اللغة، ويقول في هذا السياق: "وقد صححنا ما ورد في المتن خطًّا أو ما كان شائعًا رسمه، وأثبتناه في الهامش في صورة أصله، وفي جميع الأحوال نحن أمام مصدر جديد عن تاريخ مدينة دمشق العثمانية في القرن الثامن عشر".

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات