فولتير أو العقل ملكًا

12 مايو،2018
المؤلفون
الكلمات المفتاحية

صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب فولتير أو العقل ملكًا، وهو ترجمة عبود كاسوحة لكتاب جان أوريو Voltaire ou La royauté de l'esprit. ونمط هذا الكتاب هو نمط حياة فولتير نفسه، على إيقاع أليغرو موزارت. ليس ثمة ما يكشف الحجاب عن طبيعة فولتير العميقة أكثر من العجلة، فهو يغيّر نبرته وموضوعاته وملامح وجهه بإيقاع سريع يكاد لا يُصدّق. ولا عجب أن يقول عنه محبّوه إنه يعيش على قطار وجهته جهنم، حتى إنّ بعضهم أحب أن يرسل فولتير إلى جهنم، حتى لو كان حيًّا، وهو القائل: "الجنة تكون حيث أكون".

ولدت قتيلًا

في هذا الكتاب (976 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) قسمان أجملَ المؤلف فيهما جملةً من العناوين، يشكّل محتواها سيرة شاملة لحياة فولتير، الغزيرة في محطاتها، والغنية بتقلبات شخصيته وتناقضاتها، خصوصًا أن المؤلف عكس عصر فولتير في سيرته الشخصية.

حين ولد فولتير، وكان والده كاتب عدل، في عام 1694، ظنوا فعلًا أنه وُلد ميتًا، وهو من يقول لاحقًا: "إني وُلدت قتيلًا"، أي ضعيفًا. وسيعيش فولتير ضعيفًا حتى يوم وفاته. في عاشرته، ماتت والدته، وما كان له أن يتكئ على نسبه لأمه كثيرًا؛ فهي ما تحدرت من علية القوم، بينما والده أول فرد في آل أرويه يتنبّل فيعين في منصب سامٍ. وعلى الرغم من أن فولتير ما أراد يومًا أن يشابه أباه، فإنه - كما يقول المؤلف - صورة لوالده في احتقاره المهن الوضيعة، وتطلعه دومًا إلى أرستقراطية عليا يريدها بيئةً له وحاضنًا. ولعله ينسى لحظات، أو يتناسى، أن أبواب جنة الأرستقراطيين ما كانت لتنفتح في وجهه على مصاريعها كلها لولا أبوه الذي أورثه اسمًا كان له مفتاح نجاة من شظف العيش، مع الاعتراف طبعًا بما لموهبته الفذة من فضل في ذلك أيضًا.

ولدان أحمقان

في الكتاب تصوير شبه دقيق لشجرة عائلة أرويه: الأخت مارغريت، والأخ أرمان، إلى جانب فولتير "الزنديق"، وهذا ما دفع أباهم إلى وصف نجليه بقوله: "لي ولدان أحمقان: واحد من قلة التقوى، وآخر من شدة التقوى".

ذات يوم، كان فولتير على مقاعد مدرسة لليسوعيين، فعلموه الذوق، وعرفوه بكلاسيكيات الأدب التي صقلت قراءتها ذائقته الأدبية، ولقنوه مبادئ اللغة التي ستصير لغة روايته المعروفة كانديد. ومن هذه المدرسة انتقل إلى صفوف رافضي العقائد والأيديولوجيات، ثم قرر احتراف "مهنة الأدب"، فكان رد والده أنها مهنة عديمي النفع في المجتمع، ومن ينفق عليهم آباؤهم، ومن يرغب في الموت جوعًا.

جرّب دراسة الحقوق، فنفر منها، مصورًا مدرستها بمستودع العلف، وهو من لا يرضيه غروره بأن يكون نبيلًا فحسب، إنما مرامه أنه يريد أن يكون ندًّا للملوك.

في أحضان النساء

أراد أوريه الأب إبعاد ابنه عن الأدب، فأرسله إلى "كان". هناك، تعلق قلبه بالسيدة دوسفيل ورافقها في قصور كان. وعندما عاد إلى باريس، أرسله أبوه إلى لاهاي حيث عشق فتاة عشقًا كبيرًا، لكنه كان عشقًا قصير الأمد؛ فعشقه الوحيد كما يُرى هو المجد والحرية، وفي سبيلهما يبذل الغالي والرخيص.

ويروي المؤلف قصة علاقة فولتير بالماريشالة دو فيلار التي فتنته بأناقتها وذكائها. عطفت عليه بعد أن تعارفا في حفل تقديم مسرحيته أوديب، فراوده أن ما تكنّه له أشد من العطف، لكنها تمتنع عنه حياءً. وحين أدرك حقيقة الأمر هاج وماج، وهجر قصرها. وبحسب المؤلف، فإنها ما أحبته، وإنما أحبت عبثه وشعره وأسلوبه في الرسائل.

بعد الماريشالة أتت المركيزة إميلي زوجة المركيز دو شاتليه، التي هامت به وبأستاذ الهندسة في الوقت نفسه. يقول المؤلف إن إميلي كانت "نارًا متوقدة، وينبغي لها أن تلتهب متأججة، بوجود فولتير أو بعدم وجوده، ولو كان فولتير في متناول يدها لما فضلت عليه أحدًا سواه".

سكنت معه إميلي في قصر سيري، بينما كان زوجها المركيز يقاتل بعيدًا مع الملك. لكن ذلك لم يدُم؛ إذ ثارت عليها عائلة زوجها، فترك فولتير القصر لكن قلب إميلي لم يتركه. أمّا هي، فقد منعته من التوجه إلى الأمير فريدريك وليّ عهد بروسيا الذي دعاه إليه مرارًا، خصوصًا أنه صار ذائع الصيت بفضل مسرحياته. وبعد إميلي، عشق فولتير كثيرًا.

هائمًا حتى وفاته

بقي فولتير هائمًا في حياته، بين توقه إلى دخول الأكاديمية الفرنسية، وذهابه في بعثة دبلوماسية إلى برلين، حيث يحاول فريدريك الثاني استبقاءه، ثم عودته إلى فرنسا، وانتخابه في الجمعية الملكية في لندن، ونشر مسرحيته محمد.

ثم كانت علاقته بالآنسة غوسان، وتأليفه أميرة نافار في سيري، إلى تعيينه كاتب سيرة ملك فرنسا، وانتخابه في جمعية أدنبرة الملكية، وتعرفه إلى جان جاك روسو، وعلاقته بالسيدة دوني، ثم نجاحه أخيرًا في دخول الأكاديمية الفرنسية، واحتلاله مقعد جان بوهييه، وتسميته عضوًا في أكاديمية سان بطرسبرغ، ونبيلًا عاديًّا في الجناح الملكي، وسفره إلى برلين بعد تسميته كبير الأمناء لدى فريدريك الثاني، على أنه لم يعُد إلى باريس إلا في عام وفاته (في عام 1778). وقد وصل إلى باريس، وقرأ مذكرات سان سيمون، وحضر جلسة في الأكاديمية الفرنسية، وعرض مسرحيته إيرين، والتقى فرانكلين وديدرو، واستقبل في محفل الأخوات التسع ... إلخ، ثم إنه تُوفيَ.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات