الثورة التونسية: القادح المحلي تحت مجهر العلوم الإنسانية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "الثورة التونسية: القادح المحلّي تحت مجهر العلوم الإنسانية" بمساهمة مجموعة من الباحثين وتقديم من الأستاذ المولدي الأحمر، ويقع الكتاب في سبعة فصول (368 صفحة من القطع الكبير).

في الفصل الأول "الوسط الغربي للبلاد التونسية في خضم التغيرات الناجمة عن مظاهر تحديث الدولة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر"، يشرح عبد الحميد هنية العمق التاريخي لمشروع التحديث السياسي في تونس في الوسط الغربي من البلاد خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مؤكّدًا أنّ هذا المشروع انطلق من المركز، من الدولة، باتّجاه المجتمعات المحليّة الداخليّة التي تداعت بنيتها التقليدية شيئًا فشيئًا على وقع ضربات هذا المشروع.

وفي الفصل الثاني "انهيار معادلات التبادل في سوق سياسية محلّية مزيّفة" يبيّن المولدي الأحمر أنّ العامل السياسي العميق الذي فجّر الثورة التونسية انطلاقًا من سيدي بوزيد والقصرين، هو انهيار المعادلات التقليدية للتبادل في سوق سياسية محلّية متخمة ومزيّفة، مبيّنًا – اعتمادًا على معطيات ميدانية مفصَّلة - أنّ انهيار "التجمع الدستوري الديمقراطي" في أثناء الحوادث يعود إلى سيرورة تأكّل معادلات تلك السوق على وقع التحوّلات العميقة التي عرفها المجتمع المحلّي - وكذا الأمر في مناطق أخرى - وهي تحوّلات فشل النظام المستبد المنهار في مشاهدتها واستيعابها أو التأقلم مع مقتضياتها.

 ويقدم محمد علي بن زينة، في الفصل الثالث "جيل الثورة: قراءة سوسيوديموغرافية في تحوّلات واقع الشباب في سيدي بوزيد والقصرين ودورها في قيام الثورة التونسية" تحليلًا معمَّقًا، من خلال مقاربة «جيلية» لسيرورة تشكّل شعور الشباب في سيدي بوزيد والقصرين بالإحباط، نتيجة الأزمة العميقة التي عرفتها المنظومة التعليمية، وانهيار القيمة الاجتماعية والمهنية للدبلوم المدرسي.

 ويحلّل أحمد خواجة، في الفصل الرابع "الممارسات الثقافية ودورها في اندلاع الثورة في ولايتي سيدي بوزيد والقصرين"، الأزمة العميقة التي كان المجتمع المحلي في سيدي بوزيد والقصرين يعيشها على مستوى البنية التحتية لمقومات النشاط الثقافي الحديث، مبيّنًا في السياق ذاته دور الشبكات العنكبوتية في إدخال ممارسات جديدة لدى الشباب واحتدام الصراع بين الأنماط الثقافية القديمة والحديثة، مع تنامي الشعور بالمهانة عند الشبان بسبب التهميش الثقافي.

 وفي الفصل الخامس "الحساسية الاجتماعية المفرطة لاقتصاد محلّي هشّ وغير مهيكل"، يوصّف حمادي التيزاوي - بشكل مفصّل - تاريخ التهميش الاقتصادي الذي عانته سيدي بوزيد والقصرين، وما ولّد من توسّع لنسيج اقتصادي غير مهيكل، نشأت داخله قوى اجتماعية صاعدة شديدة الحساسية للأزمات الاقتصادية، مثّلها بشكل مختزل ودرامي محمد البوعزيزي.

 أمّا حاتم كحلون، فدقّق في الفصل السادس "مدن الثورة التونسية من منظور التخطيط الحضري والتنمية المحلّية" في مسار التحضّر الذي عرفته مدينتا سيدي بوزيد والقصرين، مبيّنًا كيف أنّ السياسة العمرانية التي سادت في هاتين المنطقتين وفي مدن تونسية أخرى، لم تكن تهتمّ ببناء مقوّمات الهويّة «المدينية» للسكان، فظلّ هؤلاء شبه غرباء عن ثقافة العيش المديني، متكدّسين في أحياء فقيرة وغير مهيأة للحياة الحضرية، لا يشاركون في صنع مقومات مدينتهم ويشكون نكد الحياة فيها.

وأخيرًا، في الفصل السابع "النار التي أحرقت البوعزيزي: مقاربة تحليلية نفسية"، تتناول سامية صميدة حادثة البوعزيزي من وجهة نظر العلوم النفسية، مقدّمة تحليلاً جريئًا – فيه شيء من المغامرة - للرّموز التي يحملها اسم «طارق»، الاسم الأصلي لمحمد البوعزيزي، ولتاريخ ميلاده وانتحاره، وكلّ ذلك في علاقة بالأبعاد الثقافية والسياسية التي أخذتها حادثة إحراقه نفسه في مكان مزدحم بالرموز.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات