أزمنة متصدعة: الثقافة والمجتمع في القرن العشرين

07 أكتوبر،2015
المؤلفون

يتناول كتاب "أزمنة متصدعة: الثقافة والمجتمع في القرن العشرين" (560 صفحة من القطع الكبير)، للمفكر والمؤرخ البارز إريك هوبزباوم، الصادر ضمن سلسلة "ترجمان" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بترجمة سهام عبد السلام، ما حدث لفن المجتمع البرجوازي وثقافته بعد أن تلاشى هذا المجتمع إلى غير رجعة بعد عام 1914. وبما أن هوبزباوم قد تحدث عبر مسيرته الطويلة عن التشابك الغريب بين الحقيقة التاريخية والفن، فقد طلب منه معدو مهرجان سالزبورغ السنوي في أواخر القرن الماضي أن يتحدث عن هذا الأمر، فكانت سلسلة محاضرات تشكل بداية هذا الكتاب الذي تم تأليفه بين عامي 1964 و2012.

يقع هذا الكتاب (وعنوانه الأصلي: وعنوانه الأصلي: Fractured Times: Culture and Society in the Twentieth Century) الذي يركز على التاريخ الثقافي لأوروبا، وليس على التاريخ الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، في أربعة أقسام رئيسة، يحتوي كل قسم منها على عددٍ من الفصول. يبين الكاتب في القسم الأول "مأزق «الثقافة الرفعية» اليوم" أنّ أول أسباب هذه الأزمة اعتماد الفنون على الثورة التكنولوجية، ويرجع السبب الثاني للأزمة إلى سيادة الحضارة الاستهلاكية عالم اليوم، التي رُقّي الترفيه تحت ظلها إلى مرتبة الثقافة، وهدم الجدار الفاصل بين الثقافة الرفيعة والحياة اليومية العادية. وبعد استعراض أسباب الأزمة، يستعرض هوبزباوم مظاهرها، ويبدأ بفن الموسيقى؛ إذ يقول إنّ الموسيقى الكلاسيكية الغربية صارت تعتمد على مخزون ميت منذ الحرب العالمية الأولى، فقد انتاب الركود قوالبها الموسيقية. ويختم هوبزباوم هذا القسم بنظرة على علاقة الثقافة والفنون بالسياسة والسوق في الوقت الحاضر، ويراها علاقة يحكمها ثلاثة لاعبين: السياسة، والسوق، والإلزام الأخلاقي.

وفي القسم الثاني من الكتاب "ثقافة العالم البرجوازي" يحاول المؤلف الإجابة عن سؤال: ما هو السياق الذي تحدث فيه الأزمة؟ ويتوقف الكاتب طويلًا عند وضع اليهود في القرن العشرين، مستعرضًا أثرهم في بقية البشرية منذ بدء تحررهم الذاتي في نهايات القرن الثامن عشر الذي منحهم حياة تليق بالبشر بعد عزلة طالت، فرضتها عليهم السلطات، كما فرضوها هم على أنفسهم. وينتقل بعد ذلك لإلقاء الضوء على عنصر آخر مميز لسياق الأزمة، هو علاقة الثقافة بالنساء. مقدمًا مسحًا لمشكلة العلاقات العامة والخاصة بين الجنسين في الثقافة البرجوازية بين عامي 1870 و1914، ويضرب أمثلة دالّة عليها، مثل كم النساء اللاتي ورد ذكرهن في كتب ونوعهنّ: من هي أو من هو بين الناس؟ كما يستعرض الكاتب المسرح والصحافة كعنصرين من العناصر اللصيقة بالأزمة في الحياة البرجوازية الغربية.

وبعد استعراض الأزمة ومختلف جوانب السياق الذي حدثت فيه، يصحبنا المؤلف في القسم الثالث "مواضع الشك، والعلم، والدين" والمكوّن من مشاهد عدة تجري في مواقع مختلفة، تبيّن كيف أمكن للقرن العشرين أن يواجه انهيار المجتمع البرجوازي التقليدي والقيم التي حافظت على تماسكه. هذه المشاهد منفصلة، لكننا يمكن أن ندرك اتصال بعضها ببعضها الآخر لو تخيلنا أن الانتقال بينها يجري بتقنية القطع بين كل مشهد منها والآخر، لتكون مجموعة المشاهد في النهاية قسمًا متماسكًا ذا معنى. وينتقل المؤلف في هذا الفصل بين النخبة وخوفها على الهوية، والعلم وعلاقته بتغير العالم، والمثقفين، والدين وأثره في السياسة، والثورة الشيوعية وأثرها في الفنون، والديكتاتوريات وعلاقتها بالفنون، ويختتم الفصل بعرض الحركة الطليعية وهي تفشل؛ أمام الآلة، وأمام الاستهلاكية.

يختم هوبزباوم كتابه بالقسم الرابع "من الفن إلى الأسطورة" وهو قسم موجز يحاول أن يتلمس فيه كيف هُزمت الفنون، وما الذي حل محل الفنون المهزومة بعد أن جعلها التقدم التكنولوجي زائدة عن الحاجة، منطلقًا من استعراض فنون الجماهير.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات