مسائل التعدد والاختلاف في الأنظمة الليبرالية الغربية

 مدخل إلى دراسة أعمال تشارلز تايلر

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مسائل التعدد والاختلاف في الأنظمة الليبرالية الغربية: مدخل إلى دراسة أعمال تشارلز تايلر، للكاتب سايد مطر. ويشتمل هذا الكتاب على 240 صفحةً من القطع الكبير، وهو يعالج، وفقًا لتشارلز تايلر، قضايا الاختصام بين الموروثات القديمة كالدين والتقاليد، والمكتسبات الحديثة كالحريات، من خلال البحث في مسائل التجانس والتعدد ووحدة المجتمع في سياق عملية الاندماج. وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه ينقل النقاش في هذه القضايا إلى العالم العربي بعد أن أظهرت التحولات الجارية حيوية هذه الموضوعات بخصوص بناء الدولة الحديثة.

يأتي الكتاب الذي قدّم له جوزيف معلوف في أربعة فصول رئيسة، ويُعني الفصل الأول منه، وهو بعنوان "القديم والحديث بين النزاع والمصالحة"، بمسألة الاختصام الذي نشب بين الموروثات القديمة (الدين والتقليد) والمكتسبات الحديثة (الحريات الفردية). وينظر هذا الفصل في الانقسام الحادّ الذي نشأ بين مكتسبات الحداثة؛ من انعتاق للعقل من روابط الدين والتقليد وإعلان الثورة المساواتية في الحقوق والحريات الفردية من جهة، والموروثات الثقافية التقليدية القديمة من جهة أخرى. ويعمد المؤلف في هذا الفصل إلى إيضاح سعي تايلر لاستجلاء معاني العُسر والانقسام بين الحديث والقديم والعمل على إمكان المصالحة بينهما.

وفي الفصل الثاني "الاعتراف بالتعددية الليبرالية السياسية" يبرز المؤلف الأهمية القصوى للخلفيات الثابتة أو الموروثات الثقافية التي تعتمل في هوية الفرد التاريخية وتكوِّن بنيتها الأنثروبولوجية تكوينًا أصيلًا، وهو ما يؤكد، بحسب تايلر، ضرورة الاعتراف السياسي والقانوني بهذه الموروثات، بالنظر إلى أنّ لها أثرًا بالغ الأهمية في حياة الفرد وفي استنهاض المعية الإنسانية على المستوى العملي والوجودي. وينظر هذا الفصل في ضرورة الاعتراف السياسي بالاختلافات الثقافية والعرقية، استنادًا إلى ما لهذه الاختلافات من أهمية بالغة على الصعيدين العملي والسياسي. ومن ثَمّ تجري محاولة التحقّق من توافق الاعتراف والليبرالية السياسية التي اعتادت تقليديًّا الحيادَ إزاء هذه المسائل الشائكة والنسبية والمعقَّدة.

أمّا الفصل الثالث "وحدة المجتمع في المشاركة المنوعة والاندماج" فيبين إيجابية الاعتراف السياسي بالتنوع الثقافي والتعدد العرقي، بناءً على أنّه محفّز يشجّع الأقليات على المشاركة السياسية في شؤون المدينة الإنسانية والاندماج في النسيج الاجتماعي. ويكون هذا الاندماج محكومًا بالتنوع؛ لأنّ التمايزات الثقافية تظهر في الحيز العامّ آخذةً بالتلاقي، ساعيةً للتشارك، مستنهضةً للتفاعل فالتقابس. ويركّز المؤلف في هذا الفصل في الدور المحوري الذي تمثّله المشاركة السياسية في تواصل جميع المكونات المنوعة، خصوصًا الأقليات والجماعات العرقية، ودمجها في الأكثرية حتى تحقيق وحدة المجتمع وتماسكه.

يطرح الفصل الرابع "العلمانية وتحديات مطالب التكيف" منافع الانفتاح السياسي عن التعدد الثقافي، وما يولّده هذا الانفتاح من مخاطر الاعتراف القانوني بمطالب الجماعات العرقية والدينية بالنسبة إلى وحدة المجتمع وتماسكه، على أنّ مطلب تكيّف هذه الجماعات أو الأقليات يكون مطلبًا "عاقلًا" عندما يكون ذا جدوى تجاه المصلحة العامة، فلا يعطّل عمل المؤسسات العمومية والخاصة التي تجيزه، ولا يتعارض، على أيّ نحوٍ من الأنحاء، وضرورات تكييف المعايير العامة التي توافقه. ويُناقش في هذا الفصل أيضًا سعي بعض الأقليات والجماعات العرقية المهاجرة، أو غيرها، للمطالبة بأن تكيِّف الدولةُ المعاييرَ العامة الناظمة حتى تراعيَ بعض ما تُلزمهم به معتقداتهم الدينية. ويرمي المؤلف من هذا الفصل إلى مصاحبة تايلر في استفساره: أيتوافق هذا النوع من التكيف وروح العلمانية أم يعارضها؟

اقــرأ أيضًــا

فعاليات