محمد عابد الجابري: المواءمة بين التراث والحداثة

31 أغسطس،2016
المؤلفون

يسلّط كتاب "محمد عابد الجابري: المواءمة بين التراث والحداثة"، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (191 صفحةً)، الضوء على أهمّ مفاصل المشروع الفكري للجابري وتجلياته وتجربته؛ من أجل الإحاطة العامة بالآثار المختلفة التي أنجزها في مساره الحافل بالإنتاج الفكري، ومعاركه في جبهات الفكر التقدمي في الفكر العربي المعاصر التي تتمثل ملامحها المؤسسة بمشروع نقده العقل العربي.

تتكامل فصول هذا الكتاب التي ساهم في وضعها مجموعة من الباحثين المغاربة، للإلمام بأهمّ نتائج عمل الجابري، "راسمةً صورًا لحضوره الفكري في الثقافة العربية: فاعلًا ومنفعلًا وصاحب أطروحة وفكر"، بناءً على إشكالات الحاضر العربي في أبعادها ومستوياتها المختلفة. ويعكس هذا الجهد الجماعي صورةً جامعةً ومتكاملةً لأعمال الجابري المختلفة. ويتفق الباحثون المشاركون في هذا الكتاب على أنّ ما منح مشروع الجابري أهميةً رمزيةً في فكرنا المعاصر، هو التزام هذا المفكر قضايا التقدم والنهضة في مجتمعه، على أنّ مزيّته الكبرى، في مساره الفكري والسياسي والجامعي، تكمن في "إيمانه العميق بالوظيفة التاريخية للمثقف والباحث".

شارك في وضع هذا العمل مجموعة من الباحثين المغاربة، عايشوا الجابري عن كثبٍ؛ إذ نطّلع من تلميذه كمال عبد اللطيف وحسن بحراوي، في الفصل الأول، على العلامات الكبرى في مساره الفكري، وعلى جوانب من سيرته الذاتية، وعلى معطيات من تنشئته التعليمية. فالباحثان يُبرزان جوانب متصلةً بأطوار طفولته وتنشئته الاجتماعية وتكوينه التعليمي، معتمدين على بعض النصوص والشهادات من سيرته الذاتية، حفريات في الذاكرة، فضلًا عن حضوره الرمزي المميز طوال الثلث الأخير من القرن الماضي في منتديات الفكر المغربي والفكر العربي. ومن ثمّ يعاينان جبهات عمله وأبرز المعارك التي "خاضها من أجل الدفاع عن الخيارات والمواقف التي كان يؤمن بها" في مساره الفكري، فيعالجان - في شيء من الاقتضاب الجامع - معاركه الفلسفية ودفاعه عن العقلانية، وما خاضه من كفاح على جبهة التراث في نقد العقل العربي، ودفاعه عن الحريات والتحديث السياسي. ويرى الباحثان أنّ أعمال الجابري لا يمكن أن تُفهم، أو تُستوعب، إلّا في إطار محددات ثلاثة، هي: تكوينه الأكاديمي، وانخراطه في السياسة من خلال حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعمله في المجال التربوي في التدريس أولًا، ومن ثمّ من خلال إشرافه على التدريس والتأطير في التعليم الثانوي والتعليم العامّ.

أمّا في الفصل الثاني، وهو بعنوان "محمد عابد الجابري وسؤال النهضة"، فيرى محمد نور الدين أفاية في مقدمة بحثه أنّ الجابري "تميز بكونه قدّم إلى الدرس الفلسفي في المغرب وفي العالم العربي بعض مبادئ الاشتغال الإبيستيمولوجي والاهتمام المستمر بالاستعمال الملائم للمفاهيم". كما يرى أنّ نصوص الجابري تنمّ على حسّ بيداغوجي، ووعي سياسي، وتكوين فلسفي متعدد الاهتمامات، وإلمام بنصوص التراث. ويتوقف الباحث طويلًا أمام المشروع النهضوي للجابري، وما يرتبط بهذا المشروع من إشكالات، فيقارب عددًا من المسائل ليوضح دلالات دفاع الجابري عن ضرورة استقلال الذات العربية، تمهيدًا للإحاطة بأطروحته المركزية في نقد العقل العربي.

إضافةً إلى ذلك، يرى أفاية أنّ الجابري "كان مهجوسًا بمسائل المنهج ومقتضيات التحديد المفاهيمي"، عندما تحدّث عن النهضة والتراث والعقل والنقد والأصالة والهوية". أمّا في ما يتعلق بمعالجة الجابري الخطاب المتخيل للنهضة، فيوافقه الرأي من جهة أنّ هذا الخطاب "يعبّر عن انفصام جليّ بين الفكر والواقع، وعن تضخم وجداني وأيديولوجي".

أمّا في الفصل الثالث، فيعرض محمد مزوز بحثه، وهو بعنوان "منزلة العقل النظري في المشروع النقدي للجابري"، لـ "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي عند الجابري"، ويقارب نتائج نقد الجابري وخلاصات هذا النقد، فيعرض خلاصاته الكبرى في محاولة لجعلنا ندرك الكيفيات التي ركّب بها الجابري الملامح الكبرى لتكوين العقل العربي وبنيته، ولنتمكن من معاينة بنية الأنظمة الفكرية التي صنعت تجليات الثقافة العربية في عصورنا الوسطى. وعلى الرغم من ذلك كلّه، يرى مزوز أنّ "المشروع النقدي [للجابري] برمته لا يندرج بتاتًا في مجال البحث الفلسفي، ولا في مجال تاريخ الفلسفة"، ذلك أنه أُنجز "لخدمة قضية العرب أو المسلمين" فحسب، في حين أنّ الإنسان هو الموضوع الأول للفلسفة.

وأمّا في الفصل الرابع، فيسلط محمد العمري الضوء على "الوظيفة البلاغية والرؤية البيانية في أعمال محمد عابد الجابري"، من خلال مقاربته مجالات البلاغة والبيان في أعمال الجابري، وتسليطه الضوء على المداخل الثلاثة لبلاغته، فيرى أنّ الباحث تمكّن من تجلية دور البلاغة في نظام العقل البياني، وانخرط في جدل بديع مع بعض مقدمات الجابري، ولا سيما في موضوع ربطه البلاغةَ بالبيان.

يُختم هذا الكتاب في الفصل الخامس ببحث سعيد شبار، وهو بعنوان "الجابري والقرآن الكريم... تجديد داخل التقليد"، في محاولة لاستكمال هذا العمل الهادف إلى الإحاطة بمجمل فكر الجابري ومشروعه في النهضة والتقدم. فقارب مصنّفات الجابري في فهم القرآن عادًّا أنها تقدّم جوانب من جهده الرامي إلى التعامل مع القرآن بطريقة مفتوحة على الفهم العقلاني؛ إذ يُبرز الجابري خلوّ القرآن من ثقل "الأسرار" التي تعدّ أمور الدين خارج مجال العقل. وأوضح الباحث كيفيات فهم الجابري للقرآن، مشيرًا إلى اعتماده، أساسًا، على جملة معطيات من السيرة النبوية. كما عرض معالجة الجابري لقضايا تتعلق بجمع المصحف تدوينًا وترتيبًا، وإعجاز القرآن والقصص القرآني.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات